بدا لافتاً خلال الفترة الماضية توجه عدد من المزراعين في منطقة إدلب، إلى زراعة النباتات الطبية والعطرية، مثل اليانسون والكمون والكزبرة والحبة السوداء، مقابل تراجعهم نسبياً عن زراعة المحاصيل الرئيسية، مثل القمح والشعير.
يرجع مزارعون سبب ذلك التوجه، إلى قلة تكلفة زراعة المحاصيل الطبية والعطرية، مقارنة بالمحاصيل الأخرى، إلى جانب إنتاجها الوفير وسعرها “الجيد”.
مازن التوامي، مزارع من قرية الشيخ يوسف غربي إدلب، كان من بين المزارعين الذين زاد اهتمامهم بهذا النوع من المزروعات، مرجعاً الأمر لأسباب “مشجعة”.
ويقول مازن لـ”السورية نت” إن سبب زراعته لهذه المحاصيل، هو وجود سوق خارجي لتصريفها وبأسعار “جيدة”، مضيفاً أن زراعة القمح والشعير باتت “غير مربحة”، بل وتُعرض الفلاحين للخسائر أو العمل بالتكلفة في بعض الأحيان.
ويفضل مازن زراعة الكمون رغم مخاطره الكثيرة، وفق قوله، كونه يتعرض لـ”الشلل وموجات الصقيع”، إلا أنه “يبقى أفضل من زراعة الخضروات والفواكه التي لا يجني منها المزارع سوى أرباحاً قليلة، فضلاً عن صعوبة تصريفها للخارج”.
وأوضح مازن (37 عاماً) أن تكلفة الدونم الواحد من محصول الكمون تصل لـ 117 دولار تقريباً.
إذ إن الدونم الواحد يحتاج 4 كيلوغرام من البذار بسعر 25 دولاراً، و25 كيلو غرام من السماد بسعر 27 دولاراً، و2 لتر من المبيدات الفطرية والحشرية بسعر 45 دولاراً، وتكلفة الحصاد ودراس المحصول بعد حصاده تصل لـ20 دولاراً.
أسباب “مشجعة” للمزارعين
وتنبع أهمية المحاصيل الطبية والعطرية، بحسب المهندس الزراعي موسى البكر، من ارتفاع أسعارها نتيجة عمليات التصريف الخارجي.
ويوضح البكر في حديثه لـ “السورية نت” أن إنتاج تلك المحاصيل عالي ومرتفع، و قسم منها لا يحتاج ليد عاملة من أجل إزالة الأعشاب.
فضلاً عن قلة احتياجها للمياه مقارنة بالمحاصيل الأخرى، وسهولة حصادها الذي يتم بحصادات خاصة بها، ثم يتم دراسها لعزل الزوائد عن حبّات المحصول.
وقال موسى البكر إن المحاصيل العطرية والطبية هي محاصيل شتوية، تُحصد في الصيف، وتحتاج للماء بفترات محددة بين شهري نيسان وأيار.
وتحتاج هذه المحاصيل للأسمدة بكافة أنواعها، بالإضافة إلى المبيدات الفطرية والحشرية، والأسمدة الورقية في بعض الأحيان.
من جانبه، اعتبر المهندس الزراعي محمد شيخ دياب، أن المحاصيل الطبية والعطرية باتت مهمة للمزارعين، كونها من الأساسيات المطلوبة في المنازل، خاصة التوابل والبهارات.
وأضاف في حديثه لـ “السورية نت” أنها “تسهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي للمزارعين، من خلال تحقيق الربح، بعد تصدير الفائض منها”.
منوهاً إلى أن لهذه الزراعة “ميزة إيجابية”، كونها مهمة بالنسبة لمهنة النحال، الذي يقوم بوضع خلايا النحل ضمن حقول اليانسون والحبة السوداء، من أجل إنتاج أجود أنواع النحل.
كما أن لزراعة الحبة السوداء والكزبرة واليانسون والكمون، أهمية من الناحية الطبية والاقتصادية، حيث يتم تصدير القسم الأكبر منها، الأمر يسهم بإدخال القطع الأجنبي للشمال السوري، وفق ما يقول شيخ دياب.
وحول أسعار هذه المحاصيل، يقول المزارع مازن التوامي إن سعر الطن الواحد من الكمون يصل إلى 525 دولاراً، وسعر طن الكزبرة 700 دولار، واليانسون 3150 دولاراً، والحبة السوداء 1950 دولاراً لنوع “ستاركس” و1800 دولار للنوع العادي.
فيما لا يتجاوز أفضل سعر لطن القمح الـ 320 دولاراً، للنوع القاسي درجة أولى، بحسب مازن.
“عقبات مناخية”
أثّرت التقلبات المناخية طيلة الأعوام الماضية على إنتاج المحاصيل الزراعية في منطقة إدلب، ما أدى لخسائر كبيرة لدى المزارعين، وبالتالي تواجه زراعة المحاصيل العطرية والطبية تحديات هذه التقلبات.
وعلى سبيل المثال، محصول الكمون معرّض لمرض الشلل الذي يصيب النبتة منذ بداية زراعتها، فيؤدي إلى ذبولها بعد فترة وموتها.
ولا يملك محصول الكمون “مناعة قوية” ضد تقلبات المناخ وخصوصاً الصقيع، فيحتاج لعناية خاصة من أجل التقليل من حجم الخسائر، للحصول على أفضل إنتاج وبجودة عالية، وفق ما يقول المهندس الزراعي موسى البكر.
ومع ذلك، تبقى هذه الزراعة “أفضل من غيرها” بحسب البكر، مرجعاً الأمر إلى أنه “من النادر” أن يخسر المزارع فيها.
خاصة أن السوق الخارجي “مفتوح” أمامها، وفق وصفه، وبالتحديد إلى تركيا، الأمر الذي يزيد من فرصة تحقيق ربح جيد للمزارع.
هل تؤثر على المحاصيل الرئيسية؟
يقول مدير الزراعة في “حكومة الإنقاذ” بإدلب، تمام الحمود، إن مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل العطرية والطبية وصلت إلى 8611 هكتاراً، وتشكل نسبة 12% من مجمل المساحات المزروعة.
ويضيف لـ “السورية نت” أنه بحسب الخطة الموضوعة من قبل وزارة الزراعة والري بإدلب، يجب أن تكون نسبة الأراضي المزروعة بالقمح 35% من مجمل المساحات، وهذا العام كانت نسبة المساحة المزروعة 50%، وبالتالي فإن الزراعات العطرية والطبية “لا تؤثر” على المحاصيل الرئيسية.
ولفت إلى أن سعر هذه المحاصيل غير ثابت ويخضع للعرض والطلب.
ويشير مختصون إلى أن النباتات العطرية والطبية لم تشهد رواجاً في المنطقة قبل عام 2010، بل كانت تزرع بالدونم، بينما اليوم تشهد المنطقة زراعة عشرات الهكتارات نظراً لجدواها الاقتصادية والطلب العالمي عليها.
وكانت سورية سابقاً من بين البلدان الرائدة بزراعة وتصدير الكمون، إذ وصل إنتاجه عام 2004 إلى 32 ألف طن، فيما كانت ذروة الإنتاج عام 2002 (46 ألف طن)، ووصلت قيمة صادراته عام 2004 إلى 131 مليون دولار أمريكي.