كان قرار مجلس النقد والتسليف قبيل عطلة عيد الأضحى، أشبه بلافتة تقول لزائري سوريا، كل حامل للدولار، مرحبٌ به. جاء ذلك، قبيل موسم سياحة وزيارات المغتربين، تراهن عليه سلطات النظام، علّه يحرك قليلاً في ركود الاقتصاد السوري المزمن. ومع كثرة تفاصيل القرار، تبدت نقاط مثيرة للتساؤل، وأخرى مثيرة للريبة أيضاً.
وبدايةً، لا بد من التنويه إلى معلومة غير دقيقة، شاعت إعلامياً، بأن النظام رفع سقف المبالغ بالقطع الأجنبي التي يجوز إدخالها إلى سوريا، (بنكنوت) عبر الحدود، إلى 500 ألف دولار أمريكي. وهذا السقف مُتاحٌ منذ أيار/مايو 2021. ففي ذاك التاريخ أصدر حاكم المصرف المركزي السوري، عصام هزيمة، قراراً بمضاعفته خمسة أضعاف، من 100 ألف إلى 500 ألف دولار أمريكي، بعد توليه موقعه بشهر واحد فقط. مما يعني أن القرار الجديد، الصادر منتصف الأسبوع الفائت، لم يحمل جديداً، بهذا الخصوص.
أما أولى النقاط المثيرة للتساؤل في القرار الجديد، فهي تلك التي تتحدث عن جواز حيازة وسائل الدفع المحررة بالعملات الأجنبية والبطاقات المصرفية مهما بلغت قيمتها. وهي إشارة إلى بطاقات الائتمان والشيكات التي تحررها البنوك خارج سوريا. ويوضح القرار أنه يجوز التعامل بهذه الوسائل حصراً، عن طريق المصارف ومؤسسات الصرافة المرخص لها في سوريا.
وتُوحي هذه الصياغة في القانون، بأن لا عقبات تعيق استخدام البطاقات الائتمانية العالمية أو الشيكات الصادرة عن بنوك إقليمية ودولية، عبر النظام المصرفي السوري. وهذا الكلام غير دقيق بطبيعة الحال، إذ ما تزال مؤسسات مالية إقليمية ودولية، تتعامل بحذر شديد مع النظام المصرفي السوري، جراء العقوبات الغربية، وذلك رغم تعليق جوانب منها، بعيد زلزال شباط/فبراير الماضي. مع الإشارة إلى أن تعليق العقوبات ينتهي في آب/أغسطس القادم.
أما اللافت في القرار، فهي محاولة استهداف تجارة العملة السورية في بلدة شتورا اللبنانية تحديداً. إذ منع القرار إخراج مبالغ تتجاوز 500 ألف ليرة سورية (ما يعادل نحو 55 دولاراً،)، للمغادر سوريّ الجنسية. فيما لا يجوز للمغادر العربي أو الأجنبي، أن يصطحب معه أكثر من 50 ألف ليرة سورية (ما يعادل نحو 5 دولارات فقط). في المقابل، سمح القرار بإدخال الليرة السورية (بنكنوت) دون سقف، شريطة التصريح عنها.
وهي محاولة متواضعة الأثر لجذب السيولة بالليرة السورية، في لبنان، حيث تحصل عمليات تبديل للدولار بالليرة السورية، التي تُباع بدورها للعمّال السوريين. ومع وجود شرط التصريح وفق النماذج المعتمدة من هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب السورية، والتي تطلب بيانات عن مَصدَر الأموال وعن مُرسلها، من المستبعد أن يُقبل الكثيرون من السوريين على إدخال أموالهم بالليرة السورية إلى الداخل، بهذه الطريقة. وسيفضلون إرسالها عن طريق مهرّبي الأموال، عبر حدود البلدين، بدلاً من التعرّض مباشرةً لإجراءات أجهزة النظام، التي تفتقد للثقة لدى جمهور واسع من السوريين.
وبطبيعة الحال، فإن البند الذي يحدد سقوفاً متواضعة للمبالغ بالقطع الأجنبي، التي يجوز إخراجها عبر الحدود، مفهوم، وشائع لدى معظم دول العالم. لكن في المقابل، يبدو أن ذاك البند الذي يتحدث عن السماح بإدخال أوراق قطع أجنبي (بنكنوت) بحدود 500 ألف دولار أمريكي، غير مفهوم. بل ومثير للريبة. حتى مع وجود بنود شبيهة به في دول أخرى بالمنطقة.
إذ من المعلوم، أن جميع الدول تفرض قيوداً على المبالغ المتاح إخراجها بالقطع الأجنبي (بنكنوت). وفي دول المنطقة، تتراوح سقوف تلك المبالغ، ما بين 10 إلى 15 ألف دولار أمريكي. فكيف يمكن لسوريّ مغترب أو سائح خليجي مثلاً، أن يزور سوريا، وفي حقيبته، نصف مليون دولار أمريكي!
نظرياً، يُتاح ذلك في حال تم التصريح والإقرار عند مغادرة حدود الدولة التي يأتي منها الزائر إلى سوريا. لكن عملياً، فإن معظم حالات نقل الأموال من بلد إلى آخر، لأهداف شرعية، تتم عبر القنوات المصرفية أو شبكات الحوالات، وليس بالنقل اليدوي، نظراً لمخاطره الأمنية المرتفعة. بينما، يخدم نقل مبالغ ضخمة، يدوياً، عمليات تهريب الأموال، وغسلها. وبالإحالة إلى تقرير صدر عن مجموعة العمل المالي الدولية – فاتف- عام 2015، فإن النقل المادي للنقد عبر الحدود الدولية يعد واحداً من أقدم الصور وأبسطها لغسل الأموال. وتضيف في موضعٍ آخر من التقرير نفسه، أن العديد من الدول أبلغت عن استخدام هذا الأسلوب من قبل منظمات الإتجار بالمخدرات.
ووفق –فاتف-، فإن سوريا تعاني من “مواطن قصور استراتيجية”، على صعيد مكافحة غسل الأموال. وتلفت المجموعة في تقريرها ذاته، إلى أن المجرمين يستغلون آليات أنظمة الإقرار بالنقد كوسيلة لإضافة واجهة شرعية لأموالهم. أي باختصار، فإن نموذج التصريح الذي تطلب السلطات السورية تعبئته، عند الأمانة الجمركية على الحدود، في حال حيازة وإدخال مبالغ ضخمة بالقطع الأجنبي، يمثّل وسيلة لشرعنة هذه المبالغ، في وقت لاحق، بغض النظر عن مصدرها. وهو ما يخدم مجموعات الجريمة المنظّمة والتهريب، وتجارة المخدرات.
أما على صعيد موسم السياحة وزيارات المغتربين القادم، في سوريا. فلا جديد يضيفه القرار. ولا جديد يمكن الرهان عليه.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت