ثمن عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية؟

حاولت الدول العربية وتركيا بما تستطيع مساعدة الشعب السوري للتخلّص من بشار الأسد. ومن الدول التي أعادت العلاقات معه أخيرا، السعودية والإمارات، كانتا جزءا من غرفة عمليات الموك في الأردن، وكذا الموم في تركيا، والتي قدّمت الدعم العسكري والأمني والمالي المعارضة السورية المسلحة. وفي النتيجة، انتصر النظام عسكريا بسبب صلابة الدعم العسكري الإيراني والروسي مقابل “أصدقاء الشعب السوري”. مقابل قوات الحرس الثوري و”فاغنر” وثاني قوة عسكرية عالميا، ووضع دولي وإقليمي لصالح النظام، هُزمت الثورة عسكريا. انتصر بإيران وروسيا وبهما يبقى. ولو تخلّى أيٌّ منهما عنه ينتهي.

غيّرت الدول مواقفها وفق مصالحها، لدى الأردن حدود ومليون لاجئ، الإمارات ربما كان هذا موقفها أصلا، لدى السعودية تحوّل استراتيجي عبر عنه اتفاقها مع إيران برعاية صينية. ولكن ليس لدى كل الدول الاعتبارات نفسها مع بشار، وإن كان ثمّة دول حليفة له علانية مثل الجزائر ولبنان والعراق.

ذلك وغيره لا يعني أن بشار الأسد ليس مجرم حرب ومكانه الطبيعي محكمة الجنايات الدولية، أو محاكمة ميدانية مثل محاكمة القذافي وموسوليني وتشاوتشسكو. ولكن من يرى مكانه جامعة الدول العربية على الأقل يشترط عليه إعادة النازحين (نصف الشعب تقريبا) بحماية عربية، والإفراج عن المعتقلين (150 ألفا)، وكشف مصير المفقودين (أكثر من 100 ألف)، وأسهل شيء وقف تصدير الكبتاغون الذي يدمر شباب العالم العربي. وطبعا، لن ينفّذ بشار شيئا من ذلك، لكنه ماهرٌ في صناعة الوعود الكاذبة، مثل وعوده بالابتعاد عن إيران، ولو فعلها وابتعد عنها للقي مصير علي عبد الله صالح. من يقفون مع الشعب السوري في نكبته يواصلون الضغط على النظام من خلال المقاطعة العربية له، وربطها بتحقيق شيء يخفّف معاناة الشعب المنكوب. ويبدو، بحسب “الوول ستريت جورنال”، أن تلك الدول نجحت إلى حدّ ما “ما لا يقل عن خمسة أعضاء من جامعة الدول العربية يرفضون إعادة دمشق”، وتختم تقريرها بقول مسؤول عربي إن القافلة متباطئة وتسير “سير أضعفكم”. وتنقل الصحيفة عن مسؤولون عرب أن المغرب والكويت وقطر واليمن ترفض إعادة سورية إلى الجامعة، وإن مصر التي أحيت، أخيرا، علاقاتها مع النظام في دمشق، وهي حليف قوي للسعودية، تقاوم. وقال المسؤولون إن هذه الدول تريد من السيد الأسد التعامل أولاً مع المعارضة السياسية السورية بطريقةٍ تمنح جميع السوريين صوتًا لتقرير مستقبلهم.

ومع ذلك، فإن الرياض وأبوظبي تدعوان إلى عودة سريعة لنظام الأسد إلى الحظيرة العربية، بينما يقدّم الأردن المجاور خطّة مفصّلة لتطبيع العلاقات مع دمشق. تجادل هذه الدول بأن إعادة دمج سورية أمر ضروري لإعادة بناء البلاد والتخفيف من أزمتها الإنسانية بعد عقد من الصراع، ولكن أيضًا لوقف تدفق المخدّرات غير المشروعة والمقاتلين المتطرّفين من الدولة المضطربة.

وقال المسؤولون العرب إن بعض الدول التي تعارض إعادة قبول سورية ضاعفت من مطالبها، بما في ذلك دعوات إلى دمشق بقبول قوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، وقمع تهريب المخدرات غير المشروع، ومطالبة إيران بالتوقّف عن توسيع نفوذها في البلاد. كما أن لبعض الدول العربية مطالب ثنائية. والمغرب، على سبيل المثال، يريد من حكومة الأسد إنهاء دعمها جبهة بوليساريو الانفصالية التي تريد استقلال الصحراء المغربية.

قال هؤلاء المسؤولون إن الأسد لم يُظهر أي اهتمام بالتغيير السياسي. وبدعم من إيران وروسيا، استعادت حكومته السيطرة على جزء كبير من البلاد، باستثناء جزء من الأراضي الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد وآخر منطقة يسيطر عليها المتمرّدون في محافظة إدلب (شمال غرب). وأضاف المسؤولون أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، على الرغم من ارتباطها الوثيق بالسعودية، تعارض أيضًا التطبيع الفوري بسبب دعم سورية المتمرّدين الحوثيين في اليمن.

لن يكون إقناع الولايات المتحدة وأوروبا برفع العقوبات عن الأسد وشركائه سهلاً على الدول العربية، بحسب الصحيفة، حتى بالنسبة للذين هم حلفاء أقوياء للولايات المتحدة. وكانت مجموعة من المسؤولين والخبراء الأميركيين السابقين بشأن سورية قد كتبت، في الشهر الماضي (مارس/ آذار)، إلى الرئيس بايدن أن المحاولات العربية لتطبيع العلاقات مع سورية من دون إصلاحات سياسية تتعارض مع أجندات الأمن وحقوق الإنسان الأميركية.

إذا عاد بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية ما الذي سيختلف في المشهد السوري؟ تزيد معاناة السوريين الذين يشعرون بمزيد من الإحباط. بعد كل هذه التضحيات، يكافأ القاتل والمجرم، ويُحتفظ به مجدّدا في جامعة الدول العربية. لن تقدّم الدول العربية مساعدات لسورية، ستقدّم مساعدات لبشار وحده. ولنظام على قطيعة تامة مع الواقع ومع الشعب، حتى مع الطائفة العلوية. وقد كشفت صحيفة فايننشال تايمز، في تحقيق نشر أخيرا، عن طبقة اقتصادية جديدة بقيادة أسماء زوجة بشار الاسد، تثير نقمة أبناء الطائفة. … خسر النظام كل شيء، بما فيه طائفته، وبقيت لديه السلطة وحدّها، وربما يكسب جامعة الدول العربية.