يضطر الجنرال المتقاعد، ميشال عون، منذ أن صار رئيساً سابقاً، يعتني بحديقته المنزلية ويتابع شؤون أسرته وأحفاده، أن يخرج من منزله بمهمات محورها ودافعها الأول “إنقاذ” جبران باسيل، أو تأكيد أبوته السياسية له.
والرئيس السابق، كان قد استنفد أكثر من 15 عاماً الأخيرة (بما فيها فترة عهده كلها)، من أجل هذا الفتى وطموحاته. الإخلاص والتفاني من قبل ميشال عون تجاه باسيل كاملان. حب وإيمان منقطعا النظير وبما يفوق واجبات الأبوة. لم يبق رصيد للجنرال إلا واستثمره أو بدده في سبيل تكريس المهندس باسيل كوريث وحامل شعلة العونية.
“التيار” العريض الذي أسسه ميشال عون بالدم والحروب والزنزانات والمنافي، لم يتردد لحظة في إيداعه كاملاً بين يدي صهره المفضّل. وما من قرار داخل التيار ومن ثم في القصر الجمهوري إلا بما يشتهي باسيل ويرغب. “الشعب” العوني كله جيّره ليكون شعب جبران باسيل ورعاياه، الذين يقودهم كيفما أراد، بلا جدال ولا تفكير.
تضحيات عون بكل ما لديه من مقدرات ونفوذ وسلطات رسمية وشعبية وانتخابية، يضاف إليها كل الأثمان التي دفعها عموماً اللبنانيون، ودفعتها مؤسسات الدولة بأسرها، جراء تلك “التضحيات” المكرسة لصنع مجد باسيل السياسي، تبدو الآن، بعد مرور كل تلك الأعوام العصيبة، ليست أفضل بنتائجها من نتائج حربيّ “التحرير” و”الإلغاء”.
انتهى الأمر أولاً إلى حقيقة مرّة، وهي الأصعب: الرئاسة بعيدة المنال عن جبران باسيل. كما أن “زعامته” النيابية تبدو الآن واهنة جراء التمرد الواضح من مخضرمي الكتلة العونية، واستعدادهم الواضح للانشقاق. وهي مهددة جدياً في المستقبل بعدما انكسرت العلاقة مع الثنائي الشيعي الذي رفده بالأصوات ليجنبه الهزيمة الانتخابية الشاملة عام 2022. كذلك، زعامته الحزبية موضوعة على المحك منذ أن تحول التيار إلى جناحين غير معلنين: جناح المناضلين، وجناح رجال الأعمال. فلا المناضلون راضون ولا رجال الأعمال أوفياء. عدا أن “التيار” برمته ينحو إلى أن يصير ساقية بعدما كان نهراً عريضاً.
قبل أيام من اندلاع ثورة 17 تشرين، كان باسيل في ذروة الاستفزاز “الطائفي” والفئوي، وبمنتهى الاستقواء يوزع تهديداته بـ”قلب الطاولة” (حرفياً)، وهو يبتز الجميع بشروطه ومطالبه الفاحشة. وإذ انقلبت الطاولة عليه وكادت تسحقه أكثر من غيره من الجالسين على طاولة السلطة، بدأ مساره الانحداري والدرامي وهو يصارع لتنظيف صورته التي تلطخت على نحو مشين. بات مقت باسيل “ظاهرة وطنية”، سرعان ما تعمم حتى في الصحافة العالمية: الرجل الأكثر كرهاً في الجمهورية اللبنانية. ثم صار شخصاً غير مرغوب فيه في العواصم، إلى أن وضع اسمه على لائحة العقوبات الأميركية وفق قانون “ماغنيتسكي” الخاص بالذين يرتكبون انتهاكات جسيمة.
باسيل “المنبوذ” لم يبق له سوى “عمه”، لكن الأهم هو رعاية ودعم حزب الله له. لقد بقي على قيد حياة سياسياً، فقط لأن الحزب منحه بسخاء كل الإنعاش والأوكسيجين والحماية. هذا تماماً ما هو مهدد بفقدانه راهناً.
ولذا، مع انهيار العلاقة مع حزب الله، والعداء المستحكم بينه وبين الرئيس نبيه برّي، وصل باسيل إلى حافة الهاوية. وهو مستعد أن يرمي نفسه إلى غورها العميق والمعتم ولا يعيش كابوس رؤيته لسليمان فرنجية رئيساً. فإذا كان سمير جعجع خصماً لا يمكن تفاديه ولا إلغاءه ومع ذلك يمكن “التعايش” معه بل والتغذّي من مخاصمته ومناوءته، فإن فرنجية هو “حليف” لدود (بمحور الممانعة)، حيث لا تتسع الكرسي إلا لواحد منهما. وبمعنى آخر، إنها مسألة حياة أو موت.
بات باسيل –عملياً- يتيماً سياسياً. ولأن لا هاجس للرئيس العجوز ميشال عون في أيام تقاعده سوى “مستقبل” جبران باسيل، السياسي والشخصي، فقد خرج مضطراً، وببالغ القلق وربما بدافع اليأس أيضاً، متجهاً إلى دمشق.
هناك في قصر المهاجرين، كان على عون أن يخطب ود بشار الأسد، ويحثه على التوسط مع حزب الله: أنقذوا جبران. وعلى الأرجح، فإن عون طوال الطريق من الرابية إلى دمشق كان يقلّب أفكاره مدركاً أن هذا الأسد ليس سوى الصديق الحميم لسليمان فرنجية، وليس عنده المقدرة على تغيير أو تبديل ما يقرره حزب الله.
كان ميشال عون، الذي لم يزر دمشق طوال فترة رئاسته، يسعى فحسب إلى صيانة مكانة باسيل مستقبلاً، خصوصاً وأن الأسد وباسيل قد يلتقيان عند موعد واحد: الثأر من نبيه برّي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت