النظام السوري وتجارة المخدّرات… المجدية سياسيًّا!
أغرق النظام السوري الدول العربيّة والخليجيّة بالمخدرات، من خلال تولّيه والميليشيات الإيرانيّة، تنظيم وإدارة أضخم عمليات التهريب عبر الحدود الأردنيّة والعراقيّة، وها هو في الإجتماع الذي عقده وزراء خارجية مصر والعراق والسعودية والأردن مع نظيرهم السوري فيصل المقداد، أمس في عمّان، يبدي استعداده لـ “اتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب والعمل خلال الشهر المقبل على تحديد مصادر إنتاج وتهريب المخدرات إلى الأردن والعراق”، في مقابل التطبيع معه وإعادته، من دون مساءلة ومحاسبة وتغييرات منهجيّة، إلى “الأسرة العربيّة”، ولو من بوّابة العلاقات الثنائية في الوقت الحاضر، في انتظار “جامعة الدول العربية”.
واعترف النظام السوري بمسؤوليته عن هذه الجريمة التي أشعلت حروبًا حدوديّة، هنا وأغرقت الأسواق بالمخدرات هناك، بعدما اطمأنّ، مرّة جديدة، إلى أنّ مخططه أنتج مفاعيله المرجوّة.
وطالما أنكر النظام السوري مسؤوليته وحلفاءه عن عمليات التهريب هذه التي سبق أن أكدتها أجهزة المخابرات والمؤسسات الأمنية والعسكرية في الدول المستهدفة بها أو في المؤسسات المعنية عالميًّا بمكافحة تهريب المخدرات.
وفي مرحلة تنظيم عمليات التهريب، حقق النظام السوري مداخيل مالية كبيرة من صناعة حبوب الكبتاغون وتوزيعها على الأسواق الخليجية من خلال المعابر غير الشرعية التي يقيمها على حدوده المشتركة مع الدول العربية، ليعود، في مرحلة ضبط هذه التجارة الإجرامية، ويتقاضى ثمنًا سياسيًّا غاليًّا.
وما يصح في موضوع تهريب المخدرات، يصح أيضًا في موضوع ملايين السوريّين الذين هربوا من مدنهم وبلداتهم الى الدول المجاورة، فالنظام السوري، وقف في مرحلة معيّنة، وراء هذا “الترحيل الجماعي”، بهدف إغراق الدول المحيطة به، بمشكلات اقتصادية اجتماعية كبرى، وحال دون تتويج أيّ مساع جديّة لإعادة هؤلاء، ولو جزئيًّا، الى سوريا، لأنّ الثمن الذي يطلبه من الدول العربيّة، بداية ومن المجتمع الدولي، لاحقًا، لا يتناسب وتطلعاته، بعدما أنقذته روسيا بالتوافق مع إيران، وب”قبّة باط” أميركيّة، من سقوط كان حتميًّا.
من حق الدول العربيّة والخليجيّة أن تتّخذ ما يناسبها من خطوات لحماية أمنها القومي من مخاطر تهريب المخدرات بكل تداعياتها، ولكنّ الحل الذي ارتأته، وهو مكافأة الجريمة المنظمة بدل معاقبتها، سوف يشكّل خطرًا مستقبليًّا على الجميع، إذ إنّ هذا السلوك الإجرامي يمكن أن يصبح “خطة عسكريّة” من الآن فصاعدًا، بحيث يلجأ جميع من يلهث وراء أهداف سياسيّة الى اعتماد هذا السلوك، آخذين في الإعتبار أنّ الدول المستهدفة بالجريمة، ومن أجل أن ترفع عن كاهلها الأعباء، قد تسارع الى دفع الثمن المرجو.
حتى تاريخه، يقاوم الغرب هذا المسار العربي- الخليجي ولا يشجعه، ولكن، كما أهمل الملف السوري، سنوات طويلة فهو لا يستطيع، حاليًا أن يملي رأيه على الدول التي تفتش عن حلول بأيّ ثمن.
ولكن إذا واظب الغرب على موقفه المعارض لمعادلة “مكافأة الجريمة”، فإنّ العرب سوف يكونون في مكان والغرب في مكان آخر، ولن تستطيع أيّ دولة، مهما كانت مقتنعة بوجوب التطبيع مع النظام السوري، من تقديم مساهمات حقيقية لإعادة إعمار سوريا، لأنّ نظام العقوبات المستمر سوف يحول دون ذلك.
وهذا يعني أنّ النظام السوري الذي يرفض تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لن يكتفي بعرقلة أي مبادرة لإعادة الهاربين والنازحين واللاجئين، فحسب بل سوف يعود، بطرق ملتويّة، من أجل توفير ما يلزمه من مداخيل، إلى صناعة المخدرات وتهريبها، أيضًا.
ووفق مصدر دبلوماسي عربي، فإنّ العواصم العربيّة تدرك هذه الحقيقة، ولذلك هي تعتمد في تعاملها مع النظام السوري سياسة “خطوة مقابل خطوة”، فالمملكة العربيّة السعودية، على سبيل المثال، أسقطت فكرة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، إلى مرحلة لاحقة، واكتفت، في مرحلة “التدقيق بالنيات”، بإعادة العلاقات القنصلية، الأمر الذي تحتاج إليه، لتبقي سيطرتها الكاملة على العمالة الوافدة من سوريا إليها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت