تحليل: كيف تنظر إيران إلى الحوار بين أنقرة ودمشق؟
استحوذت الزيارة المزدوجة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان خلال الأيام الماضية إلى دمشق وأنقرة على المشهد السياسي المتعلق بهاتين العاصمتين، بعدما بدأت تركيا والنظام السوري خطوات لقطع محطات “خارطة طريق للحوار”، برعاية روسية.
وفي دمشق التقى عبد اللهيان رأس النظام السوري، بشار الأسد ونظيره فيصل المقداد، وأكد في تصريحاته الصحفية على دور بلاده في “أي حل سوري”، مذكّراً بالحديث عن مسار “أستانة” وضرورة المضي فيه سياسياً.
أما في أنقرة التقى المسؤول الإيراني الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ونظيره مولود جاويش أوغلو، وعاد ليؤكد على دور طهران وموقفها “السعيد” من التقارب الحاصل بين دمشق وأنقرة، وأن هناك ضرورة لتفعيل “أستانة” وتعديل صيغته، لكي تصبح “رباعية الأطراف”، في إشارة لضم النظام السوري.
ولم يسبق وأن تم التمهيد لهذه التحركات الإيرانية بين النظام وتركيا، وأعطى توقيتها مؤشراً على نية طهران الانخراط في أي عملية تقارب بينهما، ولاسيما أن المسار الذي ساد مؤخراً كان “ثنائياً” بين أنقرة وموسكو، وبدأ بأول اجتماع على مستوى وزراء الدفاع.
ويقول الباحث التركي في مركز “دراسات الشرق الأوسط” (أورسام)، إسماعيل ساري إن زيارة عبد اللهيان إلى أنقرة بعد رحلته في لبنان وسورية “مهمة”، لأنها حدثت في وقت كانت فيه “مفاوضات التطبيع” بين تركيا والنظام السوري مستمرة، وكان من المرج أن يلتقي الرئيس رجب طيب أردوغان ببشار الأسد.
ويضيف في مقالة تحليلية: “من المعلوم أن الأجندة الرئيسية لهذه الرحلة هي الحوار بين أنقرة ودمشق، والذي بدأ باجتماع وزراء دفاع ورؤساء المخابرات في الأيام الأخيرة من عام 2022”.
وكان عبد اللهيان قد أعلن للصحفيين، الأسبوع الماضي، أنهم يرحبون بالحوار بين تركيا وسورية، وأنهم يتوقعون أن تنعكس المحادثات بشكل إيجابي على العلاقات الثنائية، لكن على الرغم من أن إدارة طهران أعربت عن ارتياحها للحوار، إلا أنها غير راضية من استبعادها عن طاولة الحوار، وفق الباحث.
ويشرح أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سورية قبل مجيئه إلى أنقرة تهدف إلى “توجيه رسالة إلى جميع الأطراف”، مفادها أن “العلاقات الإيرانية السورية لا تزال قوية، وأنه لا يمكن تجاهل إيران في الحوار مع دمشق”.
لماذا خارج المفاوضات؟
ولا يخفى على أحد أن تضارب المصالح بين أنقرة وطهران في التطورات السورية “شديد”، لدرجة أنه يؤدي أحياناً إلى صراع عسكري بين الجانبين.
لذلك يرى الباحث التركي أن “الحوار مع دمشق، الذي بدأ نتيجة تعاون أنقرة وموسكو اعتبرته بعض النخب السياسية الإيرانية محاولة لترسيخ مستقبل سورية بدون إيران”.
ويمكن تفسير حقيقة أن إيران، الشريك الثالث لمسار “أستانة”، ليست مشمولة في عملية الحوار التي بدأت مع دمشق على أنها “المؤشر الأكثر وضوحاً على تنافس إيران مع روسيا وتركيا في سورية”، وتباعد المصالح.
ويوضح الباحث ساري: “في عملية موازية بدون إيران، يمكن القول إن أردوغان وبوتين ينظران إلى العلاقات الثنائية بينهما على أنها أكثر توجهاً نحو الحلول من عملية أستانة”.
ولطالما سادت فكرة أن العوائق التي خلقتها إيران في عملية “أستانة” دفعت أنقرة وموسكو للتعاون بشكل ثنائي.
