وجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عدة رسائل خلال الكلمة التي تلت لقائه بنظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي في مدينة إسطنبول.
وبينما قدم “مفاجئة” لم يسبق وأن تطرق لها أغلق الباب مجدداً أمام المساعي الهادفة لتوسيع حلف “الناتو” بضم السويد.
وكانت زيارة زيلينسكي إلى تركيا، يوم الجمعة، هي الأولى من نوعها منذ 24 فبراير 2022، أي عندما بدأت روسيا غزوها ضد أوكرانيا.
وأجرى أردوغان والرئيس الأوكراني في أثناء اللقاء محادثات بين الوفود، ثم تبادلوا القضايا التي ناقشوها مع الجمهور في المؤتمر الصحفي.
وضمن نطاق الزيارة تم التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال الصناعات الاستراتيجية بين البلدين.
في حين اعتبرت تصريحات الرئيسين والعناصر المتفق عليها علامة على زيادة فاعلية تركيا في الفترة المقبلة على صعيد الحرب الدائرة والقضاء على آثارها.
“دعم مفاجئ”
وكان أحد العناصر الأكثر لفتاً للانتباه في تصريحات أردوغان هو الجزء المتعلق بـ”أوكرانيا تستحق عضوية الناتو”.
ويريد زيلينسكي رسالة واضحة ودعوة رسمية لعضوية بلاده في الناتو خلال قمة الحلف في فيلنيوس، والتي ستعقد يومي 11 و 12 يوليو.
ولا يحبذ الحلفاء البارزون مثل الولايات المتحدة وألمانيا اتخاذ مثل هذه الخطوة في وقت تستمر فيه الحرب، بينما يؤيد بعض الأعضاء الآخرين أيضاً تقييم عملية في هذا الاتجاه “بعد انتهاء الحرب”.
وتشير سياسة أنقرة الأساسية إلى أن عضوية أوكرانيا لن تكون واقعية للغاية في بيئة يستمر فيها الصراع الساخن.
ولهذا السبب، يُنظر إلى أن أردوغان يدعم ذلك علانية كتقييم رائع.
ومع ذلك، لا يوجد موقف واضح داخل الحلف بشأن هذه القضية، وأن موقف الولايات المتحدة لم يتغير، بينما يشير تقرير لموقع “بي بي سي” إلى أنه لا يُتوقع أن يتخذ قراراً يمهد الطريق لعضوية أوكرانيا خلال القمة.
“ضوء أحمر تجاه السويد”
وفي خطاب ألقاه في إسطنبول قبل ساعات من اجتماعه مع زيلينسكي، أشار أردوغان إلى أن الموافقة التي تنتظرها السويد لا تزال في مأزق.
ومع ذلك، أثناء قوله هذا، ذكر أن تركيا تدعم سياسة الباب المفتوح لحلف الناتو وأن فنلندا، التي تلتزم بالاتفاقية الثلاثية الموقعة في يونيو 2022، تلقت الضوء الأخضر من أنقرة للانضمام إلى الحلف في نهاية مارس.
وبالمثل، وبالقول إن أوكرانيا تستحق العضوية الكاملة أعرب أردوغان مرة أخرى أن تركيا تتصرف وفقاً لمنظور التوسيع.
“رسائل قبل فيلنيوس”
ولم تقتصر رسائل أردوغان القوية تجاه أوكرانيا على عضوية الناتو.
إذ أكد أردوغان أن الحرب التي شنتها روسيا غير مقبولة، وأن الدولة والشعب الأوكراني يقاتلون لحماية أراضيهم.
كما أكد أن تركيا ستقف إلى جانب أوكرانيا أثناء الحرب وبعدها في إعادة بناء البلاد.
وتعاونت تركيا وأوكرانيا بشكل مكثف ولا سيما في صناعة الدفاع منذ غزو القرم عام 2014.
