بعد 13 عاماً، أعلن سفير نظام الأسد في لبنان، علي عبد الكريم، مغادرة منصبه، وذلك خلال لقاء مع وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، عبد الله بو حبيب.
وأعلن عبد الكريم أن اللقاء كان “وداعياً”، في حين أعرب وزير الخارجية اللبناني عن استمرار الاتصالات مع نظام الأسد، متمنياً لسفير النظام “التوفيق في بلاده”.
ويعتبر عبد الكريم أول سفير لنظام الأسد في لبنان، إذ كان النظام يعتبر نفسه مسيطراً على لبنان بحكم انتشار جيشه هناك منذ سبعينات القرن الماضي، ثم عزز ذلك بـ”شرعية عربية” عقب اتفاق “الطائف”، الذي أنهى عقداً ونصف من الحرب الأهلية اللبنانية_1975- 1990).
غير أن تداعيات اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، سنة 2005، والقرارات الدولية التي صدرت عقب ذلك، أجبرت النظام على سحب قواته نهائياً من لبنان، وبعدها بأربع سنوات ويفتتح سفارة له في بيروت.
وصل علي عبد الكريم علي إلى بيروت في 24 مارس/آذار 2009، وتقبل أوراق اعتماده الرئيس اللبناني السابق، ميشيل سليمان، ويمكن تلخيص وجود الكريم في لبنان بأربع مراحل.
قبل الثورة
تزامن وصول عبد الكريم إلى منصبه مع عودة العلاقات بين النظام ولبنان، وزيارة رئيس الوزراء آنذاك، سعد الحريري إلى سورية ولقائه ببشار الأسد، رغم اتهامه بوقوف النظام وراء اغتيال والده.
ومنذ وصول عبد الكريم إلى لبنان، التقى مختلف الأحزاب والشخصيات السياسية اللبنانية، كان أبرزهم رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط، الذي أقام في يونيو/ حزيران 2010، حفل استقبال وغداء على شرف علي عبد الكريم في قصر المختارة.
وبعد أشهر أقام رئيس “تجمع 11 آذار” مرعي أبو مرعي، حفلة على شرف عبد الكريم في صيدا، حضرها مختلف أطياف المجتمع اللبناني وقواه، من الأكثرية والمعارضة والمستقلين.
كما كرمت “حركة أمل” سفير النظام بمأدبة إفطار في نادي الشقيف- النبطية في سبتمبر/ أيلول 2010.
المطالبة بالطرد
لكن هذه الاجتماعات والتصريحات الإيجابية، تغيرت بعد اندلاع الثورة السورية سنة 2011، ووقوف بعض الأحزاب اللبنانية إلى جانب الشعب السوري في وجه النظام.
كما لعب أيضاً اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد، وسام الحسن، دوراً في تحول العلاقة، إذ اتهم الحريري وجنبلاط شخصياً بشار الأسد بالوقوف وراء اغتيال الحسن.
ومع ارتفاع وتيرة الأحداث في سورية، وتباين مواقف الأحزاب اللبنانية من الثورة، تعالت الأصوات المطالبة بطرد سفير النظام السوري وإغلاق السفارة.
وأكد النائب اللبناني، سامي الجميل، في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وجود معلومات لدى قوى الأمن، حول تورط السفارة السورية في بيروت، بخطف معارضين سوريين في لبنان.
وفي 4 سبتمبر/ أيلول 2012 دعا نواب من “14 آذار” الرئيس اللبناني، لطرد السفير السّوري من لبنان واعتباره شخصية غير مرغوب بها.
واعتبر النواب أن عبد الكريم “يلعب أدواراً أمنية استخباراتية أكثر من مهماته الدبلوماسية، ويشرف على عمليات خطف واعتداءات وتصفيات”.
وفي مطلع 2013 ارتفعت الأصوات المطالبة بطرده، بعدما اعتبرت أوساط برلمانية وحزبية، أن عبد الكريم خرج عن الأصول الدبلوماسية، بممارسته سياسة ضارة بعلاقة اللبنانيين ببعضهم.
