كشف تحقيق صحفي عن صلات خفية تربط شركة “وفا تيليكوم” المشغل الثالث للاتصالات في سورية بشخصيات من “الحرس الثوري الإيراني”، رغم أن الرواية الرسمية للنظام السوري سبق وأن أكدت أن الشركة “وطنية بامتياز”.
وأعد التحقيق كل من “مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد” و”مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، وبني على وثائق سورية وماليزية.
واستند التحقيق الذي نشر، اليوم السبت، على نشرات العقوبات الأمريكية التي صدرت في أوقات متفرقة ضد شخصيات إيرانية ثبت أنها على ارتباط بـ”وفا تيليكوم”.
وتوصل تحقيق المؤسستين إلى أن شركة ماليزية هي صاحبة الأغلبية في ملكية المشغل الثالث للهواتف، ولها صلات متعددة بـ”الحرس الثوري” الإيراني.
حتى عام 2019 ، كانت الشركة الماليزية “تيومان جولدن تريجر” مملوكة مباشرة لضابط في “الحرس الثوري”، يدعى عظيم مونزاوي، وهو خاضع للعقوبات بسبب تسهيل عمليات بيع نفط لصالح الحرس. كما يرتبط اثنان من مسؤولي الشركة الماليزيين بشركات فرضت عليها عقوبات لدعمها “الحرس الثوري”.
ما التفاصيل؟
عندما حصلت شركة “وفا تيليكوم” على الترخيص الثالث الذي طال انتظاره، بالإضافة إلى احتكار لمدة ثلاث سنوات لتشغيل أول شبكة “5G” عالية السرعة في البلاد، وإذن لاستخدام الشبكات الحالية للمشغلين الآخرين، بدا الأمر وكأنه مجرد امتداد لجهود النظام للسيطرة على القطاع.
وفي أعقاب تأسيس شركة المشغل الجديد، في عام 2017، كانت نحو 48 في المئة من أسهمها مملوكة لشركة سورية تدعى “وفا إنفست”، شارك في تأسيسها مساعد رأس النظام السوري، بشار الأسد، يسار إبراهيم، (39 عاماً).
ولم يرد إبراهيم، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات بسبب عمله كوكيل مالي للأسد، على طلبات التعليق المرسلة من جانب معدي التحقيق.
وفي عام 2021، تم تخفيض حصة “وفا إنفست” إلى 28 بالمئة، وتم منح 20 بالمئة منها لشركة الاتصالات السورية المملوكة للدولة، مما يجعل حكومة النظام السوري شريكاً مباشراً في المشروع.
أما نسبة الـ52 بالمئة المتبقية فكانت في حوزة شركة مبهمة تدعى ” أرابيان بيزنس كومباني” (ABC)، والتي أنشئت في أغسطس 2020 في منطقة التجارة الحرة بدمشق، حيث كانت متطلبات الإفصاح محدودة.
ورفض مسؤولون سوريون الكشف عن هوية مالك شركة “إيه بي سي” (ABC). وفي تصريحات علنية، وصفوها بأنها “شركة وطنية”، مما يعني ضمنا أنها مملوكة لسوريين، دون أن يقولوا المزيد.
لكن وثيقة التسجيل التي حصل عليها معدو التحقيق تظهر أن تلك التصريحات كانت “مضللة”.
للوهلة الأولى، لا يعطي تسجيل شركة “إيه بي سي” (ABC)، الذي تم الحصول عليه من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، مؤشراً يذكر على تورط إيران، بينما مساهموها المدرجون، هم رجل أعمال سوري وشركة ماليزية تدعى “تيومان جولدن تريجر” (Tioman Golden Treasure) تأسست في فبراير 2013.
ويكشف التحقيق أن الشركة الماليزية ليست متخصصة في الاستثمار في مجال الاتصالات، ولديها صلات متعددة بـ”الحرس الثوري”.
وتظهر السجلات الماليزية التي أوردها المعدون أنه حتى أغسطس 2019، أي قبل نحو عام من تسجيل “إيه بي سي”، كانت 99 بالمئة من أسهم شركة “تيومان” مملوكة لضابط في “الحرس الثوري” يخضع لعقوبات أمريكية يدعى عظيم مونزاوي.
وفي أمر العقوبات، الذي أصدرته في مايو 2022، وصفت الولايات المتحدة “مونزاوي” بأنه “مسؤول في “الحرس الثوري” يسهل مبيعات النفط نيابة عن هذه المؤسسة، بما في ذلك تحديد مدفوعات النفط من شركة الطاقة المملوكة للدولة في فنزويلا (PDVSA).
“واجهة كلاسيكية”
وقالت إيرين كينيون، وهي ضابطة استخبارات سابقة في وزارة الخزانة الأميركية ومديرة تقييم المخاطر حالياً في شركة “فايف باي سوليوشنز” الاستشارية، إن “تيومان” لديها العديد من السمات المميزة لشركة وهمية أو شركة واجهة كلاسيكية.
وتوضح: “هدف تجاري غامض، وعناوين متداخلة، وحضور ضئيل على الإنترنت لمسؤوليها الرئيسيين، وتتضمن عدداً قليلاً من الموظفين، على الرغم من مرور ما يقرب من عقد من الزمان على تأسيسها”.
وتضيف كينيون أن كل هذه الصفات مجتمعة تظهر بشكل واضح أنها “شركة وهمية أو شركة واجهة”، في حين أن الروابط المتعددة بين مالكي الشركة مع مونزاوي وغيرها من الكيانات الخاضعة للعقوبات تظهر تورط “إيران” على الأقل، إن لم يكن “الحرس الثوري”.
ويبلغ رأس مال “وفا تيليكوم” الذي أعلن عنه رسمياً من جانب حكومة النظام السوري في السابق عشرة مليارات ليرة سورية، بعدد أسهم يبلغ 100 مليون سهم، قيمة كل منها 100 ليرة سورية.
وهذا المبلغ وعند مقارنته برأس مال شركتا اتصالات الهواتف غير المحمولة في سورية الأولى “سيريتل” والثانية “إم تي إن” يتضح أنه لا يساوي شيئاً، كما أن قيمته قليلة جداً بالنظر إلى مسار العملة السورية أمام الدولار الأمريكي.
وكان من اللافت خلال الفترة الأخيرة أن صعود المشغّل الثالث في سورية “وفا تيليكوم” جاء في وقت هيمنت فيه وزارة الاتصالات في حكومة النظام السوري، على “سيريتل” التي كان يملكها رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، إلى جانب الاستحواذ على “إم تي إن” من قبل شركة “Tele Invest” عام 2021، بموجب قرار قضائي.