عملية جراحية “واسعة -قصيرة”..إجراءات أمريكية تؤشر لهجوم بري تركي
تتصاعد حدة التوتر بشأن العملية العسكرية التركية الجارية “المخلب السيف”، بعد تقليص الولايات المتحدة دورياتها في شمال شرقي سورية، والتصريحات التركية بقرب الهجوم البري، وتحذير “قوات سوريا الديمقراطية” من ذلك.
أما نظام الأسد وروسيا، فيعملان على الضغط المستمر، لتحقيق أكبر مكاسب من “قسد”، إضافة إلى إرسال تعزيزات برية إلى مدن منبج وتل رفعت بريف حلب.
وتشير التصريحات الرسمية التركية إلى أن العملية ستشمل مدن عين العرب / كوباني ومنبج وتل رفعت بريف حلب، وهو ما تتوقعه “قسد” أيضاً، لكن من الممكن أن تأخذ تركيا اتجاهاً مغايراً للتوقعات ولتصريحاتها أيضاً.
الدول الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وإيران، تماشت مع الضربات التركية الحالية، والتي تأخذ منحىً أمني، دون أي توغل بري عسكري.
ومع العزم التركي على العمل البري، بدأت هذه الدول على العمل وفق مسارات محددة، دون معارضة مباشرة لذلك، آخذة بعين الاعتبار مصالحها وعلاقتها مع تركيا.
أمريكا تجلي رعاياها وتقلص نفوذها
ذكر موقع “المونيتور” الأمريكي، أمس الأربعاء، أن الولايات المتحدة أجلت جميع الموظفين المدنيين الأمريكيين بمن فيهم الدبلوماسيين من مناطق سيطرة “قسد” إلى مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق.
وامتنع متحدث باسم الخارجية الأمريكية عن التعليق على عملية الإجلاء.
التحرك الأمريكي الثاني اللافت، كان بتقليص دورياتها المشتركة مع “قسد” في المنطقة، حسبما صرح به المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، باتريك رايدر، أمس الثلاثاء.
وقال رايدر، إن بلاده تتواصل مع تركيا بشأن التصعيد، وتعترف “بمخاوف تركيا الأمنية المشروعة حيال الأعمال الإرهابية داخل حدودها”، وسيتحدث وزير الدفاع، لويد أوستن، مع نظيره التركي خلوصي أكار.
ويرى مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الإستراتيجية” معن طلّاع، أن عملية الإجلاء وتقليص الدوريات “مؤشر وازن” على شن تركيا هجومها البري، و”من الواضح أن الأمريكيين لديهم بيانات أن العملية متعددة الاتجاهات كمرحلة أو حركة أولى”.
ورجح الباحث السياسي بحسب الشروط المتوفرة إلى الآن، أن تكون العملية في شرق الفرات، و”ستبدأ كإستراتيجية عسكرية بخطوط مفتوحة، ومن غير المعروف أين ستستقر”، لأن التواصل والمفاوضات مع نظام الأسد وروسيا لم تنجز حول المناطق الواقعة غرب الفرات.
المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، صرح أمس بأن العملية البرية التي تنوي بلاده تنفيذها في سورية، قد تبدأ “اليوم أو الأسبوع المقبل أو في أي وقت”، وقد تجري “بعدة طرق مختلفة، وستكون واسعة جداً جغرافياً وقصيرة المدى”.
وأوضح كالن في حديثه مع قناة “a haber”، أمس الثلاثاء، بأن تركيا تنسق عادةً مع حلفائها والدول المجاورة حول مثل هذه العمليات، لكنها “لا تأخذ الإذن من أي أحد لمعالجة مخاوفها الأمنية”.
وعلى الولايات المتحدة وروسيا أو غيرهم تقييم الأمر أولاً في حال تواجد عناصرهم في “النقاط الإرهابية” التي تستهدفها تركيا، بحسب كالن، مؤكداً أن الجيش التركي لم يستهدف حتى اليوم أي جنود تابعين للولايات المتحدة وروسيا.
