“حلم استراتيجي قديم”..الأسد يمهد طريق إيران لمياه المتوسط
في تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عام 2017، وصفت وصول إيران إلى مياه البحر المتوسط على شواطئ سورية بأنه “جائزة كبرى” تنتظره طهران منذ عقود.
ودار الحديث خلال السنوات الماضية حول طريق بري من طهران إلى سورية مروراً بالعراق والذي سعت طهران لتحقيقه، إلا أنه واجه صعوبات كثيرة بسبب التواجد الأمريكي على الحدود والقصف الإسرائيلي الذي طال شاحنات إيرانية، ما دفع الإيرانيين إلى إعادة إحياء مشروع ربط البلدان الثلاثة بالسكك الحديدية وصولاً إلى ميناء اللاذقية.
ولتحقيق ذلك الهدف، عمدت إيران إلى إبرام اتفاقيات مع حكومة الأسد والحكومة العراقية، كان آخرها خلال اجتماعات اللجنة السورية- الإيرانية المشتركة التي انعقدت في دمشق، قبل أيام من زيارة سيبدأها الرئيس الإيراني إلى سورية يوم غد الأربعاء.
إحياء لمشروع استراتيجي
خلال السنوات الماضية زاد الحديث والاهتمام الإيراني، مشروع السكك نخو سورية، “هو مشروع قديم واستراتيجي لكنه توقف خلال الحرب”، حسب صحيفة “الوطن” شبه الرسمية.
ولا تكاد تخلو زيارات المسؤولين بين البلدين من التأكيد على أهمية المشروع وضرورة تنفيذه.
وفي تصريح لمساعد ومستشار المرشد الأعلى الإيراني، اللواء يحيى صفوي، اعتبر أن الخط الحديدي مع العراق وسورية “هدف استراتيجي لطهران ويحقق مليارات الدولارات”.
وكان من المقرر أن يبدأ مشروع السكة الحديدية بربط مدينة شلمجة الإيرانية والبصرة العراقية بطول 32 كيلو متراً، ثم يتم تنفيذ الخطة الثانية من المشروع وهي ربط مدينة البصرة بمدينة اللاذقية السورية، بحسب تصريحات صادرة عن مدير شركة خطوط السكك الحديد الإيرانية، سعيد رسولي، في يوليو/ تموز 2019.
وفي مايو/ أيار 2021، وصف الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، المشروع بأنه “مهم” وسيؤدي إلى “تغير كبير في المنطقة” و”سيوفر الأرضية لربط إيران بالبحر المتوسط”.
وحسبما نقلت وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية عن روحاني فإن المشروع “يحظى ببالغ الأهمية. والحكومة تتابع هذا المشروع على الصعيدين السياسي والعملياتي على أن يكمل في السنوات القادمة”.
بدوره مهد رأس النظام السوري، بشار الأسد، في مطلع 2022 للمشروع، وذلك في كلمة له ألقتها مستشارته الخاصة، بثينة شعبان، خلال حفل تأبيني لقائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني في مكتبة الأسد بدمشق.
وجاء في الكلمة:“قد يشكّل الربط السككي والكهربائي بين إيران والعراق وسورية بداية طيبة لربط دول المنطقة بعلاقات مفتوحة تصبّ في خدمة أبنائها ومنعة دولها وازدهار شعوبها”.
وآخر التصريحات حول المشروع ما صدر عن وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهرداد بازارباش، خلال اجتماع اللجنة الإيرانية- السورية المشتركة، الأسبوع الماضي، إذ أكد تشكيل لجنة مختصة بموضوع المشروع ومناقشته.
وأضاف بازارباش لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أنه تم الاتفاق على “استكمال مشروع الربط السككي ليتيح إمكانية نقل البضائع من باكستان أو ميناء تشابهار الإيراني، والبضائع التي تصل من الصين وآسيا الوسطى، عبر القطارات إلى منطقة سرخس، ومن ثم إلى الموانئ السورية”.
