“فكرة سيئة” عام 2019 و”حق مشروع” عام 2022، فروقات واضحة في ردات الفعل الأمريكية تجاه التهديدات التركية المتكررة، بتنفيذ عملية عسكرية ضد “قسد” في سورية، والتي تجلت مؤخراً مع إعلان تركيا عزمها البدء بعملية برية “قريبة”، تستهدف 30 كيلومتراً من الحدود، وجرى الحديث عن ثلاث مناطق قد تشهد العمليات العسكرية(تل رفعت، منبج، عين العرب).
ومع ثبات الموقف التركي خلال السنوات الأخيرة من “قسد”، كان الفارق في الموقف الأمريكي، هو انتقال الإدارة من دونالد ترامب (الجمهوري) إلى جو بايدن (الديمقراطي)، وما يستتبعه ذلك من تغيرٍ في السياسات الخارجية.
خلال عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ضد “قسد” في الشمال السوري، اعتبر دونالد ترامب، الذي كان رئيساً للبيت الأبيض حينها، أن العملية التركية “فكرة سيئة”.
وقال ترامب إن بلاده لن تتخلى عن شركائها في سورية، مهدداً بتدمير اقتصاد تركيا “إذا تجاوزت الحد”، في العملية التي بدأت حينها بعد يوم واحد من مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
اليوم، ومع تواتر التهديدات التركية ببدء عملية برية في سورية، بدا موقف الإدارة الأمريكية الحالية متبايناً في التصريحات التي صدرت من واشنطن.
فرغم إقرار الإدارة الأمريكية، أن دفاع تركيا عن نفسها “حق مشروع”، لكن عدة مسؤولين تحدثوا أيضاً عن أن موقف الولايات المتحدة “ثابت” حيال العمليات العابرة للحدود.
“قسد” بين إدارتين
الكاتب والباحث السياسي المتخصص بالشأن الأمريكي، إيهاب عباس، يرى أن إدارة ترامب تختلف عن إدارة بايدن في كثير من الملفات، بينها الملف السوري، مشيراً إلى أن الإدارة “الديمقراطية” الحالية غير مهتمة بالملف السوري ومعطياته وأبعاده.
وأوضح عباس في حديثه لـ”السورية.نت” أن ترامب كان على وفاق أكبر مع القوات الكردية العاملة على الأرض في سورية، وكان يمدها بالسلاح والدعم اللوجيستي، إلا أنه قلص هذا الدعم في أواخر إدارته وأبقى عدداً قليلاً من القوات الأمريكية في سورية، لحماية آبار النفط.
وأضاف أن كل ما تريده واشنطن حالياً من الملف السوري، هو إمكانية تواجد قواتها داخل الأراضي السورية، وإن كان بشكل محدود، وبهذا الإطار عملت على تقليص الدعم اللوجيستي لـ”قسد” بنسبة 90%.
ورغم “مرونة” موقفها، قال الباحث السياسي إن إدارة بايدن لا تريد من تركيا استهداف “قسد” في سورية، كونها تعمل معها على الأرض في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ضمن ما يُعرف بـ “التحالف الدولي”.
أما رئيس قسم السياسات في “المجلس السوري- الأمريكي”، محمد علاء غانم، يرى أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لم يكن “حازماً” في موقفه حيال التهديدات التركية بشن عمل عسكري في سورية، إنما الحكومة الأمريكية ومؤسستها العسكرية، هي من فرضت عليه تبنّي هذا الموقف.
وفي حديثه لـ “السورية نت”، قال غانم إن إدارة ترامب اتسمت بوجود “خلخلة” بين الرئيس من جهة، والمؤسسة العسكرية “المتشددة” حيال الملفات الخارجية من جهة أخرى، والمثال على ذلك استقالة وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، من منصبه عقب يوم من قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سورية، أواخر عام 2018.
وكان ماتيس قد برر استقالته بوجود اختلاف في وجهات النظر بينه وبين ترامب في الملفات الخارجية.
وبحسب غانم، فإن إدارة بايدن الحالية لها أسلوب مختلف عن الإدارة السابقة، وتُفضّل أن تنشط دبلوماسياً من “خلف الكواليس”.
وأضاف أن بايدن مهما عارض فكرة الهجوم التركي، فإنه لن يتمكن من غض الطرف عن تفجير اسطنبول “الإرهابي”، الذي تقول تركيا إن عملياتها ضد “قسد” في سورية ستكون رداً عليه.