وأرسل عبد الكريم رسالة احتجاج لوزير الخارجية اللبناني حينها، عدنان منصور، انتقد فيها وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، واتهمه بـ”تقديم المساعدات إلى الجماعات التكفيرية”، إضافة إلى تعاطيه مع ملف النازحين السوريين في لبنان.
كما اتهمه في رسالة ثانية، بممارسة سباسبة عدائية ضد نظام الأسد “تتنافى مع الاتفاقيات الثنائية بين البلدين”.
ودفعت تصريحات السفير إلى إصدار الرئيس اللبناني، ميشيل سليمان، بياناً دعا فيه جميع السفراء في لبنان، إلى ضرورة احترام أصول التعامل الدبلوماسي، والتوقف عن التدخل في شؤون بلاده وسياساتها الداخلية، في انتقاد صريح لعبد الكريم دون أن يسميه.
إلا أن علي عبد الكريم انتقد في أكثر من تصريح الموقف اللبناني مما يجري في سورية، واعتبر أن “ما يجري على الساحة اللبنانية يعبر عن انقسامات أقل ما يقال فيها إنها لا تنظر الى المصلحة اللبنانية”، معتبراً أن دعوات طرده ليست جديدة.
ورغم عدم طرده، إلا أن بعض الأحزاب السياسية بقيت على موقفها الرافض لوجود عبد الكريم في لبنان، وهذا ما عكسه رفض سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل، مصافحة عبد الكريم في مناسبتين.
المرة الأولى كانت خلال حفل أقيم بذكرى عيد الاستقلال اللبناني سنة 2016، إذ انسحب الحريري من المراسم لبعض الوقت قبل أن يعود لاحقاً.
أما المرة الثانية كانت في نفس الذكرة سنة 2018، عندما انسحب الحريري من مكان الاستقبال، قبل وصول سفير النظام ليعود بعدها لمصافحة المهنئين.
التدخل في الانتخابات
عمل عبد الكريم خلال سنوات تواجده في لبنان، على نقل رسائل الأسد إلى الأحزاب السياسية، كما تولى مهمة تقديم الدعم لموالي النظام من السياسيين اللبنانيين.
وفي 2018 وقبل أسبوع من الانتخابات التي جرت في 6 مايو/ أيار، دعا الوزير اللبناني السابق، وئام وهاب، نظام الأسد إلى حسب سفيره علي عبد الكريم، الذي يعمل على تحالفات في لبنان.
في حين نشرت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية، في 22 مارس/آذار 2020، تحقيقاً قالت فيه، إن رئيس “مكتب الأمن الوطني” في سورية علي مملوك، يراقب الانتخابات في لبنان عبر عبد الكريم، الذي يمد يد العون لمؤيدي الأسد خاصة في دائرة بعلبك الهرمل.
وإلى جانب الانتخابات في لبنان، كان عبد الكريم وراء هندسة وصول اللاجئين السوريين إلى سفارة النظام، في “انتخابات الرئاسة” التي أجراها نظام الأسد سنة 2021.
وتعرضت حافلات السوريين في طريقها إلى السفارة، إلى هجمات من قبل بعض اللبنانين المعارضين للنظام، واعتبر السفير أن “الاعتداء على حافلات الناخبين لا يليق باللبنانيين”.
من هو علي عبد الكريم؟
عبد الكريم من مواليد قرية كفردبيل بريف جبلة عام 1953، وحصل على إجازة باللغة العربية من جامعة دمشق، قبل أن يدخل إلى مجال الصحافة والإعلام.
وتسلم خلال عمله في الصحافة مدير الإذاعة والتلفزيون السوري، إضافة إلى مدير عام ورئيس تحرير وكالة “سانا”، قبل ان يدخل سنة 2002 سلك الدبلوماسية، عندما عُين نائب سفيرٍ للنظام في أبو ظبي.
ثم نقل إلى الكويت عام 2003 وعين نائب للسفير، قبل أن يصبح سفير النظام في الكويت سنة 2004، قبل أن يتسلم سنة 2009 مهامه في لبنان.