في عهد “البطاقة الذكية” سوريون يحلمون بالغاز.. والسوق السوداء بأسعار مضاعفة
عادت طوابير الغاز الطويلة في مناطق سيطرة النظام، لترسم معالم البؤس الذي يعيشه سكانها، في ظل نقص الخدمات المعيشية الأساسية، حيث سجلت في محافظتي دمشق وحلب، حالتي وفاة، لرجلين كانا ينتظران دورهما للحصول على الغاز لساعات طويلة.
و خلال الأيام القليلة الماضية، تفاقمت أزمة نقص الغاز بشكل أكبر، حيث امتدت لتشمل أصحاب المصالح والمطاعم، وسط ارتفاع كبير في أسعار الغاز في السوق السوداء، وعدم توفرها بشكل دائم، وذلك رغم إقرار النظام لخطة العمل بـ “البطاقة الذكية” لتوزيع المحروقات والغاز منذ العام الماضي، والتي كان من المفترض أن تُنهي هذه الأزمة.
ماهي الأسباب؟
وفق موقع “اقتصاد” السوري، يُقدّر الاستهلاك اليومي للمحافظات السورية بـ 110 آلاف اسطوانة غاز في الأحوال الطبيعية، منها 40 ألف اسطوانة للعاصمة دمشق، وتتضاعف حوالي ثلاثة مرات خلال فصل الشتاء، يُغطّي ثلثها الإنتاج المحلّي والباقي يُستقدم استيراداً من روسيا وإيران ومصر.
في هذا السياق، ذكر عضو جمعية معتمدي الغاز بدمشق، محمد خير عواضة، أنّ “وضع مادة الغاز في دمشق سيئ منذ شهرين وحتى الآن”، مضيفاً أنّ معتمدي مادة الغاز في المدينة، يضطرون للانتظار لأكثر من 15 يوماً للحصول على المخصص المقرر.
وقال عواضة في تصريح صحفي نشرته صحيفة “الوطن”، المقربة من النظام، إنّ “إجمالي ما يتم توزيعه بشكل يومي لدمشق لا يتجاوز 15 ألف أسطوانة”، في حين قدّر نائب محافظ دمشق، أحمد نابلسي، حاجة المحافظة يومياً، بـ 25 ألف أسطوانة من الغاز المنزلي و3 آلاف أسطوانة من الغاز الصناعي.
وحول أسباب الأزمة الأخيرة، قال لـ”السورية.نت”، عبد الحميد السيد، وهو موظف سابق في “الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية” إنّ “موارد النظام باتت محدودة بعد فقدان سيطرته على العديد من آبار النفط والغاز الهامة، كما أنّ من بقي منها بحاجة لتجهيزات وصيانة”.
وأوضح السيد المقيم حالياً في تركيا، أنّ أزمة الغاز والمحروقات تبرز في الشتاء بسبب ازدياد الطلب على المادة للتدفئة، وعدم قدرة مؤسسات النظام على استيرادها لتعويض النقص.
لكن في الوقت ذاته يرى الموظف السابق، أن النظام شريكٌ في اختلاق هذه الأزمة لتحقيق عائدات مادية أكبر متسائلاً “ما يبعث على الحيرة هو توافر المادة بسعر مرتفع، رغم أن المسؤولين يقولون، بأن التوزيع يتم وفق البطاقة الذكية، إذا من أين تتسرب الاسطوانات إلى مستودعات السماسرة؟”.
معاناة كبيرة
يتكرر المشهد ذاته في المحافظات الأخرى، طوابير طويلة من جرات الغاز الفارغة نساء وعجائز ورجال من كافة الأعمار، يجلسون على أرصفة الطرقات لساعات طويلة، وينتظرون بفارغ الصبر، الحصول على حصصهم. ورغم ارتفاع سعر جرة الغاز التي يحصلون عليها عبر البطاقة الذكية من 2800 ليرة إلى 3500 ليرة مؤخراً، إلا أنها تبقى أفضل بكثير من سعر السوق السوداء، والتي وصل فيها سعر جرة الغاز بحسب مصادر محلية إلى 15000 ليرة.
و يترقب الأهالي يومياً، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إعلان الأحياء التي سيتم بها التوزيع يومياً، حيث يسجل المخاتير أسماء المواطنين لمنحهم جرة الغاز بعد تسجيل أسمائهم بالدور، إلا أنّ الانتظار لساعات طويلة، ربما يذهب عبثاً، حسب ما يؤكده عمار دندش من أهالي مدينة اللاذقية، وذلك بسبب قلة المعروض نسبة إلى الطلب، بالإضافة لتلاعب المسؤولين عن التوزيع.
وبحسب ما ذكره الشاب الثلاثيني لـ”السورية.نت”، فإنّ الحصول على جرة غاز، أصبح حلماً، إذ يتطلب الحصول عليها قضاء يوم كامل، وأخذ إجازة من العمل. مضيفا أن “الانتظار وحده غير كاف بل يتطلب الأمر تدخل المعارف سواء لدى المختار، أو مسؤولي التوزيع أيضاً، لأنّ الكميات قليلة، ودور المنطقة قد لا يعود من جديد قبل أقل من 20 يوماً”.
من جانب آخر ذكر محمود العمار، من مدينة حماه، وهو صاحب مطعم وجبات سريعة، أنه اضطر لإيقاف عمله منذ قرابة أسبوع، بسبب عدم توفر الغاز وانقطاع الكهرباء بشكل متكرر، مضيفاً في حديثه لـ”السورية.نت”، أن شراء جرة غاز من السوق السوداء بسعر 15 ألف ليرة سورية، يجعل إمكانية تحقيق الربح أمراً مستحيلاً .
بدائل
أزمة الغاز الأخيرة، انعكست بشكل واضح على طريقة الحياة، التي يعيشها السوريون في مناطق سيطرة النظام، حيث لجأ البعض لشراء الحطب، واستخدامه في الطبخ، بينما عادت بعض الوسائل القديمة مثل “بابور الكاز” وانتشر استخدام السخانات الكهربائية عند توفرها.
تروي أم خالد وهي أم لثلاثة أطفال تقيم في مدينة جبلة (جنوب اللاذقية)، حالتها مع انقطاع الغاز عن منزلها منذ قرابة عام بالقول:”أصبحنا نعتمد على المعلبات والمونة كوجبة أساسية كالمرتديلا والجبنة والألبان، تغيرت مائدتنا بشكل كلي بعد هذه الحالة حتى المشروبات الساخنة أصبحنا نُقنِنُ صنعها وحلت مكانها الباردة.. فما باليد حيلة”.