“إدارة الخلافات” الأمريكية- التركية
بالنظر إلى مسار العلاقات الأمريكية- التركية بين إدارتي ترامب وبايدن، تتسم العلاقات التركية مع الإدارة الحالية بالاستقرار نسبياً، عكس الإدارة السابقة التي شهدت مطبات وأزمات دبلوماسية حول ملفات عدة، أبرزها قضية القس الأمريكي(أندرو برونسون) وصفقات الأسلحة.
وبهذا الإطار، قال الكاتب والباحث السياسي إيهاب عباس، إن مسار العلاقات التركية- الأمريكية، شهد تحولات لافتة بين الإدارتين، معتبراً أن إدارة ترامب كانت “واضحة وصريحة” في تعاملها مع تركيا.
ومن بين تلك الملفات، قضية القس برونسون، الذي احتجزته تركيا لعامين بتهمة التجسس، ما تسبب بتوتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن بعهد الرئيس ترامب، الذي فرض عقوبات اقتصادية على تركيا.
لكن العلاقة بين الدولتين بعهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، انتقلت إلى مرحلة “إدارة الخلافات”، وشهدت توافقاً بين الجانبين في ملفات عدة، أبرزها صفقة بيع المقاتلات الحربية.
فيما يرى رئيس قسم السياسات في “المجلس السوري- الأمريكي”، محمد علاء غانم، أن الملف الأوكراني أسهم في استقرار العلاقات التركية- الأمريكية، إذ إن إدارة بايدن الحالية تولي اهتماماً كبيراً للملف الأوكراني، وتركيا تساعد الولايات المتحدة كثيراً في هذا الملف.
وبالتالي فإن السياق الدولي والإقليمي، اختلف عما كان عليه خلال فترة حكم ترامب، بحسب غانم.
مخاوف أمريكية في الشرق السوري
تعتبر الولايات المتحدة أن العملية البرية التي تنوي تركيا تنفيذها في سورية “حق مشروع” لأنقرة، لحماية أمنها القومي، إلا أنها تثير الحديث عن مخاوف عدة في حال تمت العملية العسكرية البرية ضد “قسد”، وأبرزها تقويض جهود محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبحسب رئيس قسم السياسات في “المجلس السوري- الأمريكي”، فإن “قسد” تستخدم هذه الورقة للضغط على واشنطن، إذ تهدد “بشكل مبطن” بتعليق أنشطتها ضد التنظيم في كل مرة تتحدث فيها تركيا عن عملية عسكرية ضدها.
وأضاف: “ملف تنظيم الدولة مهم جداً بالنسبة للأمريكيين، خاصة أن قسد هي من تحرس السجون التي يتواجد فيها عناصر التنظيم”.
من جهته، تحدث الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، عن مخاوف أمريكية عدة من العملية العسكرية التركية، أبرزها ملف “مخيم الهول” الذي يضم عائلات التنظيم، وإمكانية حدوث خلل أمني داخله في حال انشغلت “قسد” بالقتال ضد تركيا.
وأضاف في حديثه لـ “السورية نت” أن لدى واشنطن مخاوف من موجات نزوح ولجوء بسبب العملية التركية، التي قد تقوض جهود واشنطن لحصر الصراع السوري داخل الجغرافية السورية، حسب تعبيره، مشيراً إلى أن كردستان العراق سيكون أول المتأثرين بموجات اللجوء تلك.
إلى جانب ذلك، تتخوف واشنطن من إمكانية توسع الفصائل المصنفة على لوائح “الإرهاب” في شمال غربي سورية، بحسب بربندي، موضحاً أن تركيا قد تستعين بتلك الفصائل خلال هجومها البري ضد “قسد” و”الوحدات”.
ويقول بربندي إن الولايات المتحدة “تؤمن ضمن سياستها بضرورة وجود عسكري وسياسي للكرد في سورية، وبالتالي فإن أي هجوم تركي سوف يؤدي لإضعاف القوات الكردية وتقويض السياسة الأمريكية بهذا الشأن”.
واعتبر أن أي اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة حول العملية الحالية، سوف يفضي بالنتيجة إلى توسع روسيا وإيران والنظام السوري شمال شرقي سورية، ويقلص الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو ما لا تريده واشنطن حالياً.