بالرغم من أن المحادثات الأخيرة بين تركيا والنظام السوري تتقدم بوساطة ورعاية روسية، تتجه الأنظار نحو مواقف الدول الأخرى المعنية بالملف السوري، ومن بينها إيران، التي تراقب التطورات “بعناية”.
التصريحات التي أدلت بها إيران بخصوص هذه المحادثات تشير في ظاهرها إلى ترحيب إيراني بعملية التقارب بين تركيا والنظام، لكنها تريد في الوقت ذاته المشاركة بالعملية ودعمها وأن يكون لها “دور بنّاء”، بحسب ما نقلت شبكة “بي بي سي” بنسختها الفارسية عن مصادر في طهران.
واتضح ذلك من خلال التحركات الإيرانية، التي تلت لقاء وزراء دفاع تركيا والنظام وروسيا، في موسكو الشهر الماضي، إذ أجرى وزير خارجية إيران زيارة إلى دمشق التقى خلالها بشار الأسد، واتجه بعدها إلى تركيا للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته.
وقال كبير الخبراء في مركز الدراسات الإيرانية والأكاديمي في جامعة مرمرة، بيلغيهان ألاغوز، لشبكة “بي بي سي” بنسختها التركية، إن التصريحات الصادرة عن دمشق عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني لها لم ترضِ تركيا، لذلك فإن الضغط الذي تمارسه إيران على سورية واضح تماماً، حسب قوله.
“نفوذ إيران” ورقة بيد الأتراك
في تقرير لها، اليوم الأربعاء، نقلت “بي بي سي” التركية عن مسؤول أمني تركي رفيع، قوله إن “استمرار المشاكل بين تركيا وسورية يوفر في الواقع مساحة لإيران والولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب”.
وأضاف أن إيران، التي لا تريد أن تفقد المنطقة التي فازت بها في سورية، تغذي الصحافة الدولية بأخبار سلبية عن المحادثات، مثل نبأ أن “الأسد لا يريد لقاء أردوغان”.
واعتبر أن أنقرة تستخدم هذه الورقة لإقناع واشنطن بعملية التطبيع مع النظام، عبر رسائل وجهها مسؤولون أتراك لنظرائهم الأمريكيون، مفادها أن التقارب بين تركيا والنظام سيؤدي إلى تقليص نفوذ إيران في سورية.
وسبق أن استخدمت الإمارات حجة مماثلة لتبرير تطبيعها مع النظام، بحسب تقرير “بي بي سي”، إذ وعدت النظام بعلاقات تجارية أوسع وإعادة الإعمار مقابل تقليص علاقاته مع إيران.
ونظراً لعدم حدوث ذلك حتى الآن، فإن موقف الولايات المتحدة تجاه كل من تركيا ودول الخليج بخصوص التطبيع مع النظام، لا يزال واضحاً.
كيف سيؤثر التطبيع على إيران؟
قال الأكاديمي بيلغيهان ألاغوز، إن “إيران لديها علاقات متعددة الأبعاد مع سورية، لذلك سيكون من غير الواقعي توقع تغير جذري في هذه العلاقة إذا تم التطبيع بين تركيا وسورية”.
من ناحية أخرى، تعتبر العلاقات مع كل من روسيا وتركيا بالغة الأهمية بالنسبة لإيران في هذا الوقت. إذ إن عدم القدرة على إحياء الاتفاق النووي، وإضافة سياسات قاسية من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لا يتركان إيران فقط عاجزة في العديد من القضايا، بل يدفعانها أيضاً إلى إقامة علاقات متوازنة مع روسيا وتركيا.
ويقول ألاغوز أيضاً إن قضية “وحدات حماية الشعب” في سورية أمر بالغ الأهمية بالنسبة لإيران، إذ إن طهران منفتحة على التعاون في هذه القضية ضد الولايات المتحدة.
وتابع: “يجب ألا نتجاهل تأثير إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة. إذ إن استمرار الولايات المتحدة في تسليح وحدات حماية الشعب بشكل منهجي يشكل خطراً على إيران. لذلك، تتزايد إمكانية تبني موقف تعاوني أكثر مع تركيا بشأن هذه القضية”.
وختم: “باختصار، لن يكون تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق العامل الوحيد الذي يحدد سياسات إيران الإقليمية. ستواصل إيران النظر إلى سورية من منظور النفوذ الأمني والسياسي والاقتصادي”.