بين العام والآخر تُحبس الأنفاس وتتكرر المخاوف ويسود الترقب قبيل تصويت مجلس الأمن على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود. وبينما ترتبط المشاعر المذكورة بموقف روسيا، ودورها المعطّل لم يتمكن المجتمع الدولي وعلى مدى سنوات من إيجاد مسار آخر، يُبعد من خلاله مصير الملايين عن ابتزازات موسكو.
ومن المقرر أن ينتهي القرار الحالي بشأن المساعدات عبر معبر “باب الهوى” الحدودي في العاشر من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، أي بعد ثلاثة أيام.
وخلال الأسبوع الفائت كانت منظمات إنسانية قد حذّرت من “عواقف وخيمة” في حالة عدم تجديد القرار.
وقالت المنظمات في بيان، إن “الوضع الإنساني اليائس بالفعل في شمال غرب سورية سيتفاقم أكثر”، وأنه “بدون عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود لن يتمكن ملايين الأشخاص، وخاصة أولئك الذين نزحوا لسنوات ومرات عديدة، من الحصول على الغذاء والمأوى؛ لمساعدتهم في التعامل مع ظروف الشتاء القاسية”.
وأضافت أنه و”على عكس القرارات السابقة التي مددت العمليات عبر الحدود لمدة 12 شهراً، فإن الإجراء الأخير الذي اتخذه المجلس لم يمنح سوى تفويضاً لمدة ستة أشهر، وقد أدى ذلك إلى تحديات لوجستية وتشغيلية إضافية، وزيادة التكاليف التشغيلية، والحد من قدرة الشركاء من المنظمات الإنسانية على مساعدة المحتاجين”.
وحتى الآن لم تبد موسكو أي موقف صريح بشأن التصويت المرتقب بعد أيام.
في المقابل كانت كانت وكالة “رويترز” قد ذكرت، الأسبوع الماضي، أن روسيا وافقت بالفعل بشكل غير رسمي على عدم استخدام حق النقض ضد التجديد الأسبوع المقبل.
وأشار مراقبون للوكالة إلى أن علاقة روسيا الودية المتزايدة مع تركيا قد تكون السبب في ذلك، ولاسيما أن الأخيرة تريد تجنب عدد كبير من اللاجئين السوريين على حدودها، في حالة تدهور الأوضاع في محافظة إدلب.
“بيادق دبلوماسية”
وتشير المعطيات وتقاطعات في تقديرات محللين إلى أن روسيا لن تستخدم حق النقض ضد القرار في الأيام المقبلة، لكن كيف يمكن حل هذه المشكلة، التي باتت تحوّل نازحي سورية إلى “بيادق دبلوماسية”، على المدى الطويل؟
ويوضح ريتشارد جوان، الذي يشرف على أعمال المناصرة لمجموعة الأزمات الدولية في مقر الأمم المتحدة بنيويورك “حقيقة أن روسيا على ما يبدو قبلت التجديد، وأن خيار مجلس الأمن لا يزال قابلاً للتطبيق في الوقت الحالي”.
ومع ذلك يشتبه جوان في أن روسيا ستضغط من أجل المزيد من التنازلات عندما يأتي التجديد مرة أخرى في يوليو المقبل، لكن من غير المرجح أن تتخلص منه تماماً.
ويقول بحسب ما نقل عنه موقع قناة ألمانية: “روسيا تحصل على نفوذ من خلال الإبقاء على التفويض حياً أكثر من القضاء عليه”.
“الحاجة إلى البدائل”
وفي تقرير صدر في أغسطس/آب الماضي جادلت منظمة اللاجئين الدولية بخيارات مثل مجمعات التمويل البديلة المستقلة عن الأمم المتحدة، والعمل بشكل مباشر أكثر مع منظمات الإغاثة المحلية داخل سورية، واتباع نهج طويل الأجل للمشاريع التي تعزز البنية التحتية والتعليم.
وقالت الأمم المتحدة إنه في عام 2022 بأكمله لم يكن هناك سوى تسع قوافل مساعدات عبر الخطوط – معظمها يتكون من حوالي 10 شاحنات توصيل – وفي المقابل، قدمت ما يقدر بنحو 600 شاحنة مساعدات عبر الحدود كل شهر في العام الماضي.
وفي حال انهار تفويض مجلس الأمن الدولي تماماً، تقدر مجموعة الأزمات الدولية أن شحنات المساعدات الإنسانية إلى إدلب ستنخفض بأكثر من النصف.
وأشار جوان إلى أن “هذا التهديد يمنح روسيا نفوذاً إضافياً في مفاوضات مجلس الأمن الدولي”. ويضيف: “إذا كانت هناك خطة بديلة أفضل، فستكون روسيا في وضع أضعف”.
وهناك احتمال آخر أيضاً، وهو الذي يدور حول مبادرة حرض عليها التحالف الأمريكي للإغاثة من أجل سورية، أو ARCS، وهي مظلة مقرها الولايات المتحدة لمنظمات إنسانية سورية، ومحامو حقوق الإنسان البريطانيون، غيرنيكا 37، والمعروف أيضاً باسم G37.
وتجادل المبادرة بأن الموقف الذي ينص على ضرورة الحصول على إذن مجلس الأمن الدولي للمساعدة عبر الحدود هو في الواقع مفتوح للتفسير.
ولا يوجد قانون إنساني دولي ينص على أنه من غير القانوني لوكالات الأمم المتحدة عبور الحدود السورية إلى جزء من الدولة لا تسيطر عليه الحكومة.
بالإضافة إلى ذلك، تغيرت الحقائق على الأرض بشكل واضح تماماً منذ عام 2014. و”ربما ساعدت مشاركة مجلس الأمن الدولي خلال المرحلة الفوضوية المبكرة من الصراع، لكنها الآن غير ضرورية”.
ولسبب واحد فإن الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سورية، والتي كان يُعتقد أنها مؤقتة، ستظل بحاجة إلى المساعدة في المستقبل بشكل واضح ويمكن التعامل معها مثل أي قضية إنسانية أخرى.