يُعتبر توفير الأطراف الصناعية لمصابي الحرب معضلة كبيرة يواجهها القطاع الطبي في الشمال السوري على مدار السنوات الـ10 الماضية، هذه المعضلة أعاد الزلزال الحديث عنها مجدداً مع تفاقم الإصابات بـ “متلازمة الهرس” لأشخاص ظلوا عالقين تحت الأنقاض لساعات طويلة، ما يعرضهم لخطر بتر الأطراف.
وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية وتزايد الاحتياجات الطبية نتيجة تذبذب الدعم، يواجه القطاع الطبي في مناطق شمال غربي سورية تحديات كبيرة في توفير الأطراف الصناعية خلال المرحلة الراهنة، وسط مصاعب في الاستجابة اللازمة لمتضرري الزلزال وتبعاته.
خيارات محدودة أمام المرضى
مدير مشروع الأطراف الصناعية والعلاج الفيزيائي في مركز “شام” لإعادة التأهيل، الدكتور عبد الرحمن حلاق، تحدث عن تفاقم عدد إصابات الهرس بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة بتاريخ 6 فبراير/ شباط الماضي.
وأشار في حديثه لـ “السورية نت”، أن مرضى الهرس قد يتعرضون بعد 3 أو 4 أشهر إلى خطر البتر، وسيحتاجون إلى تركيب أطراف صناعية بعد انتهاء فترة علاجهم وبدء فترة إعادة التأهيل، ما سيؤدي إلى ضغط إضافي على مراكز الأطراف الصناعية.
وبحسب حلاق، يوجد في المنطقة 3 مراكز مختصة بتركيب الأطراف الصناعية، من بينها مركز “شام”، لكن عدد المرضى المحتاجين لطرف صناعي “كبير جداً” بسبب إصابات الحرب خلال السنوات الماضية، ما يضطر المرضى للانتظار فترة طويلة لحين تأمين الطرف.
وأضاف أن تأمين المواد اللازمة للأطراف الصناعية يتم عبر شرائها من تركيا، ثم يُصنّع كامل الطرف ضمن المراكز المتوفرة في الشمال، مشيراً إلى أن “توريد مواد الأطراف يُعتبر من أكبر التحديات التي تواجه المركز بسبب ارتفاع أسعار المواد وقلة التمويل”.
وقال حلاق إن المشروع الذي يديره يهدف إلى تصنيع حوالي 13 طرفاً صناعياً شهرياً، و1000 جلسة علاج فيزيائي، بالإضافة للصيانة الدورية للأطراف المصنعة من قبل، وتصنيع الجبائر الطبية اللاستيكية للأطفال، ليصل عدد المستفيدين إلى 40 مريض شهرياً.
تحديات الدعم والأرقام
من جانبه، قال عدنان جودي، مشرف على أحد مشاريع الأطراف الصناعية في إدلب، إن قطاع الأطراف الصناعية في الشمال السوري يعاني من أزمات عدة، وبعيد جداً عن “التكامل” لاعتبارات وأسباب عدة.
وأبرز تلك الأسباب هي أن دعم المشروع تكون مدته 6 أشهر أو سنة، وبعدها ينقطع الدعم وتنقص المواد والمستلزمات والمعدات اللازمة، ما يجعل المريض في منتصف الطريق، موضحاً أن الطرف الصناعي مدته سنة فقط وبعدها يحتاج لتبديل لأن الطرف المبتور قد يضمر أو يصح أو يتورم.
كما تحدث عدنان لـ “السورية نت” عن صعوبات في توفير المواد اللازمة للأطراف الصناعية، خاصة مادة السيليكونة، وهي مادة شبه استهلاكية ملامسة للجسم يجب تغييرها خلال فترة من 6 لـ8 أشهر، كونها نقطة الالتقاء بين الطرف المبتور والطرف الصناعي.
وبحسب عدنان جودي، وهو خريج معهد أطراف صناعية ومتطوع لصالح منظمات إنسانية في الشمال السوري، فإن الحاجة تفاقمت بعد الزلزال الذي ضرب مناطق شمال غربي سورية، متحدثاً عن أذيات هرسية أصابت أطفالاً ونساءً ورجال.
وأشار إلى أن بتر الأطراف كان يقتصر خلال السنوات الـ 12 الماضية على مصابي الحرب والمصابين بداء السكري، إلا أنه تضاعف مؤخراً بسبب الزلزال وما سببه من حالات هرس للأطراف.
ولا يمكن حالياً الخروج بإحصائية دقيقة لعدد الأشخاص الذين يحتاجون لبتر أطراف، بحسب عدنان، لأن مصابي متلازمة الهرس بعد الزلزال لا يزالوا حالياً تحت العلاج، وقد يتعرضون بعد أشهر لخطر البتر، مشيراً إلى أن عددهم قد يصل لنفس عدد مرضى البتور خلال السنوات الـ 12 الماضية.
إدلب.. القطاع الطبي “المنهك” يواجه تبِعات مضاعَفة بعد الزلزال
ما هي “متلازمة الهرس”؟
يقول مدير صحة إدلب، الدكتور زهير القراط، إن متلازمة الهرس تحدث نتيجة الضغط الكبير على أحد أطراف الجسم لساعات طويلة، وهو ما حدث مع بعض الأشخاص العالقين تحت الأنقاض بعد زلزال سورية وتركيا.
وأضاف في حديثه لـ “السورية نت” أن الضغط لفترة طويلة على الأطراف يؤدي إلى تهشم العظام وتدمّر العضلات، بحيث يخرج منها مواد سامة تنتشر في الدوران الدموي وتؤدي إلى قصور كلوي، ما قد يعرض المصاب لخطر البتر أو الوفاة.
وبحسب القراط، يحتاج المصاب فوراً لغسيل كلية إسعافي، وأحياناً قد يحتاج لعدة جلسات للشفاء.
وتحدث مدير صحة إدلب عن مصاعب تواجه القطاع الطبي، خاصة في مسألة توفير الأطراف الصناعية بشكل مجاني، مشيراً لوجود مراكز للعلاج الفيزيائي إلا أن بعضها توقف بسبب انقطاع الدعم.
كما تحدث عن عقبات متعلقة بعدم توفر المعدات والأجهزة الطبية الحديثة في شمال غربي سورية، خاصة بالنسبة للأمراض المستعصية ووحدات غسيل الكلى، حيث أصبحت المعدات هناك “متهالكة” حسب وصفه، بعد سنوات طويلة من الاستخدام.
وتضاعفت معاناة القطاع الطبي في مناطق شمال غربي سورية، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير/ شباط الماضي، حيث اضُطر لمواجهة حدث “دموي” بإمكانيات ضعيفة، أثقلها عقد كامل من الحرب والقصف وضعف الاستجابة الدولية.