من الصعب تخيل سيطرة كاملة للنظام على منطقة إدلب، من دون اتفاق سياسي يحول دون نزوح جماعي للسكان كما يحصل مع كل عملية عسكرية. وبالتالي، ليس أمام أردوغان خيار سوى المجازفة بقواته من أجل وقف زحف النظام والميليشيات الموالية بدعم جوي روسي.
لكن في الوقت ذاته، باتت الحسابات التركية دقيقة جداً لجهة تشعب العلاقات مع روسيا، لهذا من المفيد التأمل في توصيف أردوغان لأهمية هذه الشراكة، وتبعاتها المرتقبة على الواقع السوري.
أولاً، تحدث أردوغان عن تعاون البلدين في مجال الطاقة النووية. وهذا مجال ضخم وسّعت روسيا دورها فيه، وبات مشروعاً حيوياً لأنقرة الساعية لأن تكون قوة مدنية نووية في حلول الذكرى المئوية لولادة الجمهورية التركية عام 2023. وتركيا تأمل بأن تنتهي شركة “روزاتم” الروسية من بناء مفاعل واحد من أصل أربعة تنوي تشييدها في “أكويو” على البحر المتوسط بكلفة 20 مليار دولار أميركي. حصلت هذه الشركة على عقد لبناء مفاعلين حتى الآن.
ثانياً، وفي السياق الإدلبي ذاته، تحدث الرئيس التركي عن أهمية مشروع “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. المشروع أساسي لروسيا إذ يُتيح تجاوز أوكرانيا وبولندا في تصدير الغاز الى أوروبا، ويُوفر عائدات وأهمية استراتيجية للجانب التركي.
ثالثاً، المساهمة الروسية في قطاع السياحة التركي هي الأولى بنسبة 7 ملايين زائر العام الماضي، تليها ألمانيا (5 ملايين) وبلغاريا والمملكة المتحدة وإيران. تُدرك موسكو أهمية السياح الروس، لذا استخدمتهم ابان أزمة اسقاط الطائرة الروسية عام 2015، حين أغلقت الباب تماماً أمامهم، ما انعكس سلباً على الجانب التركي.
يُضاف الى ذلك، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل الى 34 مليار دولار العام الماضي (ارتفع بنسبة 13٪ عن العام السابق)، وفقاً لتصريحات رسمية نشرتها صحيفة “ذي ديلي صباح” التركية.
باختصار، هناك تحول استراتيجي في العلاقات التركية-الروسية، لا بد أن ينعكس على سوريا حيث يرغب الجانب الروسي في الانتقال للمرحلة الثانية من الصراع، وتسريع العملية السياسية.
لهذه الأسباب كان أردوغان حريصاً على تأكيد مناقشة كافة المسائل الخلافية مع روسيا، لكن “دون انفعال من شأنه إلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية”. تشعر أنقرة بالحاجة إلى “مصالحة” أمنها القومي من جهة، وهو يتمثل بمنع موجة نزوح جديدة من الحدود واحتواء المسلحين الأكراد المناوئين لها، مع علاقاتها الإستراتيجية النامية بموسكو. والسؤال هنا عما اذا كان التوفيق بين طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، وبين الخشية التركية من موجة نزوح جديدة، سيدفع أنقرة الى التنازل سياسياً مقابل ضمانات.
ربما بات علينا رؤية العملية الأخيرة المدعومة روسياً، في هذا السياق. بُعيد انطلاق عملياتها العسكرية وحادث اسقاط مقاتلتها عام 2015، حاكت موسكو ببراعة مع أنقرة شبكة مصالح يبدو أنها ستلعب دوراً محورياً في المرحلة الأخيرة من الحرب السورية. ليست صدفة أن الاقتصاد والتكنولوجيا النووية والعسكرية جزء من حسابات الأطراف المتقاتلة في محافظة إدلب. ولهذا الواقع تبعات تتجاوز الامكانات الحربية.
بكلام آخر، قد تعود القوات السورية والميليشيات المرافقة لها أدراجها في محافظة إدلب، أو لا. هذا غير مهم. الواضح اليوم هو أن نتائج هذه العملية ستتبلور في المقاربة التركية للعملية السياسية خلال الفترة المقبلة، والأرجح باتجاه يضمن الطموحات الروسية وأمن أنقرة، على حساب حلفائها السوريين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت