المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
تعد قضية النزوح الداخلي إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تعكس تبعات النزاع الدائر في سورية منذ بداية عام 2011. بعد أن اضطر السكان المحليين في العديد من المناطق لمغادرتها في رحلة نزوح قسري، أججها تصاعد وتيرة العمليات العسكرية والاستهداف الممنهج للمدنيين من قبل قوات النظام السوري وحلفائه بحثاً عن مناطق أكثر أمناً داخل سورية.
ومع توالي سنوات النزاع ازداد عدد الأفراد النازحين من شتى المناطق ليصل إلى ما يقارب (6.784) مليون نازح في نهاية عام 2017، وليمثل الأطفال تقريباً ما لا يقل عن نصف هذا العدد. وبذلك أصبحت سورية وفقاً للعديد من التقارير الدولية البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم. مع بلوغ حجم التمويل المطلوب لتلبية احتياجات النازحين داخلياً مبلغ (5.3) مليار دولار أمريكي وفقاً لخطة الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2018.
ولم يعد يخفى على المتابع للحالة السورية الوضع الصعب الذي تعيشه هذه الكتلة البشرية من النازحين على مختلف الصعد بعد أن تناقلت وسائل الإعلام معاناتهم على نطاق واسع. فمع افتقادهم المأوى وظروفهم الاقتصادية الصعبة اضطرت نسبة كبيرة منهم مرغمة للعيش في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة الكريمة، والتي تصنف غالبيتها كمخيمات عشوائية بناها النازحون أنفسهم لتوفير مأوً مؤقت، ويصنف قاطنيها بكونهم من النازحين الأشد فقراً الذين ضاقت ذات يدهم لتأمين المسكن المناسب في مناطق نزوحهم.
ومع استطالة سنوات النزاع شكلَّت هذه المخيمات مستوطنات واسعة الامتداد ازداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر. مع افتقار غالبيتها إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الحياتية الأخرى. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه سكان هذه المخيمات يتمثل في تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وفي ظل غياب فرص العمل وقلة الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة التي اقتصر دعم الكثير منها على تقديم بعض السلال الغذائية والصحية، مع وجود بعض المبادرات المحدودة لنشر سبل العيش ضمن هذه المخيمات.
التحدي الأكبر الذي يواجه سكان هذه المخيمات يتمثل في تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم فيها
وذلك إلى جانب أن الكثير من العائلات المقيمة في هذه المخيمات تفتقد المعيل مما يفاقم من بؤسها واحتياجها. حيث تعتمد نسبة منهم على المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الإغاثية لتأمين الاحتياجات الأساسية بحيث تسهم هذه المساعدات في تغطية جزء من نفقات هذه العائلات، إلا أن الكثير منهم يواجه تحديات خطيرة بسبب عدم الوصول المنتظم للمساعدات الإنسانية وبسبب عدم كفاية الموارد لدى المنظمات الداعمة، مما يجعل العديد من العائلات تكافح جاهدة من أجل إيجاد مصدر لكسب الرزق، وهو أمر يرتبط بقضايا عمالة الأطفال والزواج المبكر المستمرة في هذه المخيمات. في حين يعتمد البعض منهم على مساعدات الأقارب والسحب من مدخراتهم الشخصية. كذلك يوجد نسبة لا بأس بها من هؤلاء السكان تعتمد على نفسها لتأمين سبل عيشها من خلال مزاولة بعض الأعمال الحرة مستفيدين من خبراتهم المهنية السابقة قبل نزوحهم من مناطقهم.
وتتركز هذه الأعمال بشكل أساسي على الحرف اليدوية مثل مهن الحلاقة والخياطة والإكسسوارات. إلى جانب ذلك يعتمد بعض سكان المخيمات على العمل في الحقول الزراعية المجاورة لهم كعمال مياومه بأجور بخسة نظراً لحاجتهم الماسة لتأمين متطلبات المعيشة. كذلك تبرز ظاهرة الباعة الجوالون بين المخيمات للمتاجرة بالبضائع والسلع الجديدة والمستعملة، ورغم محدودية المكاسب المحققة من هذه الأعمال إلا أن امتهانها من قبل العديد من النازحين أسهم في تغطية جزء من نفقاتهم المعيشية.
بناءً على ما سبق، فإن طرح قضية تنمية سبل العيش لسكان هذه المخيمات في الوقت الحاضر أصبح من الأهمية بمكان، بعد أن اقترب النزاع داخل سورية من نهايته، وبعد أن تحولت العديد من المخيمات إلى مدن وقرى صغيرة تعج بالحياة وتستلزم من ساكنيها السعي نحو تأمين الرزق لمواصلة حياتهم وتأمين متطلبات أسرهم، وخاصة تلك المخيمات المقامة في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب والتي يتجاوز عدد سكانها المليوني نازح.
عدم وجود جهات رسمية داعمة لتنمية سبل العيش داخل المخيمات، وعدم إدراج سبل العيش على سلم أولويات الفواعل في مناطق هذه المخيمات يعد من بين أهم المعوقات لتفشي البطالة داخلها
غير أن هناك مجموعة من المعوقات التي تقف في وجه تنمية سبل المعيشة داخل هذه المخيمات، ويتمثل أبرزها في الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات وشعورهم بالخوف وعدم الأمان من البيئة المحيطة وعدم القدرة على التكيف في إطارها، وبالتالي غياب الحافز لديهم للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم نتيجة للصدمات النفسية التي لم يتمكن الكثير منهم من التعافي منها بعد، وركون الكثير منهم إلى الاعتماد على المساعدات المقدمة من المنظمات الداعمة أو الاعتماد على عمل أطفالهم. إلى جانب عدم استقرار الأفراد داخل هذه المخيمات لأسباب متعددة.
كذلك يعد عدم وجود جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيمات، وعدم إدراج سبل العيش على سلم أولويات عمل المنظمات الداعمة من بين المعوقات الهامة لغياب فرص العمل للسكان، مع وجود مبادرات محدودة في هذا الصدد. أضف إلى ذلك عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل، في حين يمثل غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات معوقاً إضافياً لتنمية سبل العيش، مع انفراد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها، وافتقادها للخبرة والإمكانيات وتبعيتها لبعض الفصائل العسكرية أو الولاءات القبلية.
وفقاً لما سبق، فإنه لا بد أن تتضافر جهود الفواعل المحلية والدولية المهتمة بالإشراف على هذه المخيمات. من خلال التعاون فيما بينها لبناء سياسات مستقبلية لتنمية سبل العيش عبر آليات وبرامج مدروسة تتناسب وظروف هذه المخيمات وقدرات ومؤهلات سكانها، وتذليل جميع المعوقات التي تعترض تنفيذ هذه البرامج. بحيث يمكن البناء عليها والاستفادة من مخرجاتها لدمج هؤلاء السكان في محيطهم الاجتماعي وانتشالهم من دوامة الفقر والتقليل من اعتمادهم على المساعدات الإنسانية، وبما يعزز من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهم في مناطق تواجدهم.