بالإضافة إلى ذلك، وبسبب حرب كاراباخ الثانية في سبتمبر 2020 وتزايد نفوذ تركيا وقوتها في جنوب القوقاز، بدأت علاقتها مع إيران تشهد “توتراً كامناً”.
في غضون ذلك، تستمر معارضة تركيا ورئيسها أردوغان في إيران بالازدياد، إذ ترى طهران أن “منافستها” لها ارتباط بري مع الجمهوريات التركية، نتيجة افتتاح ممر زانجيزور في منطقة القوقاز.
يقول الباحث: “كما أن إدارة طهران غير مرتاحة للسياسات الإقليمية التي يصفها الرئيس أردوغان بالعثمانية الجديدة، ولا تريد أن تفوز موسكو في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا العام”.
ولهذا السبب “لا يرون تطورات إيجابية مع سورية”، مما سيوفر لأردوغان مكاسب كبيرة في الانتخابات الرئاسية، بما يتناسب مع مصالحه الخاصة.
كيف تنظر إيران؟
في الجانب الإيراني، هناك رأي سائد بأن أنقرة لا تهتم بعملية “أستانة”، وأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يريد استخدام نفوذ أنقرة داخل “الناتو”، لإدارة وتخفيف إجراءات الحلف ضده.
وتقر روسيا أنه بعد الحرب في أوكرانيا، أصبحت أولوياتها مع تركيا وإيران مختلفة للغاية ومتناقضة.
وعلى أي حال، فإن الأولوية الرئيسية لبوتين هي التركيز على الحرب في أوكرانيا، وفي هذا الصدد، فإن دور بلاده القوي في تليين العلاقات بين سورية وتركيا “لافت للنظر”.
يقول الباحث: “خلال حرب أوكرانيا على وجه الخصوص دفع تطور العلاقات بين تركيا وروسيا موسكو إلى مطالبة دمشق بإعادة تقييم العلاقات مع أنقرة، لأن إدارة بوتين تبدو راضية عن موقف تركيا فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا”.
ويمكن أيضاً قراءة الإصرار على وقف التصعيد في العلاقات التركية السورية على أنه دعم بوتين القوي لأردوغان، و”هذا يبرز مرة أخرى تأثير الحرب في أوكرانيا على التطورات في الشرق الأوسط ومستقبل سورية”، حسب الباحث.
هل الحل ممكن بدون إيران؟
هناك سؤال: إلى أي مدى يمكن لتركيا أن تتجاهل إيران في حوارها مع النظام السوري؟ وهو ما تطرحه النخب السياسية الإيرانية على نفسها.
وبحسب النخب السياسية تعتبر تركيا نفسها قوة صاعدة في العالم، وبالتالي فإن الرئيس أردوغان مصمم على متابعة مصالحه في سورية بهذه الثقة بالنفس.
ويقول الباحث: “إنه أمر غير وارد بالنسبة لبوتين، الذي يحتاج إلى دور تركيا ونفوذها ومكانتها، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا، لإظهار مقاومة كبيرة ضدها في سورية”.
ومع ذلك، بما أن إيران لها وجود جاد ومهم في سورية، فإن لديها القدرة على إظهار المقاومة ضد تركيا. لذلك، يمكن أن تلعب دوراً “يغير قواعد اللعبة لإحباط خطط أنقرة”.
ويختم الباحث مقالته التحليلة بإشارته إلى أن “مصالح روسيا وتركيا تعتمد إلى حد ما على مصالح إيران، وأن الدول الثلاث لا تريد تصعيد التوترات والصراعات بين مصالحها، وأن المواءمة ضرورية”.
ومع ذلك، عندما تدخل “سورية” – في إشارة للنظام السوري – في عملية “إعادة الهيكلة”، لم يعد من الممكن توقع أن تلعب إيران دوراً رئيسياً في ذلك البلد.
“كما هو معروف دور إيران في الحرب السورية كان أمنياً، واليوم لا تملك القوة الاقتصادية اللازمة للمشاركة في إعادة إعمار سورية”. ويضيف الباحث: “تركيا ليست الدولة الأولى في المنطقة التي تفكر في استئناف علاقاتها مع دمشق. لذلك فإن إيران لا تهتم فقط بتطبيع العلاقات التركية السورية، بل هي قلقة أيضاً من عملية تطبيع الخليج مع دمشق”.