مع هدوء القتال في سوريا، واستعادة نظام بشار الأسد بمساعدة روسيا وإيران، السيطرة على مساحات واسعة، تحاول حكومة النظام إعادة فرض سطوتها على السوريين الذين كانوا في مناطق المعارضة، من خلال إجراءات بيروقراطية ترهقهم، مثل الحصول على دفتر للعائلة.
وتحدث تقرير في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أمس الإثنين، وترجمته “السورية نت”، عن صعوبة حصول السكان الذين كانوا يعيشون في مناطق المعارضة على دفتر العائلة، أو البطاقة الأسرية، وهو الوثيقة الأساسية إلى جانب بطاقة الهوية لتسجيل المواطنين في سوريا.
ومن بين هؤلاء مريم، وهي أم سورية لثلاثة أطفال، قضت قرابة العام وهي تحاول تسجيل ولادة طفليها الصغيرين، وهو عمل يتطلب منها المرور بعقبة قاسية، إذ عليها إثبات نسبهم لوالدهم، وتقديم ذلك لسلطات الأسد نفسها التي قتلت والد الأطفال.
وقُتل زوج مريم في هجوم صاروخي شنته قوات النظام على منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، تاركاً إياها أمام مسؤولية رعاية ثلاثة أطفال، أعمارهم الآن 9 و6 و4 أعوام.
ولإثبات أن الأطفال هم أطفالها، قامت مريم، بجمع شهود ودفعت مئات الدولارات لمحامٍ ولمخالفات تأخر تسجيل أولادها، وتخشى الآن مما قد يحدث لها حينما تحاول المرور عبر حواجز التفتيش الرسمية، في طريقها إلى مكاتب الحكومة لإتمام الأوراق.
وقالت مريم: “أعلم أن علينا الذهاب إلى دمشق وإنهاء كل الأوراق كي يتمكن أولادي من أن يعيشوا حياة طبيعية”، وأضافت: “المشكلة الأساسية هي لهؤلاء الأطفال الذين فقدوا آباءهم ولا دليل على هويتهم”.
“الحكومة لا تعترف بهم”
والصعوبة التي تواجهها مريم وبقية السكان الآخرين الذين عاشوا في مناطق المعارضة سابقاً، توضح التحدي الأكبر الذي يعيشه العديد من السوريين مع استعادة الأسد للسيطرة على المناطق التي خسرها، ويريد النظام من سكان مناطق المعارضة التعامل مع عودة “دولة الأسد” بكافة أشكالها.
وقالت المحامية السورية، نورا صفدي، إن الأطفال إن السوريين الذين لم تُسجل ولادتهم في دفتر العائلة، هم بنظر حكومة الأسد غير موجودين، وبالتالي هؤلاء ممنوعون من دخول المدارس، والمشافي، والحصول على الخدمات الحيوية الرئيسية الأخرى.
كذلك فإن عدم تسجيل الشخص في دفتر العائلة، يعني عدم حصوله على بطاقة “الهوية الوطنية”، وكلتا الوثيقتين يحتاجهما السوريون بشكل رئيسي خلال حياتهم في سوريا، خصوصاً مع انتشار حواجز عسكرية في مناطق النظام، وبدون الهوية يصبح الأمر خطيراً.
وبعد بدء الاحتجاجات في سوريا عام 2011، عاش مئات آلاف السوريين في ظل “حكومات بديلة” أنشأتها فصائل المعارضة، أشرفت على أمور الزواج، والمدارس والرعاية الصحية.
وبالنسبة للذين عاشوا في المناطق التي أدارتها المعارضة، والتي تخضع لسيطرة النظام الآن – يترواح عددهم حسب التقديرات ما بين مئات الآلاف إلى الملايين من الأشخاص – فعلى العديد منهم استبدال دفاتر العائلة الضائعة، والحصول على دفاتر جديدة، أو عليهم تسجيل وقائع (الزواج والولادات) طيلة فترة عيشهم في مناطق المعارضة.
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أنه إذا كان دفتر العائلة مشكلة لمن سكنوا مناطق سيطرة المعارضة، فقد يكون أزمة لملايين غادروا البلاد ويصعب عليهم التواصل مع المؤسسات الحكومية التابعة للنظام.
آليكس سيمون، مدير برنامج سوريا في شركة أبحاث Synaps المتمركزة في بيروت، قال: “ستكون النتيجة هي مجموعة دائمة من مواطني المرتبة الثانية، محدودين في حصولهم على الوظائف وعلى الخدمات العامة، والسفر خارجاً، وحتى الزواج”.
لا خيار آخر رغم الخوف
ويتخلى بعض السوريين عن عملية التسجيل بالكامل، بسبب خوفهم من التعامل مع سلطات النظام، إذ يخشون الذهاب إلى مكتب حكومي والتعرض للاعتقال – أو لما هو أسوأ – بسبب نشاط سابق معادٍ للنظام.
ولكن على الرغم من ذلك، لا يجد الرافضون للتسجيل خياراً آخر، حيث يحتاج كل من يريدون الزواج إلى الحصول على دفتر عائلة جديد، وبالنسبة لمن تزوجوا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، قد تتضمن المتطلبات شهوداً ومحامين ورسوم تتجاوز قدرة العديد.
ويقول محامون في دمشق، إن “تسجيل الولادة وإثبات الأبوة شكل أغلب عملهم خلال العام الفائت”. وزاد النظام من صعوبة الأمر، عندما اتخذ قراراً العام الفائت جرّم فيه الزواج دون تسجيل رسمي.
ولأعوام عدة، دعمت بعض الدول المعارضة السورية لإنشاء التسجيلات المدنية المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ولكن حكومة الأسد ترفض الاعتراف بهذه الأوراق، معتبرة إياها “وثائق سياسية أنشأتها الهيئات التنفيذية التي عارضت النظام”.
وبعض من لا يملكون دفتراً للعائلة، مثل فاطمة البالغة من العمر 25 عاماً، اضطروا لإثبات الزواج لزوج متوفٍ بالفعل.
وحينما تزوجت فاطمة وزوجها في بلدة يلدا جنوب دمشق، التي كانت تحت سيطرة المعارضة، حظوا باحتفال ديني أتم مراسمه شيخ، ولكنهما لم يسجلا زواجهما عند المجلس المحلي للمعارضة عام 2017.
وقُتل زوج فاطمة في هجوم صاروخي شنته قوات النظام على يلدا، وبعد أشهر من المعاناة مع البيروقراطية وإنفاق 400 دولار للمحامي وللمخالفات المفروضة للتأخر بالتسجيل، تمكنت الأم الأرملة لطفلين من الحصول على دفتر العائلة أخيراً وسجلت كلا الطفلين عليه.
فاطمة التي خشيت أيضاً تقديم اسمها الكامل أثناء الحديث عن نظام الأسد، قالت إن العملية “كانت كأنها عقوبة إضافية لمن عاشوا في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار”، وأضافت: “العديد ممن يعيشون في دمشق لا يفهمون التعقيدات التي علينا المرور بها لنصبح طبيعيين”.