سكان في اسطنبول يبحثون عن منازل “مقاومة” والسلطات تباشر التحرك
أثار زلزال كهرمان مرعش “الدموي”، جنوبي تركيا، صدى مختلفاً في مدينة اسطنبول، التي أكد علماء جيولوجيون أنها تنتظر زلزالاً كبيراً بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر، ما دفع الجهات الحكومية للتحرك من أجل تقليل الخسائر المحتملة، رغم أن المدة الزمنية لوقوع هذا الزلزال لا يمكن تحديدها.
الصدى الأبرز لهذا الزلزال كان عبر توجه الكثير من سكان اسطنبول لترك منازلهم القديمة والبحث عن منازل حديثة، أو على الأقل بنيت بعد عام 1999، وهو العام الذي صدر فيه قرار رسمي بضرورة تشييد مباني مقاومة للزلزال عقب زلزال مدمر ضرب المنطقة في ذلك العام.
منازل تخيف ساكنيها
تقول ريما (سورية مقيمة باسطنبول) إنها تفكر جدّياً في ترك منزلها الواقع في منطقة الفاتح، عقب ما رأته من مشاهد “مؤلمة وقاسية” خلّفها زلزال جنوبي تركيا وشمال غربي سورية.
وتضيف في حديثها لـ “السورية نت” أن لديها مخاوف كبيرة من المنزل الذي تسكن فيه، بسبب وجود تشقق عامودي في أحد جدران منزلها، عقب الزلزال الذي ضرب مدينة اسطنبول عام 2019 بقوة 5.8 درجات.
ورغم أن ريما (أم لثلاثة أطفال) تلقت “تطمينات” من محيطها بأن هذا التشقق “ليس خطيراً”، إلا أنها تبحث عن طريقة للتواصل مع الجهات المختصة من أجل إجراء الكشف اللازم على المنزل، وإلا ستضطر إلى إيجاد مسكن بديل في أقرب وقت كما تقول.
ريما ليست الوحيدة التي ترغب بتغيير مكان سكنها في مدينة اسطنبول، حسبما رصدت “السورية نت”، إذ يعج الحديث في الأوساط الشعبية عن مخاوف من المنازل القديمة التي تغلب على الطابع العمراني لهذه المدينة، حيث توجد أحياء بأكملها يعود بناؤها لستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وبعضها يعود لما قبل ذلك.
أما أبو عمران، الذي يقطن في منطقة أفجلار في اسطنبول، يقول إنه يفكر هو الآخر بترك هذه المنطقة نهائياً رغم أن البناء الذي يسكنه يُعتبر حديثاً نسبياً وبُني بعد عام 1999.
وتعود مخاوف أبو عمران إلى أن هذه المنطقة سبق أن دُمرت خلال زلزال إزميت عام 1999، وهي مطلة على بحر مرمرة الواقع على خط صدع الأناضول، وهو الخط الذي سيُحدث زلزال اسطنبول المتوقع.
ويقول أبو عمران (42 عاماً) لـ “السورية نت” إنه سيبدأ بالبحث عن منزل في مناطق بعيدة عن بحر مرمرة، وتوقع أن يواجه مصاعب كبيرة بسبب قلة المنازل وارتفاع أسعار الإيجارات بشكل كبير.
يُشار إلى أن ريما وأبو عمران هم سوريون يعيشون في اسطنبول، وشأنهم شأن كثير من الأتراك الذين يتطلعون لتغيير مكان سكنهم خوفاً من الزلزال المتوقع.
تحركات حكومية
في أحدث التصريحات حول التحركات الحكومية في اسطنبول، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، إنه سيجري العمل على هدم 93 ألف مبنى في مدينة اسطنبول، وإعادة بنائها لتكون مقاومة للزلزال.
وأضاف خلال اجتماع برلمانيي “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، “منطقتنا تمر بعاصفة من الزلازل التي لا يمكننا منعها، ولكن مهمتنا هي بناء منازل مقاومة للزلازل”.
من جانبه، قال وزير البيئة والتطوير العمراني التركي، مراد كوروم، إن السلطات تعتزم نقل 1.5 مليون وحدة سكنية غير مقاومة للزلازل في اسطنبول، إلى منطقتين آمنتين في الشطرين الأوروبي والآسيوي للمدينة.
وأضاف في تصريحات نقلتها تقارير تركية أن السلطات ستقلل في الفترة المقبلة من كثافة الإنشاءات، وتعزز المناطق الصناعية المقاومة للزلازل.
وفي تصريحات سابقة لصحيفة “جمهورييت”، قال العالم الجيولوجي ناجي غورور، إن المعلومات الصادرة عن المؤسسات الحكومية في اسطنبول تشير لوجود مليون و100 ألف بناء مهدد، 59 ألف منها متضرر بشكل كبير، ما يعني أن معظم حالات الوفاة ستكون في هذه المباني خلال زلزال اسطنبول المتوقع، حسب قوله.
يُشار إلى أن بلدية اسطنبول أعلنت البدء بهدم أول 318 مبنى في المدينة، يصل عدد سكانها إلى 10 آلاف نسمة، حيث كانت هذه المباني مهددة بالسقوط.
مخاوف من حجم الضرر
يتحدث الخبراء عن أن زلزال اسطنبول، في حال وقوعه، سيؤدي إلى أضرار بشرية واقتصادية كبيرة لاعتبارات عدة أبرزها الكثافة السكانية حيث يزيد عدد سكان المدينة عن 20 مليون نسمة، إضافة إلى أن اسطنبول تُنتج 30.4% من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا.
وبحسب العالم الجيولوجي ناجي غورور، فإن الأماكن الأكثر تأثراً بزلزال اسطنبول هي: بكركوي، زيتون بورنو، بويوك شيكميجة، كوتشوك شيكميجة وسيليفري، الواقعة على بحر مرمرة.
من جانبه، قال أستاذ الهندسة الجيولوجية في جامعة اسطنبول التقنية، زيادين شاكر، لموقع “ميديا سكوب” التركي، قبل أسبوعين، إن المناطق التي أقيمت على ضفاف البحر، وخاصة سواحل مرمرة في زيتين بورنو وما يليها، والمنطقة الواقعة بين بيوك شيكمجة وكوتشوك شيكمجة، هي مناطق “إشكالية”.
وأضاف أنه تم بناء 600 ألف فقط من أصل 1.5 مليون مبنى في اسطنبول بعد عام 2000، بالإضافة إلى ذلك، هناك ما يقرب من 50 ألف مبنى متضرر بشدة.
ومع ذلك، اعتبر شاكر أن الاستجابة لأضرار زلزال اسطنبول ستكون أفضل بكثير مقارنة مع زلزال كهرمان مرعش، على اعتبار أن منطقة التأثير ستكون أضيق من حيث المساحة، كما أن إدارة الكوارث والطوارئ في اسطنبول مجهزة من حيث المعدات والمركبات والمخزون بشكل أكبر.