وكانت تركيا قد أطلقت عمليتها العسكرية (المخلب السيف) ضد “قسد” فجر الأحد 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، واقتصرت على الغارات الجوية، والقصف المدفعي والصاروخي، مع التهديد المستمر بشن هجوم بري.
وجاءت العملية رداً على تفجير اسطنبول، واتهام تركيا “قسد” بالوقوف خلفه، بعد التحقيقات التي أجرتها، وعرضت أدلتها.
عملية جراحية خاطفة
رجح الباحث معن طلّاع أن تكون العملية البرية التركية في حال حدوثها “عملاً جراحياً وليس استراتيجياً”، فـ”الأتراك مارسوا ضغطاً دبلوماسياً واسعاً على عدة أطراف، ما يجعل فكرة العمل العسكري هي فكرة واردة”.
وكإطار ينظم العملية العسكرية “بشكل عام ما زلنا اليوم نتحدث عن مساحات ضيقة إذا حصلت هذه العملية العسكرية”.
وهناك عدة مؤشرات لبدء العملية البرية منها، أن التصريحات الأمريكية تحاول أن ترسل رسائل استيعاب للتهديدات الأمنية لتركيا، ورسائل عدم معارضة للعمليات النوعية الجارية حالياً.
ومن شروط تعزيز قيام تركيا بعملية جراحية خاطفة، عدم ممانعة المناخ الدبلوماسي الرسمي لكل الدول له، رغم أنه لا يرتقي للمناخ السياسي الذي كان في عملية “درع الفرات”، حسب معن طلّاع.
تعقيدات قبل العملية
مع انطلاق عملية (المخلب السيف)، سارعت روسيا ونظام الأسد للضغط على “قسد”، بغية تحقيق أكبر قدر من المكاسب، في ظل عدم اتخاذ الولايات المتحدة موقفاً قوياً يوقف العملية التركية، وهي الداعم الرئيسي لـ”قسد”.
وطلب قائد القوات الروسية، ألكسندر تشايكو، من قائد “قسد”، مظلوم عبدي، الأحد الماضي، انسحاب قواته مسافة 30 كيلومتراً على طول الحدود الشمالية لسورية، على أن تحل مكانها قوات من جيش الأسد.
كما لم تتضح حتى الآن الأماكن المستهدفة في العملية البرية رغم تصريحات المسؤولين الأتراك المتعاقبة، وتوقعات عبدي بأنها ستكون على مدن عين العرب/كوباني ومنبج وتل رفعت.
وما يزال هناك تعقيدات حيال مناطق غرب الفرات (منبج وتل رفعت)، حسب الباحث معن طلّاع، فالنظام وروسيا يريدون أن تكون العملية شرق الفرات لأنها “ستوجع قسد أكثر وتقلص التواجد الأمريكي”.
أما منطقة غرب الفرات (شمال غرب سورية) فهي محكومة بمنطق محادثات أستانة، أي من الممكن أن تكون تفاعلاتها ضمن اتفاق أضنة جديد، لكن تركيا تدرك أنها ستذهب خارج التوقعات، كما يقول مدير البحوث في “مركز عمران”.
فـ”المنطق العسكري يوجه العملية البرية إلى عين العرب، وتركيا لا يهمها الدخول في العمق السوري، إنما الحركة على الحدود”.
والمنطق الأمني، يعني أن العملية يجب أن تكون غرب الفرات (منبج وتل رفعت)، لأنها تشكل تهديداً لمناطق سيطرة المعارضة والداخل التركي أيضاً.
وسيطرة تركيا على عين العرب يحقق لها وصل مناطق نفوذها في مدينتي تل أبيض ورأس العين (منطقة عمليات نبع السلام) مع مدن الباب واعزاز وجرابلس (منطقة عمليات درع الفرات)، وهو ما يحقق لها مكاسب أمنية، وسهولة تنقل للوحدات العسكرية بين المنطقتين.
مبادرة لتشكيل قيادة موحدة لفيالق “الجيش الوطني”.. لماذا الآن؟