بدوره أكد وزير النقل في حكومة الأسد، زهير خزيم، حسب وكالة “إسنا” الإيرانية، “تنفيذ الخدمات الفنية والهندسية في مجال السكك الحديدية، وخاصة إصلاح أسطول السكك الحديدية بحضور الشركات الإيرانية”.
ويرى الباحث المختص بالشأن الإيراني، محمود البازي، أن مشروع قديم للغاية ويعود إلى أكثر من 20 عاماً، ويتضمن وصل مدينة الشلامجة في إيران بمدينة البصرة بالعراق، وتبلغ المسافة حوالي 132 كيلومتر فقط، ثم يتم الاعتماد على السكك الحديدية المحلية في العراق وسورية ليصل هذا الخط إلى ميناء طرطوس أو اللاذقية.
واعتبر البازي لـ”السورية. نت” أن المشروع واعد للغاية ولكنه يحتاج لوقت حتى يتم إعادة تأهيله، كما يحتاج إلى موافقة العديد من الأطراف وعدم ممارسة واشنطن ضغوط على بغداد، كون الجانب العراقي يعطل المشروع حتى الآن.
وأشار إلى أن طهران تسعى لربط منطقة القوقاز بإيران لتفعيل التجارة البرية والبحرية (عبر بحر قزوين مع روسيا)، كما تسعى كذلك لربط أسيا المركزية بإيران لنفس الأسباب، وعليه فيأتي التوجه إلى سورية ضمن نفس السياق.
هل يقبل الروس؟
الحديث عن مشروع السكك تزامن مع اتفاق طهران مع حكومة الأسد على استثمار ميناء اللاذقية، وهو طلب طالما حلمت طهران بتنفيذه وموافقة نظام الأسد عليه رغم المعوق الروسي المتواجد في الساحل السوري.
وأكد وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهرداد بازارباش، أنه “قد تم الاتفاق مع الجانب السوري على استثمار ميناء اللاذقية، لاستقبال سفن الحاويات الضخمة، وزيادة الطاقة الاستيعابية والشحن المنتظم عبره”.
يُشار إلى أن الحديث عن استثمار الميناء يعود إلى عام 2018 عندما طلب وزير النقل في حكومة الأسد، علي حمود، من المدير العام لمرفأ اللاذقية، “العمل على تشكيل فريق عمل يضم قانونيين وماليين للتباحث مع الجانب الإيراني في إعداد مسودة عقد لإدارة المحطة من الجانب الإيراني”.
وأعقب ذلك صدور تصريحات إيرانية أكدت وجود مباحثات مع حكومة الأسد من أجل استثمار الميناء عبر عقد استثمار طويل الأمد مقابل إسقاط الديون على النظام.
وحسبما ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” في تقرير لها عام 2019، فإن منح مرفأ اللاذقية لطهران أثار غضب روسيا التي تحاول الاستفراد بالسيطرة على المياه السورية.
والعام الماضي بحث السفير الإيراني لدى النظام، مهدي سبحاني، مع محافظ اللاذقية، عامر إسماعيل هلال، إمكانية “التعاون والاستفادة من المقومات الاقتصادية في محافظة اللاذقية”.
وحسب إعلام النظام الرسمي، فإن محافظ اللاذقية عرض على السفير الإيراني “إنشاء معمل لفرز النفايات الصلبة في مطمر قاسية”، وإمكانية التعاون في مجالات تصنيع العصائر والفواكه المجففة وإعادة إعمار المصانع المتضررة في محافظة اللاذقية.
وتعرض ميناء اللاذقية إلى قصف إسرائيلي عدة مرات، وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية فإن القصف استهدف شحنة أسلحة إيرانية متطورة، تم تهريبها من إيران وتخزينها في ميناء اللاذقية.
وحول قبول الروسي بالاستثمار الإيراني، يرى الباحث المختص بالشأن الإيراني، محمود البازي، أن ميناء اللاذقية ميناء استراتيجي هام للغاية، والاستثمار فيه يحتاج إلى ضوء أخضر روسي، خاصة وأن موسكو تصنف الموانئ السورية ضمن المناطق الهامة بالنسبة للاستراتيجية البحرية الروسية.