متأرجحة بين الطرفين..مدن “مصيرية” قد تحسم الانتخابات التركية
يُجري مرشحو الرئاسة التركية، جولات مكوكية منذ أسابيع، شملت مختلف المدن والولايات التركية، لاستقطاب الجماهير، تمهيداً لانتخابات تشهد منافسة “شرسة” بين الحكومة الحالية وأحزاب المعارضة المتحالفة في “الطاولة السداسية”.
بعض تلك المدن والولايات، التي صدحت فيها أصوات المرشحين وبرامجهم الانتخابية، تُعتبر مصيرية للأطراف المتنافسة، لما لها من رمزية خاصة تبعاً لانتماءات الناخبين السياسية وتوجهاتهم الثقافية، فضلاً عن رؤيتهم لطريقة إدارة البلاد وهويتها.
أملٌ لأردوغان بمعقل المعارضة
منذ تسلم “حزب العدالة والتنمية” الحكم في تركيا قبل 21 عاماً، بزعامة أردوغان، لم يتمكن من إحداث خرق سياسي في ولاية إزمير، كونها المعقل الرئيسي للمعارضة التركية، والحاضنة الشعبية التاريخية لحزب “الشغب الجمهوري”.
وباستثناء كونها معقل المعارضة “العلمانية”، تعد إزمير ثالث أهم وأكبر ولاية في تركيا، وتضم 4.3 مليون نسمة بعدد ناخبين يصل إلى 3.4 مليون ناخب، وبالتالي فإن أصوات الناخبين فيها تُحدث فارقاً في النتائج.
إلا أن التجمع الجماهيري الذي نظمه الرئيس رجب طيب أردوغان في مدينة إزمير، قبل أسبوعين، ضمن جولاته الانتخابية، أعاد الحديث عن إمكانية تحقيق تقدم لصالح الحكومة الحالية في هذه الولاية الحصينة.
“إزمير الرائعة” بهذه العبارة وصف أردوغان جولته الانتخابية في إزمير، مضيفاً “تجمع (هذه المدينة) كل ألوان وجمال تركيا في قلبها.. شكراً إزمير”.
Türkiye’nin tüm renklerini, tüm güzelliklerini bağrında buluşturan İzmir…
Teşekkürler İzmir! 🇹🇷 pic.twitter.com/KKtPnsqLS2
— Recep Tayyip Erdoğan (@RTErdogan) April 29, 2023
وحصد تجمع إزمير اهتماماً عالمياً، ووصفته الصحافة الغربية بـ “العاصفة” التي اخترقت أكبر معاقل المعارضة، بحسب شبكة “BBC” البريطانية.
وقالت الشبكة إن أردوغان قدم عرضاً “قتالياً” لمدة 40 دقيقة متواصلة، وأعاد لحظات حماسه في الانتخابات السابقة، مشيرة إلى أن مئات الآلاف حضروا التجمع والكثير منهم قدموا إلى المنطقة قبل ساعات وانتظروا تحت أشعة الشمس.
فيما قالت صحيفة “إنتوس” اليونانية، إن أردوغان “ظهر في معقل المعارضة بدعم قوي”، مضيفةً أن عدد الأشخاص الذين حضروا التظاهرة كان “ملفتاً”.
مرسين “المدينة المتأرجحة”
تشهد مدينة مرسين الساحلية حملات “شرسة” بين المرشحين للرئاسة، من أجل كسب أصوات الناخبين فيها، كونها منطقة “متأرجحة” تضخم عدد سكانها مؤخراً، بسبب الأشخاص الذين فروا من مناطق الزلزال المدمر جنوبي تركيا.
وكغيرها من المدن الساحلية، تضم مرسين عدداً “لا يستهان به” من أنصار المعارضة التركية.
وفي انتخابات 2018، حصل أردوغان والمرشح الرئاسي السابق محرم إينجه، على نفس الحصة تقريباً من الأصوات في ولاية مرسين، ما يسلط الضوء على أهمية الولاية في حسم الأصوات قبل الانتخابات المقبلة.
وفي تقرير لها، الأسبوع الماضي، قالت صحيفة “فايننشال تايمز”، إن التضخم وارتفاع الأسعار دفع الناخبين في مرسين نحو تبني نهج المعارضة بشكل أكبر عن السابق.
ومع ذلك، فإن الرئيس الحالي أردوغان عمل خلال الفترة الماضية على استقطاب ناخبي مرسين، من خلال مشاريع خص بها هذه المدينة، ومن بينها افتتاح أول مفاعل للطاقة النووية في البلاد، وهو مصنع روسي الصنع بالقرب من مرسين.
