بعد أن حجبتها غيوم الحرب في أوكرانيا، وسلسلة أزمات دولية بدأت بكوفيد 19، وتوالت بعدها لتطاول الغذاء والطاقة والتضخّم، والمناخ، واحتدام التنافس الدولي، وأزمة إيران وملفها النووي، عادت المسألة السورية منذ مطلع عام 2023 إلى مركز الاهتمامين، الإقليمي والدولي، نتيجة أحداث وتطورات بدأت بالزلزال الذي ضرب جنوب تركيا مطلع فبراير/ شباط الماضي، وأصاب أجزاء من شمال غرب سورية، وأسفر عن سقوط الآلاف. كشف الزلزال المدمّر عن جوانب أخرى للأزمة السورية، منها تفاوت الاهتمام الدولي تبعا لهوية الضحايا، لكنه مثّل، من جهة أخرى، مناسبة جرى استثمارها على نطاق واسع، لتسريع مسار تطبيعيٍّ كان بدأ قبل ذلك على استحياء بين دول عربية والنظام السوري، وبلغ ذروته في اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين دمشق والرياض منذ عام 2012، الذي توسّطت فيه روسيا، استكمالا، على ما يبدو، لوساطة صينية أسفرت عن نتيجة مماثلة بين طهران والرياض. وقد شكّل التقارب العربي مع النظام السوري نقطة افتراق جديدة بين الدول العربية والحلفاء الغربيين (واشنطن وبرلين ولندن وباريس) حول أفضل الطرق للتعاطي مع انسداد الأفق في الأزمة السورية. ويدور النقاش حاليا حول مستقبل “مبادرة الخطوة مقابل خطوة” التي طرحها الأردن صيف عام 2021، وتميل الرياض على ما يبدو إلى تبنّيها بما يسمح بتحريك مسيرة الحل السياسي، والمقاربة الإماراتية التي تميل الى تطبيع غير مشروط مع النظام. في الأثناء، يستمر مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، بمواكبة روسية، في التأرجح، حيث يستشرف النظام السوري فرصةً محتملةً في الانتخابات التركية إذا خسرها الرئيس أردوغان، ما يمثل نقطة تحوّل ليس فقط في الصراع السوري، إنما في مجمل السياسة الإقليمية والدولية أيضا، وهو ما تخشاه روسيا على نحو خاص.
التطور اللافت الثاني الذي شهدته سورية في الآونة الأخيرة، وأثار اهتماما، كان مسرحه شمال شرق البلاد، حيث تنامت حدّة التوتر الإيراني الأميركي بعد قصفٍ متبادلٍ أسقط قتلى في الجانبين. هنا يبدو أن إيران المستاءة من فشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وتعاظم الضغوط السياسية والاقتصادية الغربية عليها، بعد تورّطها في حرب أوكرانيا، تتلمّس فرصة لإخراج الأميركيين من المنطقة، حيث يشكّل الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات وفي قاعدة التنف عقبة رئيسة أمام اكتمال هلال النفوذ الإيراني، بعد أن استعاد حلفاء طهران السيطرة على السلطة في بغداد. وتعتقد إيران أن الضغوط التي يمارسها أعضاء في الكونغرس لسحب القوات الأميركية من سورية قد تدفع، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، الرئيس بايدن إلى التجاوب مع مطلب إعادة الجنود الأميركيين الى الوطن. وما يشجّع طهران على المضي في هذا المسار أيضا وجود توافق في بين شركاء مسار أستانة على ضرورة إخراج القوات الأميركية من شمال شرق سورية. وترى إيران أن بإمكانها أن تنتهج في سورية الاستراتيجية نفسها التي انتهجتها في العراق، حيث قد يولّد وقوع خسائر في صفوف الأميركيين ردود أفعال أميركية عنيفة، لكنه سيؤدّي، في نهاية المطاف، الى خروج الأميركيين، خصوصا أنه لا توجد في سورية مصالح أميركية مهمة. لكنْ هناك احتمال أن تذهب الأمور في الاتجاه المعاكس أيضا، وقد تخرج عن السيطرة، خصوصا أن الأميركيين يبدون أكثر استعدادا لمعاقبة إيران، بسبب موقفها من حرب أوكرانيا.
التطور اللافت الذي شهدته الساحة السورية أخيرا تصاعد التوتر الروسي الأميركي، حيث أعلنت القيادة الوسطى الأميركية، المسؤولة عن مسرح العمليات في سورية، أن الطلعات الجوية الروسية فوق القاعدة الأميركية في التنف زادت بمعدلات كبيرة في شهر مارس/ آذار الجاري، وأنها وصلت إلى 24 طلعة في الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر الجاري، ارتفاعا من صفر في شهر فبراير/ شباط و13 طلعة في شهر يناير/ كانون الثاني، ما يضع اتفاقية 2019 التي تمنع وقوع احتكاك بين الطرفين في دائرة الخطر. والواضح أن التوتر المتصاعد في العلاقات الأميركية الروسية بشأن أوكرانيا يجد صدى كبيرا له في سماء سورية.
تبدو سورية، في المحصلة، على موعد مع تطورات مهمّة ميدانية وسياسية خلال 2023، قد تفتح الباب على حلّ سياسي، أو تصعيد كبير، لكن المؤكد أن استمرار الوضع الراهن ما عاد مقبولا لجميع الأطراف.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت