الأسد والعرب.. تفاصيل علاقة مجمدّة ذابت بـ”حبة صغيرة”
شهدت العلاقة بين الدول العربية ونظام الأسد خلال الأشهر الماضية سلسلة تحركات، أذابت العلاقة المجمدة بينهما لأكثر من عقد، فيما يسلط تقرير الضوء على دور محوره “حبة بيضاء صغيرة”.
وجاء في التقرير الذي نشرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، اليوم الجمعة، أن “الحبة الصغيرة” في إشارة لـ”الكبتاغون” أعطت رأس النظام بشار الأسد “نفوذاً قوياً مع جيرانه العرب”.
وكانت العواصم العربية على استعداد لإخراج الأسد من حالة “المنبوذ” على أمل أن يوقف تدفق أمفيتامينات الكبتاغون المسببة للإدمان إلى خارج سورية.
ويشير التقرير إلى أن “الحكومات الغربية شعرت بالإحباط بسبب المعاملة السخيفة التي قدمتها الدول العربية للأسد، خشية أن تقوض مصالحتها الدفع من أجل إنهاء الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ فترة طويلة”.
لكن بالنسبة للدول العربية، فإن وقف تجارة “الكبتاغون” يمثل أولوية قصوى.
وتم تهريب مئات الملايين من الحبوب على مر السنين إلى الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، حيث يتم استخدام الدواء للترفيه ومن قبل الأشخاص الذين تتطلب وظائف جسدية لإبقائهم في حالة تأهب.
واعترضت السعودية شحنات كبيرة من الحبوب مخبأة في صناديق من برتقال بلاستيكي مزيف وفي عبوات رمان مجوفة، وحتى الحبوب التي تم سحقها وتشكيلها لتبدو وكأنها أوعية فخارية تقليدية.
ماذا يريد الأسد؟
ويقول المحللون إن الأسد يأمل على الأرجح أنه من خلال القيام حتى بإيماءات محدودة ضد المخدرات، يمكنه كسب أموال إعادة الإعمار، والمزيد من الاندماج في المنطقة، بل وحتى الضغط من أجل إنهاء العقوبات الغربية.
ويتم إنتاج الغالبية العظمى من الكبتاغون في العالم في سورية، مع إنتاج أقل في لبنان المجاور.
وتقدر الحكومات الغربية أن التجارة غير المشروعة في الحبوب تدر مليارات الدولارات.
وتتهم الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي الأسد وعائلته وحلفائه بمن فيهم جماعة “حزب الله” اللبنانية بتسهيل التجارة والاستفادة منها.
ويقولون إن ذلك منح حكم الأسد شريان حياة مالياً هائلاً في وقت ينهار فيه الاقتصاد السوري.
“لقد كان جيران سورية أكبر سوق للأدوية وأكثرها ربحاً، مع ازدهار الصناعة”، ويقول الخبراء إن النظام السوري رأى في السنوات الأخيرة أن الكبتاغون أكثر من مجرد “بقرة مربحة”.
ويوضح كرم شعار الزميل البارز في معهد نيو لاينز بواشنطن: “لقد أدرك نظام الأسد أن هذا شيء يمكن أن يستخدمه كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية، وذلك عندما بدأ الإنتاج على نطاق واسع”.
وكان وقف التجارة مطلباً رئيسياً للدول العربية في محادثاتها مع الأسد، بشأن إنهاء عزلته السياسية.
وأعيد إدخال النظام السوري، الشهر الماضي، في جامعة الدول العربية، فيما استقبل الأسد بترحيب حار في القمة التي استضافتها جدة.
وظهرت علامة محتملة على المقايضات التي جرت وراء الكواليس في 8 مايو / أيار، عندما حوّلت الغارات الجوية في جنوب سورية منزل زعيم مخدرات معروف إلى أنقاض.
إذ قُتل مرعي الرمثان وزوجته وأطفاله الستة، ودمرت غارة أخرى مصنعاً مشتبه به للكبتاغون خارج مدينة درعا بالقرب من الحدود الأردنية.
ويقول النشطاء والخبراء إن الأردن كان على الأرجح وراء الضربة بموافقة الأسد.
وجاءت الضربة بعد يوم واحد من إعادة قبول جامعة الدول العربية رسمياً للأسد، وهي خطوة ساعد الأردن في التوسط فيها.
وقال العميد السابق في المخابرات الأردنية، سعود الشرفات إن “الأسد أعطى تأكيدات بأنه سيوقف النظام عن دعم وحماية شبكات التهريب”.
وأضاف: “على سبيل المثال، سهّل التخلص من الرمثان”.
وأشار الشرفات إلى أن الأردن يرى في تجارة الكبتاغون “تهديداً للأمن والسلم المجتمعي”.
وفي تصريحات علنية، رفض وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، تأكيد أو نفي ما إذا كانت بلاده وراء الغارات الجوية، لكنه قال إنها مستعدة للقيام بعمل عسكري للحد من تهريب المخدرات.