بالإضافة إلى المشاريع المشتركة في مجالات مثل إنتاج محركات الدبابات وطائرات الهليكوبتر، ظهرت المركبات الجوية بدون طيار (UAV) والمركبات الجوية المسلحة بدون طيار (SİHA) في المقدمة فور بدء الحرب الروسية.
وأشار زيلينسكي إلى أنهما ناقشا مشاريع مختلفة مع أردوغان في نطاق مذكرة التفاهم في مجال الصناعات الاستراتيجية الموقعة.
وقال: “يمكن لأوكرانيا وتركيا تحقيق هذه المشاريع معاً”.
وتغطي أوجه التعاون هذه التعاون في الصناعة الدفاعية وتطوير التكنولوجيا، فضلاً عن إنتاج الطائرات بدون طيار وغيرها من المجالات الاستراتيجية.
كما أعرب الزعيم الأوكراني عن امتنانه لدعم تركيا.
ويعتبر الدعم التركي لأوكرانيا لافت للنظر أيضاً، لأنه يتزامن مع فترة من الانتقادات المتزايدة والضغط على أنقرة بشأن عضوية السويد.
ومصدر هذه الانتقادات هو حقيقة أن التأخير في انضمام السويد قد أفاد روسيا، وأن التعاون الثنائي الاقتصادي والطاقة والسياسي بين أنقرة وموسكو قد تعمق.
ويقدر أن أردوغان الذي من المتوقع أن يكرر الرسائل التي أعطاها خلال لقائه مع زيلينسكي خلال قمة فيلنيوس يسعى بالتالي لتغيير هذا الانطباع تجاه تركيا.
“استمرار الحوار”
رسالة مهمة أخرى من أردوغان كانت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيزور تركيا في أغسطس/آب المقبل.
وإذا تمت الزيارة، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها بوتين دولة من دول “الناتو” منذ بداية الحرب.
وهكذا، ستثبت تركيا أنها لن تتراجع عن وضعها كواحدة من الدول النادرة التي يمكن أن تلتقي بالطرفين، رغم الانتقادات.
وفقًا للرئيس أردوغان، هناك ثلاث عمليات مهمة في نطاق حوار تركيا مع بوتين وزيلينسكي.
ومن أهمها وقف إطلاق النار وبدء التفاوض على معاهدة سلام دائم.
وباستخدام عبارة “السلام العادل لا خاسر” نقل أردوغان رسالة مفادها أن تركيا مستعدة لدعمها إذا تم الوصول إلى هذه المرحلة.
وتتواصل المفاوضات الثانية حول تبادل الأسرى، ولاسيما أن تركيا لعبت دوراً مهماً في تحقيق التبادل الشامل للأسرى بين أوكرانيا وروسيا العام الماضي.
هل سيستمر ممر الحبوب؟
القضية الثالثة والأكثر أهمية هي استمرار مبادرة حبوب البحر الأسود، التي بدأت في يوليو/تموز 2022.
وتشمل مبادرة الحبوب، التي تم تحقيقها بمبادرات تركيا والأمم المتحدة، اتفاقيتين منفصلتين مع أوكرانيا وروسيا.
وجاءت بسبب انخفاض المعروض من الحبوب والأسمدة وغيرها من المنتجات في العالم بسبب الحرب، والزيادة في أسعار المواد الغذائية.
ومع ذلك، تنوي روسيا عدم تمديد المبادرة بعد 17 يوليو على أساس أنها لا تستطيع إرسال منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بسبب العقوبات الثانوية المفروضة.
وتواصل تركيا والأمم المتحدة العمل مع روسيا والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة للتغلب على المشكلة.
وفي هذا الصدد، قال أردوغان: “إلى متى يمكننا تمديد الفترة بعد 17 يوليو، نحن نعمل على ذلك أيضاً. نأمل أن يكون لدينا توقع ألا يحدث هذا كل شهرين، ولكن مرة واحدة على الأقل كل 3 أشهر”.
وأضاف: “سنبذل هذا الجهد بهذه الطريقة ونبذل جهداً لزيادة المدة إلى عامين على الأقل”.