رغم أن تونس كان جزءاً من الحراك العربي المتنامي لصالح تطبيع العلاقات مع النظام السوري، إلا أن خلفيات ما أقدمت عليه بشكل متسارع يبدو لافتاً على نحو أكبر من زاوية الأسباب، وقياساً بباقي الدول العربية.
وفي شهر مارس/آذار الماضي أعرب الرئيس التونسي، قيس سعيد عن رغبته في رؤية بلاده وسورية يعينان سفراء بشكل متبادل، وسرعان ما أمر في الثالث من أبريل الحالي وزارة الخارجية بـ”الشروع في إجراءات تعيين سفير لتونس في دمشق”.
بعد ذلك أعلن النظام السوري، الأربعاء، في بيان مشترك مع تونس أنه سيعيد فتح بعثته الدبلوماسية في تونس ويعين سفيراً له.
وفي أعقاب ثورة الياسمين عام 2011، سعت الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تونس إلى جعل “مناهضة الاستبداد” أحد أعمدة سياستها الخارجية.
وكان أول رئيس دولة في شمال إفريقيا بعد الربيع العربي، الرئيس محمد منصف المرزوقي، مناهضاً للأسد بشدة، فيما استجابت تونس للانتفاضة السورية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في فبراير/شباط 2012.
وكما أكد المرزوقي في ذلك الوقت، فإن “الحل الوحيد (للعنف في سورية) هو انسحاب بشار الأسد من السلطة، وبدء عملية انتقال ديمقراطي”.
ولكن بعد أن تحول الوضع في سورية بشكل حاسم لصالح الأسد بعد التدخل العسكري الروسي والإيراني المكثف، بدأت تونس “تتجه ببطء لقبول حقيقة انتصار حكومة دمشق في الحرب الأهلية”.
وبحلول يناير/كانون الثاني 2017، أعادت تونس مهمة دبلوماسية محدودة في دمشق، ما قسّم التونسيين بين المتعاطفين مع الأسد وأولئك الذين أرادوا أن تحافظ تونس على موقفها المتشدد من النظام السوري.
ومع ذلك، مع انضمام آلاف المواطنين التونسيين إلى صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” في بلاد الشام، وضع المسؤولون التونسيون التطبيع الجزئي تحت راية مكافحة الإرهاب وحماية مصالح الأمن القومي التونسي.
“مرحلة ما بعد سعيّد”
ومنذ انقلاب سعيد عام 2021، سرّعت تونس حركتها نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع النظام السوري.
وقد “أظهر سعيّد الإرادة لتغيير واضح في المسار لصالح الأسد”، وفق الدكتورة فيديريكا سايني فاسانوتي الزميلة غير المقيمة في مركز الأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا في برنامج السياسة الخارجية في “معهد بروكينغز”.
بالنسبة لسعيد، يرى الباحث جورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات الخليج أن “إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية هي أولوية قصوى”.
ويوجد حالياً أكثر من 30 سفارة تونسية في جميع أنحاء العالم بدون سفير أو رئيس بعثة لأن رئيس الدولة الشمال إفريقية لم يعينهم.
وتشمل ما سبق، على سبيل المثال، السفارات التونسية في العواصم الكبرى مثل بكين وبرلين وروما.
ولذلك يضيف الباحث في مقال تحليلي نشر، اليوم الجمعة، أن “تركيز سعيّد طاقته على تعيين سفير إلى سورية يتحدث كثيراً عن مدى تقديره لعلاقات تونس بدمشق”.
“تآزر إيديولوجي”
وعلى عكس الأردن والإمارات العربية المتحدة والدول العربية الأخرى، التي لديها مصالح اقتصادية أو أمنية يمكن تحديدها بسهولة في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، فإن الحكومة التونسية تفعل ذلك في الغالب لأغراض أيديولوجية.
ومن المهم أيضاً، حسب الباحث كافيرو ملاحظة أن “قرار تونس ليس نتيجة ضغوط من الإمارات أو دول الخليج الأخرى”.
وتقول الدكتورة مونيكا ماركس، الأستاذة المساعدة لسياسة الشرق الأوسط في جامعة نيويورك إن “قيس سعيد لديه أسبابه الأيديولوجية المستقلة لرغبته في إقامة تلك العلاقات مع حكومة الأسد”.
وتضيف أن نظام سعيد يفتقر إلى “مصالح واضحة من النوع التقليدي، مثل التجارة أو المصالح الجيوستراتيجية” تجاه سورية.
“قيس سعيد ومجموعة صغيرة من الأيديولوجيين من حوله متجذرون بشكل كبير في مزيج أيديولوجي انتقائي للغاية له نغمات قومية عربية عميقة”.
وتوضح ماركس أن “تلك النغمات القومية العربية العميقة هي التي تحدد البوصلة هنا”.
وتشير إلى أنه من بعض النواحي، فإن “المدرسة البعثية القديمة” ترسم مسار العلاقات التونسية السورية دون “أي مصلحة وطنية تقليدية واضحة” من جانب الدولة التونسية.
“الدفاع عن السيادة”
ولفهم نهج سعيد تجاه سورية بشكل أفضل، من المهم أن ننظر إلى بعض فئاته الانتخابية وأجنداتهم.
حافظ بعض اللاعبين المؤثرين في تونس الذين أشادوا في البداية بسباق 2021 لسعيد، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) والرابطة التونسية لحقوق الإنسان (LTDH)، على مواقف مؤيدة للأسد بقوة لسنوات.
ومن كتابة رسائل تعبر عن التعاطف مع حكومة النظام إلى إرسال وفود إلى سورية للاجتماعات مع الأسد، أوضحت هذه المؤسسات دعمها لبشار الأسد.
وقد بدأ هذا قبل توجه المنطقة العربية لصالح إعادة تطبيع العلاقات مع سورية، واكتسب زخماً منذ عدة سنوات.
ويورد المقال التحليلي: “غالباً ما تؤطر مثل هذه المنظمات دعمها لحكومة دمشق في سياق دعم النضال الفلسطيني، معتبرة نظام الأسد مدافعاً عن فلسطين وقوة مقاومة ضرورية ضد الصهيونية والإمبريالية الغربية”.
“نبذ حقوق الإنسان”
ولطالما كان الرئيس سعيّد ومن حوله لا يرحبون بانتقاد تراجع تونس إلى السلطوية.
ويشير المقال التحليلي إلى أن “القيادة التونسية حازمة في موقفها بأن الدول العربية يجب ألا تتلقى محاضرات من المسؤولين الغربيين حول حقوق الإنسان أو الديمقراطية”.
وفي هذا السياق، فإن “اتخاذ خطوات لتعزيز صورة حكومة الأسد على أنها شرعية يخدم أجندات سعيد في تونس، في وقت تثير فيه العديد من منظمات حقوق الإنسان والمشرعين في الغرب ناقوس الخطر بشأن استيلاءه على السلطة النابليونية وإساءة معاملة المهاجرين في البلاد”.
وتوضح الدكتورة فيديريكا سايني فاسانوتي: “لقد أوضح سعيد أن ما يحدث في سورية يؤثر فقط على السوريين. ربما كان هذا ما يرغب سعيد في حدوثه فيما يتعلق ببلده. وبهذه الطريقة سيكون له الحرية في زيادة القبضة الاستبدادية على البلاد، دون أي مؤسسة دولية مستعدة للتدخل”.