“الكبتاغون في المقدمة”
وتقول دول عربية ، كثير منها دعم مقاتلي المعارضة في محاولة للإطاحة بالأسد، إنها تشاركه الهدف المتمثل في دفعه لتحقيق السلام.
وقبل قمة جدة، استضاف الأردن اجتماعاً لكبار الدبلوماسيين من سورية والسعودية والعراق ومصر، وتضمنت الأجندة الطويلة وضع خارطة طريق لمحادثات السلام وعودة ملايين اللاجئين السوريين.
ولكن كان في الكبتاغون حيث حقق التجمع أكبر قدر من التقدم.
وتعهد النظام السوري بتضييق الخناق على التهريب، وتم الاتفاق على لجنة تنسيق أمني إقليمي.
وبعد أيام، أفادت وسائل إعلام رسمية سورية بأن الشرطة قامت بإخماد عملية تهريب كبتاغون في مدينة حلب، واكتشفت مليون حبة مختبئة في شاحنة صغيرة.
في غضون ذلك، كثف الأردن المراقبة على طول الحدود السورية في السنوات الأخيرة وداهم تجار المخدرات.
وقتلت القوات الأردنية 27 من المهربين المشتبه بهم في معركة ضارية بالأسلحة النارية في يناير كانون الثاني.
“فك شبكات المخدرات”
وجعلت طرق التهريب فك شبكات المخدرات أكثر صعوبة.
وقال عضو في ميليشيا عراقية لـ”أسوشيتد برس” إن الميليشيات في محافظة الأنبار الصحراوية في العراق، المتاخمة لسورية والأردن والمملكة العربية السعودية، كانت حاسمة في تهريب الكبتاغون.
لكن النائب السوري عبود الشواخ نفى أرباح النظام السوري من تجارة المخدرات، وأصر على أن “السلطات تحاول بقوة القضاء على التهريب”.
وقال الشواخ: “بلدنا يستخدم كطريق عبور إقليمي حيث توجد معابر حدودية خارجة عن سيطرة الدولة”.
وزعم ذات المتحدث أن مجموعات المعارضة المسلحة فقط هي التي تشارك في التعامل مع الكبتاغون.
ويعتقد العديد من المراقبين أن جماعات المعارضة السورية لها بعض الضلوع في تهريب المخدرات.
لكن الحكومات الغربية تتهم أقارب الأسد وحلفائه بدور مباشر في إنتاج وتجارة الكبتاغون، وفرضت عقوبات على مجموعة من الأفراد المقربين من الأسد.
وقال الشرفات إنه في حين أن الأسد قد يكون على استعداد للتحرك ضد بعض أجزاء تجارة المخدرات، إلا أنه ليس لديه حافز كبير لسحقها بالكامل، دون الفوز بشيء في المقابل من الدول العربية.
ونفى مسؤول سعودي تقارير عن أن الرياض عرضت مليارات الدولارات على دمشق مقابل حملة قمع.
لكنه أضاف أن ما قد تقدمه المملكة لسورية سيكون أقل تكلفة من الضرر الذي أحدثه الكبتاغون بين الشباب السعودي.
“تنازلات ولكن”
وتخشى الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى أن يقوض تطبيع الدول العربية مع سورية محاولات دفع الأسد لتقديم تنازلات لإنهاء الصراع السوري.
ويريدون أن يتبع الأسد خارطة طريق السلام المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي تم تمريره بالإجماع في عام 2015، والذي يدعو إلى إجراء محادثات مع المعارضة وإعادة كتابة الدستور وإجراء انتخابات تراقبها الأمم المتحدة.
وحتى الآن، لم يذهب القرار إلى أي مكان، ومنذ مروره استعاد الأسد السيطرة على الأراضي التي فقدها سابقاً، وحصر المعارضة في زاوية صغيرة في الشمال الغربي.
و”تبدو قبضته على السلطة قوية الآن”، على الرغم من أن الكثير من الشمال والشرق لا يزال بعيداً عن يديه، حيث يسيطر عليه مقاتلو “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومون من الولايات المتحدة.
ويوضح الباحث شعار أن “الأسد قد يستخدم بطاقة الكبتاغون في محاولة لإرجاء قرار الأمم المتحدة”.
وهناك تنازلات أخرى، مثل رفع العقوبات التي يقودها الغرب، لكن “سيكون من الصعب عليه الفوز بها”، حسب الباحث.
ويضيف: “في حين أن دول الخليج العربية لن تكون قادرة على ضخ الأموال بشكل مباشر في حكومة الأسد مع فرض العقوبات، بإمكانها تحويل الأموال من خلال المشاريع التي تقودها الأمم المتحدة في سورية التي تسيطر عليها الحكومة للحصول على إجراءات من الأسد ضد الكبتاغون”.