أنعش مشروع قرار تقدم به عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي لوقف مسار التطبيع مع نظام الأسد، آمال السوريين الذين غرقوا في اليأس جراء تهافت الدول العربية والإقليمية على نظام الأسد. لكن مَن كابَد الخذلان وراء الخذلان، طوال أكثر من عقد من الزمان، صار متطيّراً، وسرعان ما تذكر هؤلاء أن إدارة بايدن لم تفعّل قانون قيصر الشهير الذي أقر فعلاً، فأعادوا النظر في الحدث بحذر متسائلين عما إذا كان القرار لصالحهم أم حيلة أخرى للتلاعب بهم
وبرز سؤال جديد يطرحه السوريون الذين طافوا وتبحروا في سياسات الشرق والغرب، بحثاً عن بصيص أمل، ويتركز حول ما إذا كانت إدارة بايدن ستتجاهل القرار الجديد كما جرى تجاهل خط أوباما الأحمر إبان هجوم الكيمياوي، وقانون قيصر، وغيرها؟
والإجابة على هذا السؤال معقدة وغير يقينية، يخالطها الشك من ناحيتين. في المقام الأول، القرار المُحتمل صدوره عن الجهة التشريعية وهي الكونغرس، عُرضة للنزاع التاريخي بين السلطتين الأميركيتين التنفيذية والتشريعية حول القرار في الشؤون الخارجية، وهو نزاع مستمر منذ تأسيس الدولة، إذ يفتقر هذا الميدان إلى حدود واضحة للسلطات، ويعجز القضاء، كسُلطة الثالثة، عن الفصل فيها كما هو الحال في الشؤون الداخلية.
من حيث المبدأ يستطيع الكونغرس أن يمارس سلطة الرقابة على الرئاسة، وأداته هي حقه في استدعاء المسؤولين والتحقيق معهم، لكن هذا الحق لاقى معارضة شديدة من السلطة التنفيذية، حتى اضطرت المحكمة إلى منح الكونغرس حق استدعاء المسؤولين بقوة السلاح في العام 1821، لكنه لم يضطر للجوء إلى هذه الطريقة منذ العام 1935. ومنذ ذلك الحين صارت السلطة التنفيذية أكثر استقلالاً في السياسات الخارجية، وبلغت تلك الاستقلالية ذروتها خلال العقدين الماضيين، عندما شنت الولايات المتحدة حروباً من دون موافقة الكونغرس، بحجة الأمن القومي أو الامتياز التنفيذي والحفاظ على سرية اتصالات الرئيس. وقد مرت الأمور بسلام نسبي في عهدي جورج دبليو بوش وباراك أوباما، لكن إدارة ترامب رفضت التعاون أو الموافقة على طلبات استدعاء، وأعلنت إن مجلس النواب لا يستطيع حتى الاحتكام إلى السلطة الثالثة وهي القضاء، منكراً شرعية إشراف الكونغرس على الرئاسة كلياً.
تستمد الرئاسة الأميركية قوتها في الشؤون الخارجية، من التشريعات الصريحة التي تمنح الرئيس صفة القائد الأعلى للجيش والبحرية، وسلطة تعيين السفراء وقبولهم، أي إمكانية شن الحرب والاعتراف بالحكومات الأجنبية من عدمه. كما تنص القوانين على حق الرئيس في فرض العقوبات على دول أجنبية، وفي العموم يجادل بعض القانونيين الأميركيين حول كون الرئيس هو “الجهاز الوحيد للحكومة الفيدرالية في مجال العلاقات الدولية”، فهو يتمتع بأفضل معرفة للظروف السائدة في الدول الأجنبية وخاصة في زمن الحرب”. وعندما نظر القضاء في نزاع إدارة أوباما والكونغرس، حول الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، رأت المحكمة أن “الرئيس وحده هو من يتخذ القرار المحدد بشأن القوة الأجنبية التي سيعترف بأنها شرعية”.
وخلاصة الكلام أن قرار الكونغرس لن يكون كافياً لاتخاذ قرار من الإدارة، ولن يلزمها بمعاقبة المطبّعين، وتالياً يمكن اعتباره بلا مفاعيل سياسية سوى في حالتين اثنتين: نزاع كبير بين البيت الأبيض والكونغرس يسعى فيه المشرعون إلى إنفاذ قراراتهم، وهذا طريق يمتد طويلاً ويقود إلى تعقيدات القضاء والمحاكم التي لا تنتهي عادة قبل انتهاء الولاية الرئاسية وغالباً بعد أن يمضي الحدث السياسي المقصود… أو أن تلوّح الإدارة بهذا القرار غير المُلزم لها فعلياً، للتهديد باتخاذ إجراءات على خلفيته، بمعنى آخر استخدام القرار كرسالة لحلفائها وخصومها معاً، والتفاوض حوله خفضاً أو إنفاذاً، وفق متطلبات اللحظة السياسة.
إن ردود البيت الأبيض على محاولات التطبيع العربي والإقليمي، توحي بأنها على عِلم وصِلة مباشرة بها، بل قد تكون قائدها الفعلي، ويميل المرء وفق هذا الانطباع، الموسوم بالارتياب الذي نعانيه كسوريين، إلى ترجيح الاعتقاد بأن صمتها عن القرار وتمريره ليس إلا دفعة تُمنح لتلك الجهود. فمحاولة التطبيع، العربية تحديداً، تسير على قدم واحدة، فلا عصا وراء الجزرة. وقد يكون هذا القانون الذي يمنع الإدارة من التعامل مع نظام الأسد كحكومة شرعية ويمنع الحلفاء من فعل ذلك، هو الردّ الذي سيحصل عليه النظام إن هو راوغ أو امتنع عن تلبية ما طُلب منه جراء تعويمه. وهنا يبرز السؤال الذي يتوقف على إجابته فَهمُ كامل الأحجية: ماذا طُلب منه؟!
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت