كشف الزلزال الأخير أول أمس الاثنين، والذي جاء عقب أسبوعين من الزلزال المدمر جنوبي تركيا وشمالي سورية، حجم الضغط النفسي الذي عاشه الأطفال خلال فترة ما بين الزلزالين، حيث وثقت الكاميرات كمية الهلع والرعب التي انتابت أطفال تلك المناطق، تخوفاً من تكرار السيناريو الأول.
وبالحديث عن مناطق شمال غربي سورية، حيث يعاني الأطفال هناك ضغوطاً متراكمة منذ سنوات، نتيجة القصف والتهجير وعدم توفر مقومات البيئة المستقرة والآمنة، تخوف أخصائيون نفسيون من وقع أكبر للزلزال على هؤلاء الأطفال، وسط دعوات إلى إعطاء الجانب النفسي أهمية كبيرة في هذه الحالات.
ضغوط ما بعد الصدمة
المشرف التقني لبرنامج الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في منظمة “أوسوم” الإغاثية الطبية، علاء العلي، قال إن الزلزال هو حدث صادم مهدد للحياة وله تداعيات نفسية على الجميع، خاصة الأطفال، باعتبارهم الفئة الأكثر ضعفاً لعدم معرفتهم ما يجري وضعف قدرتهم على التعبير عنه، ما يضعهم تحت تأثير الخوف والقلق.
ويضيف العلي في حديثه لـ “السورية نت” أن الأطفال يُعبّرون عن هذا الخوف والقلق بسلوكيات مضطربة وضمن درجات متفاوتة، موضحاً أن التأثير سيكون شديداً على الأطفال الذين عاشوا الحدث وتم إنقاذهم من تحت الأنقاض، والذين فقدوا أفراداً من أسرتهم، والذين أصيبوا إصابات طفيفة أو شديدة تسببت بإعاقة جسدية.
هذه الفئة من الأطفال معرضة للإصابة بأعراض “كرب ما بعد الصدمة”، بحسب العلي، مشدداً على ضرورة توفير الرعاية النفسية المتخصصة لهم.
أما الأطفال الذين شاهدوا أحداث الزلزال ولاحظوا خوف الوالدين والهروب من المنزل لحظة وقوعه، وأولئك الذين تعرضوا للأخبار المروعة التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، وسمعوا الحديث ضمن الأسرة عن أهوال الزلزال والأشخاص الذين فقدوا حياتهم، سيُلاحظ لدى العديد منهم مجموعة من التظاهرات النفسية والمشكلات السلوكية الأكثر شيوعاً بعد الحدث الصادم.
هؤلاء يمكن أن تظهر عليهم ردود أفعال مثل: الخوف والقلق، اضطرابات النوم، الكوابيس، التعلق الزائد بالوالدين، مشاكل سلوكية، التبول اللاإرادي، العدوانية، ومشاكل عضوية هضمية.
الاستشارية النفسية المقيمة في تركيا، صبا بيطار، ترى أن تأثير الزلزال على الأطفال السوريين قد يكون أكبر من الناحية النفسية، خاصة إذا تعرضوا سابقاً لصدمة من الحرب وتبعاتها.
وأضافت في حديثها لـ “السورية نت”، أنه قد تظهر أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” على هؤلاء الأطفال، على المدى البعيد، وقد يواجهون ما يُسمى بـ “الصدمات المركبة”.
وأوضحت بيطار أن الأعراض وردود الأفعال تختلف من طفل لآخر، حسب العمر ومصادر الدعم الخارجي والصدمات السابقة.
حلول واحتياجات مُلحّة
تحدث المشرف التقني لبرنامج الصحة النفسية في “أوسوم”، علاء العلي، عن ضرورة توفير احتياجات نفسية للأطفال شمال غربي سورية عقب الزلزال، ومن بينها مساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم وتحديدها، وإتاحة الفرصة أمامهم لفهم ما يحصل بطريقة مناسبة.
ودعا العلي إلى توفير مساحات دعم آمنة للأطفال لممارسة أنشطة ترفيهية حركية، وضرورة طمأنتهم وتهدئة روعهم ومساعدتهم في العودة للروتين السابق المريح، وإكسابهم مهارات تساعدهم على تجاوز الذكريات المكربة والتحكم بها.
أما بالنسبة للأطفال الأكثر تضرر نفسي والذين ظهرت عليهم أعراض متطورة، يجب إشراكهم ببرامج ممنهجة ومتخصصة ومناسبة للحدث الصادم.
في حين تحدثت الاستشارية النفسية صبا بيطار، عن ضرورة خضوع الأطفال في أماكن الكوارث والحروب، إلى إسعاف نفسي أولي، ومن ثم تلقي جلسات علاج إذا لم يعد الطفل إلى توازنه النفسي.
وأشارت لضرورة إعادة الطفل إلى روتينه اليومي قدر الإمكان، بعد تأمين عنصر الأمان، والحاجة لطمأنته في حال عدم توفر الأمان مباشرة، بسبب الهزات الارتدادية التي تحصل عقب الزلزال.
ما فرص الدعم النفسي؟
بحسب المشرف التقني لبرنامج الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في “أوسوم”، علاء العلي، توجد فرص للدعم النفسي في مناطق شمال غربي سورية، لكنها غير كافية ولا تلبي الاحتياج في الوقت الحالي، مع تفاقم أحداث الزلزال التي تسببت بأضرار نفسية كبيرة للناس في المنطقة.
وقال العلي إن فرق الصحة النفسية تعمل على استهداف مراكز الإيواء والمخيمات التي وصل إليها المتضررين من كارثة الزلزال، ضمن خدمة الإسعاف النفسي الأولي وضمن الإمكانيات المتاحة، بهدف تهدئة الناس وطمأنتهم وتوضيح خياراتهم للمرحلة القادمة وربطهم بالخدمات الأخرى.
وتحدث عن وجود برامج للتعافي من الصدمات للأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض “كرب ما بعد الصدمة”، إلى جانب برامج خفض القلق للأطفال الذين لديهم درجات من القلق والتوتر.
وأضاف: “في حال توفرت الجهات المانحة والتمويل، توجد كوادر بشرية مدربة ولديها خبرة في تنفيذ مشاريع دعم نفسي بخدمات نوعية ومخرجات ذات أثر حقيقي”.
وكانت تقارير حقوقية دولية حذرت من تبعات كبيرة للزلزال المدمر في سورية وتركيا، خاصة على الأطفال، وسط مخاوف من أضرار نفسية ومجتمعية، وتحذيرات من زيادة تسرب الأطفال من التعليم بسبب تضرر المدارس وحركات النزوح.