هل من عودة لاسطنبول؟
بالحديث عن أكثر الولايات تاثيراً على العملية الانتخابية في تركيا، يخص المحللون بالذكر كلاً من اسطنبول وأنقرة وإزمير، وهي مدن خرجت عن سيطرة “حزب العدالة والتنمية” وخضعت إدارياً للأحزاب المعارضة خلال السنوات الماضية.
وتملك اسطنبول ثقلاً سياسياً كبيراً، كونها أكبر ولاية تركية وتضم أكبر تعداد سكاني في تركيا يصل إلى ما يقارب 16 مليون نسمة.
وبحسب بيانات المجلس الأعلى للانتخابات (YSK)، فإن عدد الناخبين في اسطنبول يصل إلى أكثر من 11 مليون شخص، ويمثلون 17% من العدد الكلي للناخبين الأتراك (64.1 مليون ناخب).
وسبق أن صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعبارته الشهيرة، أن “من يفوز باسطنبول يفوز بتركيا”، إلا أن حزبه خسر الولاية خلال انتخابات البلديات عام 2019 لصالح “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، بعد 25 عاماً من فوز المحافظين بالمدينة.
وتتحدث تقارير تركية عن فشل المعارضة بإدارة ولاية اسطنبول خلال السنوات الـ4 الماضية، ما قد يضائل فرص الأخيرة بالفوز مجدداً بالولاية خلال انتخابات البلديات المقبلة.
وحول توجهات ناخبي اسطنبول خلال الانتخابات الرئاسية، قال المرشح البرلماني التركي، رجب سيار، لشبكة “الجزيرة”، إنه “لم نُجرِ دراسة حول ناخبي إسطنبول، إلا أنه بشكل عام تكون أصوات حزب العدالة والتنمية فيها أكثر من حزب الشعب الجمهوري، ولهذا من المحتمل أن تكون أصوات الرئيس أردوغان في إسطنبول أكثر من منافسه كليشدار أوغلو”.
مناطق الزلزال..”ساحة معركة”
شهدت المناطق المنكوبة التي طالها الزلزال المدمر في 6 فبراير/ شباط الماضي، تسابقاً بين المرشحين للرئاسة التركية، والذين وجدوا فيها فرصة لإطلاق وعودهم الانتخابية، بتقديم الدعم والمساعدة وإعادة الإعمار.
وركزت حملة أردوغان الانتخابية على إعادة بناء منطقة الزلزال، وقد تعهد ببناء 319 ألف منزل قبل نهاية العام، محاولاً إقناع الناخبين بأنه “قادر على توجيه تركيا من خلال التعافي الناجح”.
فيما ركزت حملة المعارضة على ما أسمته “تقاعس” الحكومة الحالية بالاستجابة لكارثة الزلزال، فضلاً عن القضايا المحلية الأخرى، مثل التضخم والحقوق المدنية والحريات.
وتواجه مناطق الزلزال مشاكل تنظيمية، بعد نزوح جزء من سكان هذه المناطق إلى مناطق أخرى في تركيا، وبالتالي “باتت الانتخابات فيها قضية في منتهى الغموض”، بحسب محللين.
وضرب الزلزال 10 مدن تركية بشكل كلي وجزئي، ما أدى إلى فقدان عدد كبير من السكان لأوراقهم الثبوتية، إلى جانب اضطرارهم لتغيير عناوين سكنهم، ما قد يزيد من مصاعب إدلائهم بالأصوات رغم التسهيلات التي أعلنت عنها السلطات بخصوصهم.
ويمنع قانون الانتخابات التركي كل ناخب قام بتغيير عنوانه، قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، من التصويت في مكان إقامته الجديد، وبالتالي قد يجد أولئك الأشخاص مصاعب في التنقل من ولاية لأخرى، ما قد يزيد العملية تعقيداً.
وقال مسؤولون إنه من بين ما يقدر بثلاثة ملايين شخص غادروا منطقة الزلزال، سجل 133 ألفاً فقط للتصويت في مواقعهم الجديدة.
وفي تقرير لها، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”: “سيكون العودة إلى الوطن للتصويت، تحدياً لملايين الأتراك الذين نزحوا بسبب أسوأ كارثة طبيعية في المنطقة منذ قرن”.
وبحسب التقرير، الذي نشرته الصحيفة في 5 مايو/ أيار الجاري، فإن “ضحايا زلزال تركيا قد يقررون الانتخابات المقبلة”.