“مخزون مؤقت” يحرك سعر صرف الليرة السورية والرهان على التطبيع “خاطئ”
رغم الانفتاح السياسي والاقتصادي، خلال الأشهر الماضية، على نظام الأسد من قبل بعض الدول العربية، وانتعاش وصول المساعدات المالية والمادية عقب زلزال فبراير/شباط، إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابياً على الليرة السورية.
وكانت التوقعات تشير إلى أن هذا الانفتاح وعودة نظام الأسد للجامعة العربية سينعش سعر الصرف، إلا أن ما حدث عكس ذلك، فالوضع ازداد سوءاً والليرة استمرت بالتراجع حتى وصلت إلى مستويات قياسية في الانهيار.
ولم يعد البحث عن أسباب تراجع الليرة مهماً لدى الكثير من المحللين كون الأسباب، من توقف عجلة الإنتاج وإيقاف التصدير، ونفاد احتياطي القطع الأجنبي في “المصرف المركزي”، ما زالت نفسها ولم تتغير، لكن اللافت هو سبب عدم انتعاش الليرة مع عودة النظام إلى “الحضن العربي” والحديث عن مساعدة بشار الأسد اقتصادياً.
الليرة السورية في 2023
بدأت الليرة السورية مطلع العام الحالي عند سعر 6650 ليرة للدولار الواحد، حسب موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار العملات الأجنبية، لتبدأ بالارتفاع التدريجي حتى وصلت مطلع شهر فبراير/ شباط إلى 6950 ليرة سورية.
وسجلت الليرة السورية في 6 فبراير/ شباط، يوم وقوع الزلزال في الجنوب التركي وشمال سورية، 7250 ليرة للدولار الواحد، قبل أن تنخفض إلى 6900 ليرة.
ورغم حجم المساعدات التي أرسلتها العديد من الدول إلى مناطق النظام، إلا أن انخفاض سعر الدولار البسيط أمام الليرة لم يدم طويلاً، لتبدأ أسعار الصرف بالارتفاع مجدداً حتى 7375 ليرة مطلع مارس/ آذار، و7575 مطلع أبريل/ نيسان.
وبدأ التراجع الكبير خلال الشهر الجاري بحدود ألف ليرة، إذ كان سعر الصرف مطلع الشهر 8250 ليرة سورية، في حين وصل في 16 من الشهر نفسه إلى 9150 ليرة، قبل أن يعود خلال اليومين الماضيين إلى حدود 8400 ليرة.
وبينما يرى البعض أن هذا التفاوت في السعر خلال أيام سببه لعبة داخلية من قبل النظام وأجهزته بهدف جمع العملة من السوق، عزا البعض سبب التأرجح بين الارتفاع والانخفاض إلى قضية العرض والطلب مؤقتاً قبل أن يعود للانخفاض مجدداً.
وبدأت صفحات التواصل الاجتماعي الموالية للنظام تتحدث عن انخفاض سعر الصرف بعد القمة العربية إلى 5 آلاف ليرة سورية، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان في المؤتمر الصحفي الختامي للقمة العربية بدعم “مشروعات التعافي الاقتصادي في سورية”.
لكن المراهنة في تحسن سعر الصرف على الأحداث السياسية هو “رهان خاطئ”، حسب ما قاله الخبير المصرفي عامر شهدا لموقع “هاشتاغ سوريا” الموالي للنظام.
واعتبر شهدا أن “سعر الصرف يتأثر عندما يصدر بيان من الجامعة العربية يقول إن الدول العربية غير معنية بالعقوبات الأحادية المفروضة على سورية، وأن الدول العربية تتكفل وتعتبر مانحة لإعادة الإعمار. عندها ينخفض سعر الصرف”.
في المقابل عزا الخبير الاقتصادي جورج خزام، سبب عدم تحسن سعر الصرف رغم الانفتاح العربي إلى المشاكل الداخلية للنظام واقتصاده.
أسباب داخلية لتراجع الليرة السورية
واستطلعت “السورية. نت” آراء محللين اقتصاديين حول سبب التراجع الأخير، مؤكدين أن السبب الأساسي هو نفاد المخزون الاستراتيجي للقطع الأجنبي واعتماد نظام الأسد على مصادر غير مشروعة للحصول على الدولار.
ويرى الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، مناف قومان، إن قيمة عملة أي بلد تتحدد بما يمتلكه من القطع الأجنبي وسيطرته على الثروات.
لكن في سورية فـ”خزائن المصرف المركزي فارغة من الاحتياطات، والثروات الطبيعية من غاز ونفط خارج سيطرة النظام”.
وقال قومان لـ”السورية.نت” إن الذي يحرك سعر الصرف في سورية هو “المخزون المؤقت وليس الاستراتيجي” من العملة الصعبة، التي يحصل عليها النظام من تجارة المخدرات إضافة إلى الحوالات الخارجية والمساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة.
وأضاف أن أي خلل بهذا المخزون وتوابعه سيؤدي إلى انخفاض الليرة، فالمساعدات الإنسانية، رغم ارتفاعها مع فترة الزلزال، إلا أن الأمم المتحدة بدأت تحفيضها.
كما أن الحديث عن قبول نظام الأسد شرط مكافحة المخدرات مقابل التطبيع معه، أدى ذلك إلى قلق في السوق، إضافة إلى احتمال تراجع مقدار الحوالات المالية التي وصلت إلى مناطق النظام خلال الأسابيع الماضية.
في المقابل يرى المحلل الاقتصادي، يونس كريم، بأن كل الظروف التي أدت إلى تراجع الليرة ما زالت باقية والمتعلقة بسياسات البنك المركزي.
ومن هذه السياسات، حسب كريم، المرسوم رقم 3 الذي يجرم التعامل بغير الليرة السورية، ما حرم تدفق الحوالات المالية بطريقة نظامية إلى الداخل وتحويلها عبر السوق السوداء.
إضافة إلى “سياسية الاستيراد التي اعتمدتها حكومة الأسد ووضع آلية مشددة لتمويل المستوردات للتجار والصناعيين، وتحويل أمراء الحرب جزء كبير من الليرة السورية إلى الدولار بعد خوفهم من تحولهم إلى كبس فداء يساوم عليهم النظام لاحقاً”، حسب كريم.
وأشار كريم في حديثه لـ”السورية. نت”، إلى أن الفترة الماضية شهدت زيادة الطلب على الدولار، بسبب تصاعد عملية الهجرة خارج سورية والتي تتطلب عملة أجنبية.
لكن الاقتصادي جورج خزام قال لموقع “هاشتاج سوريا”، إن “تراجع سعر صرف الليرة السورية هو بسبب القرارات السابقة للمصرف المركزي من تقييد الأسواق، وتحديد سقف السحب اليومي من البنك، الذي تسبب بالتوقف عن الإيداع في البنوك، وسحب الودائع، ودفع التجار للتعامل بالدولار بسبب سهولة حمله، وهذا بدوره زاد الطلب على الدولار ورفع سعره مقابل الليرة السورية”.
في حين اعتبر شهدا أن “سعر الصرف يتغير عند إعادة هيكلة المركزي، أو عندما يجدون كفاءة وخبرات لإدارة الكتلة النقدية في السوق السورية”، مؤكداً أن “إنقاذ الوضع الاقتصادي شأن داخلي وليس خارجي، ويجب أن نعي ذلك، ولا داعي للمكابرة”.
ارتفاع وهمي
ويقول مناف قومان، إنه من الأسباب أيضا عدم قدرة المصرف على ضبط السياسة النقدية، وهو ما أكده القرار الصادر في فبراير/ شباط الماضي، عندما بات يصدر نشرة لسعر الصرف الحوالات الخارجية بشكل يومي، يكون فيها السفر قريباً أو مساوياً من سعر الصرف في السوق السوداء.
وآخر نشرة صادرة عن المركزي، أمس الأحد، حدد المصرف سعر الصرف للحوالات الخارجية بـ8000 ليرة سورية.
وقال قومان إن النظام سابقاً كان يمنع الاعتراف بسعر السوق السوداء وانخفاض الليرة، لكن اليوم أي انخفاض في السوداء يقابله خفض من قبل البنك المركزي.
واعتبر أن القرار هو اعتراف من قبل النظام بالسوق السوداء، ومن جهة ثانية اعتراف بعدم قدرة النظام على ضبط السياسة النقدية والوضع المالي في البلد وضبط سعر الصرف.
وأشار إلى أن النظام يحاول ملاحقة الدولار في السوق السوداء، وامتصاص العملة الصعبة المتوفرة فيه وجعلها تصب في قنواته.
من جانبه توقع خزام استمرار ارتفاع سعر الدولار، مؤكداً أن “الحل الوحيد لتحسين سعر الصرف هو زيادة الإنتاج القابل للتصدير والبديل عن المستوردات، لتوفير الدولار للخزينة العامة، وتسليم جزء من الحوالة الخارجية بالدولار من أجل زيادة العرض من الدولار في السوق السوداء”.