في الوقت الذي يتسارع فيه إبداء المواقف في تركيا، بشأن طبيعة العلاقة مع نظام الأسد وكيفية التعامل مع الملف السوري في المرحلة القادمة، بدا لافتاً خلال الأيام الماضية سلسلة التصريحات التي أدلى بها مسؤولو الأحزاب السياسية في البلاد حول ذلك، والتي جاءت ضمن سياق “الخطط”.
وهذه “الخُطط” كما أُطلق عليها، ورغم تباين القضايا المكونة لها أو الغايات المرجوة منها وكذلك الأطراف التي أطلقتها، إلا أنها تشترك بـ”قاسم واحد”، وهو أن الأمر سيكون “من خلال التواصل مع النظام السوري، ورأسه بشار الأسد”.
ويرتبط أولها وأقدمها بـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، بينما أطلق الثانية زعيم أكبر أحزاب المعارضة “الشعب الجمهوري”، كمال كلشدار أوغلو، وتبعته زعيمة “حزب الجيد” المعارض، ميرال أكشنار بالإعلان عن رؤية ثالثة خاصة بحزبها.
ويرى مراقبون أن جميع ما يطرحه الفرقاء السياسيون في تركيا بشأن الملف السوري، يرتبط بغايات انتخابية، ولاسيما مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرر تنظيمها في شهر يونيو من العام 2023.
ولا توجد أي مؤشرات على إمكانية المضي بما أعلنه زعماء الأحزاب حتى الآن، لاعتبارت تتعلق بالمسار السياسي والعسكري المعقّد في سورية، بالأصل، فضلاً عن اعتبارات أخرى ترتبط بموقف المجتمع الدولي ككل، ورؤيته بشأن طبيعة الحل في البلاد.
ويستعرض تقرير “السورية.نت” التالي، تفاصيل الخطط الثلاث، والقضايا التي أعلن أصحابها أنهم بصدد مناقشتها “بعد الفوز بالانتخابات” الصيف القادم.
“خطة المليون”
أولى الخطط تسير بها الحكومة التركية، ورغم أن جذورها تعود إلى عام 2019 وقبل ذلك، إلا أن ملامحها اتضحت أكثر، بعدما كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عن تفاصيلٍ في إحدى خطاباته، خلال شهر مايو/أيار 2022.
وقال أردوغان في ذلك الوقت، إن بلاده تعمل على مشروع يتيح “العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري إلى بلادهم”، وأن المشروع سيكون “شاملاً بصورة كبيرة”، وسينفذ في 13 منطقة على طول الحدود الشمالية لسورية.
وأضاف الرئيس التركي، أن نحو “500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سورية عام 2016″، وأن “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية”.
ويتلخص المشروع المذكور، بأن تبدأ الحكومة بإعادة لاجئين سوريين إلى مناطق شمال سورية “بصورة طوعية”، بينما سيعيشون في منازل مسبقة الصنع، وتسمى داخل الأوساط التركية بـ”منازل الطوب”.
ولم يتكشف الكثير عن هذه الخطة حتى يومنا هذا، سواء من زاوية “المنطقة الآمنة” التي تنوي أنقرة إنشائها بعمق 30 كيلومتراً على الحدود، أو من زاوية الموقف الدولي، لاسيما مع تأكيدات الأمم المتحدة بأن “سورية ليست بلداً آمناً”.
وعلى مدى الأشهر الماضية، أجرى وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، ونائبه إسماعيل تشاتاكلي، عدة جولات ميدانية إلى ريف حلب الشمالي وإدلب، من أجل تفقد خطوات مشروع “العودة الآمنة”.
في المقابل اتجه مسؤولون على رأسهم الرئيس التركي، للإشارة عن علاقة مستجدة ومحتملة قد تطرأ مع النظام السوري، دون أن يحددوا ما إذا كان أي خرق في العلاقة سيصب في ذات السياق الذي يعلمون عليه ضمن نطاق “مشروع العودة”.
“خطة كلِشدار”
الخطة الثانية جاء إعلانها في شهر نوفمبر 2022، من جانب زعيم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، كمال كلشدار أوغلو، في أثناء لقائه أكثر من 50 لاجئاً سورياً في ولاية كلس جنوبي البلاد.
وتحدث كيلشدار أوغلو عن وعوده للسوريين بعودة “آمنة”، نافياً نيته إعادة أي لاجئ “قسراً”، وأنه “سنبني حياةً هناك بأموال الاتحاد الأوروبي”.
بدورها أوضحت صجيفة “جمهورييت”، أن زعيم “حزب الشعب” فندَ الخطة التي ينوي تنفيذها في غضون عامين، والخاصة بملف اللاجئين السوريين.
و”إذا فاز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات، فإن الخطوة الأولى التي ينوي اتخاذها هي الاجتماع مع الحكومة الشرعية في سورية، وفتح السفارات لبعضها البعض”.
بعد ذلك، جاء في الخطة: “سيتم بناء منازل ومدارس وطرق للاجئين الذين سيذهبون إلى سورية، بفضل الأموال التي قدمها الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات مع المقاولين الأتراك”.
كما “سيتم السماح لرجال الأعمال في تركيا بإعادة فتح مصانعهم في سورية”، حسب ما تحدث به كلشدار أوغلو، ونشرته الصحيفة المقربة من حزبه.
“رؤية أكشنار”
ترتبط الخطة الثالثة، والتي طرحت كـ”رؤية” لـ”حزب الجيد” ذو الجذور القومية، والذي تتزعمه، ميرال أكشنار.
ويعتزم هذا الحزب المعارض تقديم طلب لـ”الخارجية التركية”، من أجل لقاء رأس النظام السوري، بشار الأسد، وفق ما جاء في بيان رسمي، نُشر الجمعة 2 ديسمبر 2022.
وأعلن المتحدث باسم “الحزب”، كورشاد زورلو، أنه سيتقدم بالطلب إلى وزارة الخارجية التركية، مذكراً بتصريح سابق لأكشنار، إذ قالت إنها مستعدة للقاء الأسد.
وتحدث زورلو أنهم يريدون مناقشة 4 قضايا في الاجتماع، الأولى هي “المساهمة في توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية اللازمة للسوريين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم للعودة إلى وطنهم”.
القضية الثانية ترتبط بـ”وضع استراتيجية مشتركة لإنهاء أنشطة منظمة PKK / YPG الإرهابية التي لا تزال موجودة في سورية، من أجل حماية وحدة أراضي سورية”.
وأضاف الناطق باسم الحزب، أنهم يريدون أيضاً “تقديم دعم دبلوماسي لإعادة إعمار سورية وعودتها إلى المجتمع الدولي”.
إضافة إلى قضية رابعة، وهي “تطوير نهج مشترك لمحاربة المنظمات الإرهابية غير حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي العاملة في سورية، والتي تشكل تهديداً أمنياً لتركيا وسورية”.