لم يعد البحث عن أسباب انهيار قيمة الليرة السورية بشكل متسارع وتخطي سعر صرف الدولار عتبة 10 آلاف ليرة يلقى اهتماماً لدى المحللين والباحثين الاقتصاديين، كون الأسباب ذاتها، ولا جديد يضاف إليها.
فالمخزون الاستراتيجي من القطع الأجنبي للمصرف المركزي نفد، والثروات الطبيعية خارج سيطرة النظام والإنتاج القابل للتصدير شبه متوقف.
ولعل السبب الجديد هو ما ذكرته وزير الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، عبر حسابها في “فيس بوك”، يتعلق بعدم الاكتراث من قبل حكومة الأسد.
وقالت عاصي: “في هذا الوضع الاقتصادي البائس فإن التحليلات وذكر الأسباب، هو كلام مكرر وممل، يذكر نفس الأسباب والعوامل، وندور في نفس الدوامة”.
واعتبرت أن “عدم الاكتراث واللامبالاة سيدا الموقف” في إشارة إلى حكومة الأسد والمعنيين.
فشل المصرف المركزي
ومنذ مطلع العام الجاري فقدت الليرة السورية 4 آلاف من قيمتها أمام الدولار.
وبدأت الليرة مطلع العام عند سعر 6650 ليرة للدولار الواحد، لتتخطى خلال الأيام الماضية حدود 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، حسب موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار العملات الأجنبية.
ويأتي تدهور الليرة رغم توقعات بتحسن الحالة الاقتصادية وتحسن الواقع المعيشي، بعد انفتاح عدد من الدول العربية على نظام الأسد، لكن ما حصل خالف هذه التوقعات.
ورغم محاولات المصرف المركزي بإيقاف تدهور الليرة السورية، إلا أنه فشل في ذلك وبدل من أن يكون الضابط لسعر الصرف أصبح يلاحق السوق السوداء.
ومنذ أشهر يصدر المصرف نشرات يومية بأسعار الصرف تقارب سعر السوق السوداء، بهدف استقطاب الحوالات المالية الخارجية وجعلها تصب في خزينته.
ويقول أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو، إن “المصرف المركزي في كل دول العالم هو المؤسسة التي تساهم في ضبط الكتلة النقدية في السوق، لكن المصرف في سورية يعمل على العكس تماماً”.
وأضاف شعبو لـ”السورية. نت” أن المصرف بدل أن ينظم السوق ويضبط سعر الصرف، بدأ باللحاق بسعر السوق السوداء.
وأشار إلى أن المصرف خلال الأسبوع الماضي غير سعر الصرف ثلاث مرات، و”هذا لم يحصل في أي دولة في العالم”.
وسعّر المصرف الدولار بـ 8800 ليرة في 10 من الشهر الجاري، قبل أن يرفعه إلى 9 آلاف ليرة في اليوم التالي ثم إلى 9200 يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
هل تصل الليرة السورية لـ 15 ألف؟
وشبه شعبو الليرة السورية بـ”مريض السرطان” الذي يزداد وضعه سوءاً بمرور الوقت.
واعتبر أن الوضع في سورية اليوم يحتاج إلى تنمية اقتصادية وضخ أموال وإنعاش بنية تحتية، وهذه الأمور لم تحصل رغم عودة العلاقات مع دول عربية منها السعودية.
وتوقع شعبو استمرار النزيف لليرة السورية، ووصف الأمر بـ”الطبيعي”، فسعر الصرف منذ 2011 في حركة تذبذبية.
واعتبر أن الدولار يمر بمراحل صعود وهبوط واستقرار أحيانا، لكن المنحى العام هو تصاعدي، متوقعاً وصول الدولار قريباً إلى حدود 14 و15 ألف ليرة سورية.
كما اعتبر أن نظام الأسد غير مستاء من هذا التدهور والحالة الاقتصادية، كون ارتفاع سعر الصرف يساعده في سداد رواتب الموظفين، فـ”إذا كانت مليون دولار تسد حاجة ألف موظف فاليوم تسد حاجة ألفين و3 آلاف موظف”.
وأكد أن “الأنظمة الشمولية تزداد في هذه الأوضاع بطشاً وغنى، لكن على الصعيد المقابل تتهالك مؤسسات الدولة، ويصبح الاقتصاد متروكاً لبعض المنفذين المحسوبين على النظام”.
ويتزامن تراجع سعر الصرف مع الحديث عن زيادة رواتب قريبة لموظفي القطاع العام.
وقال عضو مجلس الشعب محمد زهير تيناوي، إن “الزيادة التي تم الحديث عنها مؤخراً قائمة وتتم دراستها”، متوقعاً إقرارها الشهر المقبل.
وأضاف تيناوي لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية أن قيمة الزيادة ستتراوح بين 60 و70%.
ويبلغ متوسط رواتب موظفي القطاع العام في حكومة الأسد 130 ألف ليرة سورية فقط، ما يعادل 13 دولاراً.
وكانت آخر زيادة للرواتب في يوليو/ تموز 2021، عندما أصدر الأسد مرسوماً بزيادة 50%.
وتوقع شعبو عدم تأثير رفع الرواتب على الحياة الاقتصادية للمواطن، وإنما على العكس سيؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية في السوق وزيادة التضخم وزيادة الأسعار.
وأشار إلى أن التاجر في سورية لا يلتزم بتسعير بضائعه وفق سعر الصرف الحالي، وإنما يكون التسعير دائماً أعلى، لأنه يعلم تماماً أن السعر الحالي غير ثابت وسيعود للارتفاع لاحقاً، وبالتالي يريد تجنب الخسارة وحماية أمواله وأرباحه.
ويعتمد أغلب المواطنين داخل مناطق النظام على مصادر دخل ثانية، منها الحوالات المالية التي تأتيهم من الخارج، إضافة إلى العمل الإضافي في وظيفة ثانية.