مئات مرضى السرطان في إدلب ..رحلة مُعاناةٍ للحصول على العلاج
قبل قرابة ثلاثة أشهر، بدء أبو أحمد، وهو نازح من ريف اللاذقية إلى إدلب، محاولة علاج ورم سرطاني ظهر فجأة في رأسه، وبسبب عدم وجود مراكز طبية مختصة في إدلب لعلاجه، اضطر للعبور إلى تركيا، حيث تم تحويله إلى ولاية أضنة، وبقي ينتظر أسابيع طويلة، بسبب ماقال أنه “روتين قاتل لاستخراج الكملك”، واذن سفر للوصول إلى المشفى التي تم تحويله لها في ولاية أخرى.
اضطر الرجل الستيني في النهاية، وبعد بقائه لشهرين دون جدوى، أن يستسلم للمرض، إذ عاد إلى إدلب، بعد أن يأس من متابعة علاجه في المشافي التركية، نظراً للتكاليف المادية الباهظة، التي تتطلبها فترة إقامته للعلاج، ناهيك عن التعب النفسي والجسدي، الذي أصابه بسبب طول الانتظار.
ومثل أبو أحمد يعاني مئات المرضى في الشمال السوري، الذين أصيبوا بالسرطان، من عدم قدرتهم على العلاج، بسبب نقص التجهيزات والأدوية، حيث يقعون بين ثلاثة خيارات؛ فإما التوجه لمناطق سيطرة النظام، أو تركيا، أو الاستسلام لقدرهم.
تركيا أو مناطق النظام
بحسب وزير الصحة في “الحكومة المؤقتة”، مرام حاج مصطفى، فإن عدد حالات السرطان المُسجلة في مناطق إدلب ومحيطها، بلغت في عام 2019، 1700 حالة، مُقراً في نفس الوقت، بعدم توفر الإمكانيات الكافية، لتقديم العلاج لهذه الحالات، في مشافي إدلب.
وهذا ما يدفع معظم المرضى، للانتقال إلى تركيا، بهدف الحصول على العلاج. ويقول المسؤول الإعلامي لمعبر باب الهوى، مازن علوش، إنّ 1882 مُصاباً بالسرطان، عبروا من باب الهوى، نحو تركيا، خلال سنة 2018، للحصول على العلاج.
وقال علوش لـ”السورية.نت”، إنّ” ما يقرب من 45 حالة سرطان، يتم ادخالها أسبوعياً من معبر باب الهوى للعلاج في تركيا، كما يتم تزويد مشفى إدلب الوطني حاليا بجرعات محدودة لعلاج سرطان الثدي”.
وتعكس هذه الأرقام، وفق الطبيب المختص بأمراض الدم في إدلب، يحيى سطيفي، ارتفاعاً واضحاً في نسب الإصابة بالمرض، لاسيما سرطان الثدي والكولون والرئة والدم، لأسباب عزاها إلى “انتشار مخلفات الأسلحة وما تحمله من ملوثات للمواد الطبيعية والهواء، بالإضافة لانتشار الأطعمة الفاسدة، واستخدام الأهالي للملابس والإطارات كطرقٍ للتدفئة في الشتاء، وقلة النظافة، وجميعها تشكل بيئة خصبة للجراثيم والفيروسات”.
ونوّه الطبيب في حديثه لـ”السورية.نت”، إلى أن “ضعف الامكانات الطبية في الشمال السوري، وقلة المخابر المختصة، ساهم في صعوبة الكشف المبكر عن هذه الأمراض ومعالجتها، حيث يضطر المريض في معظم الحالات للتوجه إلى تركيا لاجراء العلاج بالأشعة، بسبب عدم توفر الأجهزة والاختصاصيين”.
أدوية غير متوفرة
قبل قرابة عام، تم افتتاح أول مركز طبي في إدلب، مُخصص لمعالجة “أورام الثدي” و”الليمفوما” في مشفى ادلب المركزي، بالتعاون مع الجمعية الطبية السورية الأمريكية “سامز”.
ويقدم المركز وفق القائمين عليه، العلاج الكيماوي فقط، بالإضافة إلى تقديم إستشارات طبية لمرضى الأورام الخبيثة، لكنه يبقى غير كاف وفق ما يؤكده الطبيب يحيى سطيفي “كون معظم المرضى المُصابين بكتل خبيثة، يحتاجون للعلاج بالأشعة، وليس الجرعات الكيماوية التي تهيئ عودة الأورام للانتشار في أجزاء أخرى من الجسم”.
وأوضح سطيفي أنّ مركز ادلب، معد فقط “لعلاج واستئصال مرضى سرطان الثدي والليمفويا، فيما باقي الحالات يسعى المركز للكشف المبكر عنها وتحويلها للعلاج في تركيا”.
لا تتوقف معاناة مرضى السرطان في الشمال السوري، على ضعف المراكز الطبية التي تهتم بهم فحسب، بل غالباً ما يعاني هؤلاء أيضاً من صعوبات كبيرة في تأمين أدويتهم، ويحتاج بعضهم لمبالغ مادية كبيرة لتوفيرها.
محمود طيفور 45 عاماً، أحد ضحايا مرض السرطان، شكى في حديثه لـ”السورية.نت”، التكاليف المادية العالية التي يتكلفها في مرحلة علاجه، حيث يحتاج إلى جرعات كيماوية يقوم بإجرائها في مشافي بمناطق النظام، تكلفة كل جرعة تصل إلى 250 دولار، حيث يحتاج المريض وفق قوله إلى ما يقارب 10 جرعات على الأقل أثناء فترة العلاج، وربما يحتاج أكثر من ذلك بحسب ما يقرره الطبيب.
وقال أبو محمود المصاب بسرطان الكولون، إنّ “عدم وجود مراكز مختصة وأدوية في الشمال السوري يسبب لي ولأمثالي الكثير من المعاناة، فناهيك عن هذه التكاليف، أعاني مشقة السفر وتخطي الحواجز الأمنية، وتعريض حياتي للخطر في كل مرة”.
معاناة مرضى السرطان في الشمال السوري، دفعت العديد منهم للاستلام لقدرهم والتوقف عن مرحلة العلاج، مثل أبو أحمد الذي عاد من تركيا مؤخراً، مفضلاً البقاء إلى جانب أسرته، ومتابعة حياته دون حتى الحصول على أدوية، مُكتفياً كما يقول، بـ”التداوي بالأعشاب”.
يشار إلى أن معدلات الإصابة بمرض السرطان ارتفعت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة في سورية، حيث أشارت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، في تقريرها الصادر بشهر سبتمبر/أيلول 2018، إلى احتلال سورية المركز الخامس بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وبأن هناك “196 شخصاً مصاب بالسرطان من كل 100 ألف سوري، وأن المرض يتسبب بوفاة 105 أشخاص من كل 100 ألف سوري”.