السوريون ورقة الجولة الثانية..ما مستقبل الخطاب العنصري بعد الانتخابات التركية؟
بلغ خطاب الكراهية والعنصرية ضد السوريين في تركيا أوجه، خلال الأيام العشرة الأخيرة، إذ صعّد مرشح الرئاسة عن تحالف “الأمة”، كمال كليجدار أوغلو، حدة هجومه ضد السوريين في تركيا قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستجري غداً الأحد.
وجاء هذا الخطاب التحريضي، سعياً من المعارضة التركية، لإرضاء “القومين المتشددين”، وكسب أصواتهم في الجولة الثانية والحاسمة لسباق الرئاسة.
ولا يكاد يخلو تصريح من كليجدار أوغلو أو حلفائه، دون التأكيد على إعادة جميع اللاجئين بعد فوزه بالانتخابات، تزامناً مع نشر معلومات غير صحيحة عن عددهم، إلى جانب نشر صور ولافتات في الولايات وخاصة اسطنبول حملت عبارة “السوريون سيذهبون.. قرر”.
وقال أوغلو، في تصريحات للصحفيين في أنقرة الأسبوع الماضي، إن ” هناك أكثر من 10 ملايين لاجئ في تركيا، مضيفاً “فور وصولي إلى السلطة، سأعيد كل اللاجئين إلى بلدانهم”.
في المقابل، ورغم رفضه لخطاب المعارضة التحريضي، تطرق تحالف الحزب الحاكم(الجمهور) ومرشحه رجب طيب أردوغان، إلى ورقة اللاجئين في حملته الانتخابية قبل الجولة الثانية، عبر التأكيد على إعادتهم بشكل طوعي.
وركزت تصريحات الحزب الحاكم على تهيئة الظروف الأمنية والحياتية لإعادة السوريين بشكل طوعي، وذلك عبر بناء منازل لهم في الشمال السوري، إلى جانب التفاوض مع نظام الأسد لإعادتهم.
كما ركز خطاب الحزب الحاكم، بالرد على أرقام المعارضة حول الأرقام، إذ قال وزير الداخلية سليمان صويلو، إن عدد السوريين 3 ملايين و381 ألفًا و429، وهم يخضعون للحماية المؤقتة.
أسباب تصعيد الخطاب
ورغم أن الخطاب حول السوريين في تركيا واستخدامه كـ”وقود” للحملات الانتخابية التركية ليس بالجديد، لكن تزايده بين جولتي الانتخابات الرئاسية كان لافتاً، وهو ما أرجعه محللون إلى مفرزات نتائج الجولة الأولى.
وحصل أردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات على نسبة 49.50 % من الأصوات، بينما حصد كليجدار أوغلو على نسبة 44.89%، أما المرشح الثالث عن تحالف الأجداد سنان أوغان، فقد حصل على أكثر من 5% من الأصوات.
وأرجع الناشط في قضايا حقوق اللاجئين طه الغازي، تصاعد الخطاب ضد اللاجئين السوريين قبل الجولة الثانية إلى سببين، الأول هو حصول تحالف الأجداد على 5.2 من أصوات الناخبين، وهذا الأمر مؤشر على تنامي وصعود “الخطاب القومي اليمني المتطرف”.
وكان تحالف الأجداد يضم في الجولة الأولى، حزب “العدالة”، وحزب “النصر” الذي يتزعمه النائب البرلماني أوميت أوزداغ، المعروف بعدائه الكبير للاجئين السوريين، قبل تفككه بسبب دعم اوزداغ لكليجدار أوغلو في الجولة الثانية، فيما اختار أوغان دعم أردوغان.
واعتبر الغازي أن الطرفين اللذين يمثلان التحالف، هما سنان أوغان وأوميت اوزداغ، وهما منذ سنوات يحرضان بخطاب قومي يمني متطرف ضد اللاجئين.
أما السبب الثاني يعود إلى حصول تحالف الأمة ومرشحه كليجدار أوغل على نسبة أقل أمام تحالف الجمهور.
واعتبر الغازي في حديث لـ”السورية.نت”، أن تحالف الأمة لم يكن يتوقع أن تكون نسبة الأصوات في الجولة الأولى بهذه الدرجة، لذلك لم يبق أمام مرشحه أوغلو شخصياً سوى استخدام خطاب الكراهية والتمييز العنصري.
ووصف الغازي هذا الخطاب بالـ”مقيت” لدرجة أنه بات يستهدف السوريين بلافتات في الشوارع العامة، وحتى على جدران المدارس كما حصل في أزمير.
في حين يرى الباحث السياسي، هشام جوناي، بأن خطاب المعارضة صار قريباً من خطاب “حزب النصر” بقيادة أوميت اوزداغ، ومحاولتها كسب أصوات فئة الناخبين المطالبين بعودة السوريين.
ويحمل جوناي المسؤولة بالدرجة الأولى إلى الحكومة التركية، التي اتخذت كما يعتبر من “اللاجئين ورقة سياسية استخدمت سابقاً في المساومة مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب عدم التزامها بالشفافية في أرقام اللاجئين السوريين منذ البداية وعدد المجنسين منهم والحاصلين على بطاقة حماية مؤقتة”.
إضافة إلى “خطاب الرئيس أردوغان حول قيمة الأموال التي صرفت على اللاجئين وتكرار ذلك في خطاباته بصرف أكثر من 40 مليار دولار”.
واعتبر جوناي أن “هذه اللهجة أثارت غضب المواطن التركي الفقير الذي يعتبر أنه بحاجة لهذه الأموال أكثر من صرفها على اللاجئين”.
أما المعارضة فإنها تتحمل مسؤولية كبيرة لتبنيها “خطاباً تحريضياً وعنصري، وهذا الشيء مرفوض، إذ لا يمكن تبني هذه اللهجة في سبيل تحقيق مكاسب سياسية”.
بينما حمل طه الغازي المسؤولية لطرفي الصراع السياسي في تركيا، فالمعارضة ببعض قياديها وأحزابها وتياراتها تحرض على اللاجئين بخطاب الكراهية، وكان نتيجة ذلك عدد من الجرائم ذات الطابع العنصري وأدت إلى مقتل سوريين.
أما اللوم على الحكومة التركية من وجهة نظره، فإنه يقع “بعدم محاكمة المحرضين ضد اللاجئين والتزام الصمت والسكوت، رغم وجود قرار بإنشاء قانون التضليل الإعلامي الذي أقره البرلمان التركي” العام الماضي.
واعتبر الغازي أن صمت الحكومة بات يرسم أكثر من علامة استفهام:”هل هناك توافق ضمني بين الحكومة والمعارضة على فرض بيئة قسرية على اللاجئين السوريين من أجل دفعهم للتفكير بالعودة إلى بلادهم أو الهجرة إلى أوروبا، وهذا ما اثبتته المراحل الماضية للأسف الشديد؟”.
مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا
ويأمل السوريون في تركيا أن ينتهي الخطاب العنصري مع انتهاء الانتخابات ومعرفة النتيجة، وسط تخوف من وصول المعارضة إلى السلطة وتنفيذ وعودها بترحيلهم.
لكن الخطاب سيستمر بعد الانتخابات لعدة أشهر بغض النظر عن الجهة التي سوف تستلم زمام السلطة، حسب الغازي، لأن الطرفين ملزمان أمام الشارع التركي بتنفيذ وعودهما التي أطلقوها خلال الحملة، قبل أن تخف لاحقاً بسبب الحاجة إلى اليد العاملة السورية.
ويقول الغازي إن هذا الخطاب لن يستمر طويلاً، إذ أن الحكومة والمعارضة تدركان أن المرحلة القادمة، والأهم في تركيا هي مرحلة إعادة إعمار الولايات العشر المتضررة من الزلزال.
سوريون وسط دوامة الانتخابات التركية: حقائب جاهزة ومشاريع مؤجلة
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، وكذلك نقابات عمال مقربة من الحكومة أكدا أن المرحلة القادمة تتطلب “يد عاملة رخيصة وللأسف في تركيا لا توجد يد عاملة رخيصة يتم استغلالها من قبل الحكومة والمعارضة سوى اليد العاملة السورية”، حسب الغازي.
أما عن مستقبل اللاجئين في تركيا، فقد أكد الغازي أن “قرار العودة اتخذ.. أردوغان أشار إلى إعادة مليون لاجئ سوري، كما أن وزير الخارجية التركي قال في 2021 أن هناك اتفاقاً مع دول الجوار لسورية على مشروع إعادة اللاجئين”.
واعتبر الغازي أن مشروع إعادة اللاجئين متأثر بشكل نسبي بالانتخابات، لكن هو مشروع متفق عليه سلفاً بين الأنظمة والحكومات في المنطقة وتحديداً في دول جوار سورية.
في حين يرى جوناي أن وضع اللاجئين سيكون محط نقاش حتى لو فاز أردوغان بالرئاسة، وخاصة في ظل التقارب مع نظام الأسد وتطبيع العلاقات معه، وهذا الخطوة بدأت قبل الانتخابات.
وقال جوناي:”سواء فازت المعارضة أم الحكومة، إعادة على مراحل لجزء من اللاجئين السوريين”، خاصة وأن “تركيا على شفير هاوية بسبب التذمر من بقاء اللاجئين”.
وطالب جوناي الحكومة التركية بإعلان برنامج دمج للاجئين في المجتمع التركي، أو أن يكون هناك برنامج إعادة واضح وشفاف، كون كتم المعلومات لن يؤتي إلا بمشاكل جديدة ويساهم في تفاقم المسألة.