بين إصرار الحكومة اللبنانية وتخوف الحقوقيين..هل تسلم المفوضية “بيانات اللاجئين”؟
في ظل ما يعانيه السوريون في لبنان، منذ أسابيع، من تصاعد الخطاب السياسي والإعلامي المحرض على ضرورة إعادتهم إلى بلادهم، فجرت مسألة “بنك معلومات”(داتا) اللاجئين السوريين، خلافاً بين الحكومة اللبنانية ومفوضية اللاجئين وصلت إلى حد المناكفة بين الطرفين.
وتصر الحكومة اللبنانية على تسلم “الداتا” من المفوضية تحت ذريعة معرفتها بعدد اللاجئين السوريين المسجلين والمستحقين للمساعدات، في حين دار حديث في وسائل الإعلام عن وضع المفوضية شروط لقبول التسليم.
ويقدر الأمن العام اللبناني عدد اللاجئين السوريين في لبنان بمليونين و80 ألف لاجئ، بينما يبلغ عدد السوريين المسجلين في لبنان لدى المفوضية أكثر من 805 آلاف، حسب ما كشفته المتحدثة باسم المفوضية، ليزا أبو خالد.
إصرار لبناني
المطالبة بتسلم “الدات”ا الخاصة بالسوريين في لبنان، بدأت الشهر الماضي، عندما عُقدت عدة اجتماعات بين مسؤولين في الحكومة اللبنانية والمفوضية.
وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، هكتور حجار، في مقابلة مع قناة “المنار” التابعة لحزب الله في 28 من الشهر الماضي، بأن المفوضية وافقت على تسليم “داتا النازحين” للحكومة اللبنانية.
بعد ذلك بيومين، وفي مقابلة مع قناة “LBCI” اللبنانية، صرح بأن مفوضية النازحين ترفض تسليم “داتا النازحين” السوريين للدولة اللبنانية لأسباب غير منطقية.
ومطلع الشهر الجاري أعطت الحكومة اللبنانية مهلة أسبوع واحد للمفوضية لتسليمها المعلومات، لكن عقب ثلاثة أسابيع من المهلة لم تسلمها المفوضية، وسط تحذير من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بقطع التواصل والتنسيق مع المفوضية في حال امتنعت عن تسليم البيانات.
وحسب وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، وفق ما نقلت عنه صحيفة “الأخبار” اللبنانية، فإن المفوضية اشترطت تسليم البيانات مقابل “إعطاء أكثر من مليون و600 ألف نازح سوري إقامات دائمة وإجازات عمل”.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر بأن “المفوّضية أوضحت أنّها تمتلك أسماء لأشخاص سوريين مسجلين لديها على أنّهم لاجئون سياسيون ومتورطون في ارتكاب جرائم في الداخل السوري، ولهؤلاء وضعية خاصة، إذ تخضع أسماؤهم للمعايير والقوانين الدولية التي تنص على ضرورة عدم تسريبها أو تسليمها للدولة اللبنانية تحت أي ذريعة”.
وتعليقاً على ذلك، اعتبرت المتحدثة باسم المفوضية، ليزا أبو خالد، أن “تصاريح الإقامة في لبنان تُنظّم الوضع القانوني للأجانب بشكل عام، بما في ذلك السوريين، وتضمن أن وجودهم في البلاد نظامي وقانوني، وهذه التصاريح مؤقتة في طبيعتها وتخضع للتجديد السنوي”.
وأكدت لصحيفة “الأخبار”، أن “المفوضية لم تُقدِم على الدعوة إلى دمج أو تجنيس اللاجئين السوريين في لبنان”.
أهداف طلب الـ”داتا”
وفتح إصرار الحكومة اللبنانية على تسلم الييانات، باب التساؤلات حول الهدف.
إذ بينما تبرر ذلك بمعرفة السوريين المسجلين كنازحين ويذهبون إلى سورية، يحذر حقوقيون من خطورة وصول هذه المعلومات إلى نظام الأسد.
وفي مقابلة مع قناة “LBCI” اللبنانية، أكد حجار أن “أكثر من مليون و600 ألف نازح، الداتا خاصتهم موجودة لدى المفوضية، منهم أكثر من مليون و300 ألف يحصلون على مساعدات”، واصفاً “داتا المفوضية” بأنها “دقيقة جداً وعلى بصمة العين”.
وقال حجار “نريد الداتا لأننا نعرف أن لدينا فوق الـ 50 ألف سوري يخرجون ويدخلون إلى لبنان عبر المعابر الشرعية كل عام، ونعتقد أن هؤلاء مسجلون كنازحين، ونريد أن نحصل على الداتا لنبلغ المفوضية ونمنع عودتهم إلى لبنان بما أنهم يذهبون ويعودون”.
ويرى المحامي اللبناني، نبيل الحلبي، بأن “إصرار الحكومة اللبنانية على تسليم الداتا من المفوضية من أجل معرفة السوريين الذين يذهبون إلى سورية ومسجلين لدى المفوضية”، معتبراً أنه “في مكان ما كلام الحكومة بهذا الإطار صحيح”.
لكن الحلبي أكد في حديث لـ “السورية.نت” أن المشكلة في موظفي المفوضية الذين يسجلون أسماء سوريين موالين للنظام، وليست لديهم مشكلة أمنية معه، بينما يوجد معارضين حقيقيين للنظام ليسوا مسجلين في المفوضية.
وأرجع الباحث في قسم البحوث والدراسات في المكتب العلمي لتيار المستقبل السوري، جمعة لهيب، سبب إصرار الحكومة اللبنانية على طلب البيانات لسببين، الأول “إسقاط الفشل الحكومي والانهيار الاقتصادي على ورقة النازحين، عبر اشغال الرأي العام اللبناني بطلب الداتا”.
أما السبب الثاني، بحسب لهيب وهو مقيم في لبنان، هو “الخلاف اللبناني حول ملف الرئاسة، فسليمان فرنجية يأتي بمشروع عودة السوريين ويستغلها كورقة يمكنه حلها، ما اضطر الفريق الآخر من المعارضة لرفع الصوت بعودة السوريين، لتتكلل هذه الحالة بعدة تصرفات منها اعتبار الوجود السوري احتلال ديمغرافي وإلى طلب الداتا”.
وأضاف ذات المتحدث، أن “هناك هدف بعيد للحكومة اللبنانية، وهو الضغط على المجتمع الدولي قبل مؤتمر بروكسل لزيادة الدعم للدولة اللبنانية”.
وينعقد مؤتمر بروكسل السابع حول “دعم مستقبل سورية والمنطقة” بتنظيم من قبل الاتحاد الأوروبي يومي 14 و15 يونيو/ حزيران المقبل.
أما مفوضية اللاجئين، فقد أكدت بأن هدفها الأول والأخير من حجب البيانات هو “حماية اللاجئين”، وقالت المتحدثة باسم المفوضية، دلال أبو حرب، إن “هدفنا الأول والأخير يبقى حماية أولئك الأكثر ضعفاً في المجتمع المضيف كما واللاجئين، وضمان استمرارية الالتزام بمبادئ القانون الدولي”.
وأضافت أبو حرب في حديثها لـ”السورية. نت”، أن المفوضية تواصل المشاركة في مقترحات وصفتها بـ”البناءة” لمعالجة وضع اللاجئين في لبنان وضمان حمايتهم، بما في ذلك القضايا المتعلقة بمشاركة الداتا.
وأكدت أن المفوضية اجتمعت مع مكتب الأمن العام اللبنانية، وشاركت مسودّة اتفاقية لمناقشتها “للاتفاق على آلية يمكن اتباعها بعملية مشاركة الداتا”، إلا أنها رفضت الحديث عن مضمون المسودة.
هل تصل البيانات للنظام؟
وفي الوقت الذي أبدى فيه البعض تخوف من وصول البيانات في حال تسليمها للحكومة اللبنانية إلى نظام الأسد، قلل آخرون من أهمية المسألة، كون النظام لديه المعلومات كاملة بسبب تغلغله في الدولة اللبنانية.
واعتبر المحامي، نبيل الحلبي، أن “المفوضية ترفض تسليم الداتا بسب وجود معلومات دقيقة عن اللاجئين وخاصة المعارضين وإمكانية تشكيل خطر عليهم في حال الوصول إلى عناوين سكنهم”.
لكن الحلبي يرى أن موظفي المفوضية الذين يقومون بتسجيل معلومات اللاجئين، يتبع بعضهم لأطراف سياسية معادية للاجئين وللمعارضة السورية وموالين للنظام، وبالتالي “معلومات اللاجئين صارت متوفرة عند كل الأجهزة الأمنية اللبنانية، وخاصة حزب الله وعند النظام أيضاً”.
أما جمعة لهيب، ققد اعتبر أن “النظام لا شك لديه تغلغل مخابراتي في لبنان عبر حلفائه في التيارات والأحزاب اللبنانية، وبالتالي فإن النظام قادر على اختراق المعلومات في لبنان وحصوله على الداتا، لكن هذا يبقى ظنا، أما الواقع فهو تشديد مفوضية اللاجئين إجراءاتها لحماية معلومات اللاجئين لعدم وصولها إلى النظام”.
وأكد أن اللاجئين في لبنان ثلاثة أقسام، أولهم السوريون الهاربون فقط، والقسم الثاني السوريين المعارضون سلمياً ومعروفون بموافقهم وأسمائهم، وهذان القسمان لن يتأثران بمعرفة النظام لحالهم.
أما القسم الثالث فهم أصحاب المعلومات والنشاطات العسكرية والاستخباراتية وغيرها ممن شاركوا في الساحة السورية، وهؤلاء يعتبرون كنز معلومات سيستفيد منه النظام لاحقاً في معرفة هؤلاء الأشخاص الذين قد يكونوا غير معروفين له بالاسم، وبالتالي قد يسبب تسريب معلوماتهم خطراً عليهم ليس في لبنان فقط بل في حال سفرهم من لبنان لبلد آخر أيضاً.
كما أكد أن “أهمية الداتا من المفوضية أنها توثق المواطن السوري عبر بصمة عينه، وتفاصيل مولده نشأته، وكيفية مشاركته في الواقع السوري وتنقلاته، ووجوده في لبنان ورقم منزله وهاتفه وعمله، مما يعني الإحاطة بكل الوجود السوري في لبنان ممن هم مسجلين بمفوضية اللاجئين”.