كان لي شرف معرفة الدكتورة بسمة قضماني، والعمل معها منذ الأيام الأولى للثورة السورية. عرفت بسمة معارضة وناشطة ملتزمة، وأكاديمية ومحللة بارعة، ودبلوماسية محنكة، وقبل ذلك وبعده امرأة سورية محبة لبلدها، كحبها لأولادها وعائلتها، وشخصية ملهمة.
أقول هذا وأنا أعلم علم اليقين، الحملة الشرسة الظالمة التي تعرضت لها من بعض جمهور الثورة، ناهيك عن النظام ومؤيديه.
أشعر وأنا أقف أمام رهبة الموت والحالة المأساوية التي وصلت إليها سورية، أني مدين للدكتورة قضماني، رغم اختلافنا في بعض الاجتهادات والمواقف، بذكر بعض محاسنها ومواقفها.
الموقف الأول، لقد كانت الدكتورة بسمة من أوائل النساء اللائي وقفن مع ثورة شعبها، وكانت مستعدة لدخول الحياة العامة، وتحمل كافة أعباء الانتقادات والتشكيك ومحاولات الاغتيال المعنوي المستمرة. الدكتورة بسمة من مؤسسِات المجلس الوطني، في وقت تمنعت كثيرات من النشيطات والنشطاء عن دخول هذا المعترك، لأسباب كثيرة، ليس أقلها حرصهن على “السمعة” والتخوف من تحمل تكاليف مناهضة النظام الإجرامي في الأيام الأولى.
وبالطبع، لم يأتي هذا الموقف من فراغ، فلبسمة تاريخ في مقارعة الاستبداد، من خلال عملها وتأسيسها لمبادرة الإصلاح العربي، التي أرادت من خلالها تشجيع العملية الديمقراطية في المنطقة العربية، بالجهود الذاتية، خاصة بعد تكشف الادعاءات الزائفة للمبادرات الخارجية الكارثية.
كما أن للدكتورة بسمة تاريخ في دعم الحركة الوطنية الفلسطينية في الغرب، وخاصة في فرنسا. ولعل من المفارقة أن كثيراً ممن تحاملوا على بسمة، حاولوا التشكيك بجهودها وتاريخها، فهي تارة عميلة “فرنسية” أو لجهات مجهولة، وتارة أخرى هي صوت صهيوني مندس، وأخيراً، فهي لا تعرف بلادها، وهي التي اضطرت عائلتها لمغادرة سورية بسبب استبداد حكم البعث.
الموقف الثاني للدكتورة بسمة، أنها لم تكن -ورغم وجودها في الوسط الثقافي والفكري الباريسي- إقصائية أو معادية لأي تيار سياسي أو فكري.
كانت منفتحة دائماً على ثقافتها العربية-الإسلامية، وانعكس ذلك في أنها كانت عنصر تقريب في دوائر المعارضة السورية بين التيارين العلماني والإسلامي. ولعل بعض القيادات الإسلامية يذكرون حرصها على تواجدهم في لقاءات وحوارات دولية هامة حول مستقبل سورية.
الموقف الثالث، رغم الحملة التي تعرضت لها الدكتورة بسمة من بعض المعارضين، وخاصة أولئك الذين كانوا من شركاء الأمس في تأسيس المجلس الوطني، ورغم استبعادها من تشكيل الائتلاف الوطني لاحقاً، فيُذكر لبسمة أنها لم تدخل في مهاترات مع هؤلاء، وكانت منافحة عن الائتلاف الوطني على أنه الممثل الشرعي للسوريين، وهذا ما أعطاه مصداقية أكبر. ولم تعتزل بسمة العمل الوطني، فقد كانت كل جهودها في الفترة الذهبية للائتلاف الوطني مكملة وداعمة له، ولفكرة الحل السياسي الذي يعيد للسوريين حقهم في حكم بلادهم.
الخاصية الرابعة، لقد كانت الراحلة من النساء السوريات القليلات، ذوات الكفاءة والخبرة في العمل السياسي، دراسة وممارسة. ولقد شهدتها في ندوات وجلسات حوار، علنية ومغلقة، ومؤتمرات دولية وهي توظف طلاقتها باللغات الثلاث: العربية والانجليزية والفرنسية، مكافحة ضد نظام الفساد والاستبداد، ومنافحة عن ضحاياه.
ولعل هذه الكفاءة والخبرة والفعالية جعلتها هدفاً لحملات النظام ومؤيديه، وموضوعاً لمدمني مواقع التواصل الاجتماعي، وموضع غيرة وحسداً من المفتقدين لهذه المؤهلات من المعارضين والمعارضات.
الموقف الخامس، استأنفت الدكتورة قضماني نشاطها من خلال هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية، كناشطة مستقلة، ولم تتوقف عن نشاطها الأكاديمي والإعلامي في الدفاع عن حق الشعب السوري في التغيير الديمقراطي.
وفي الفترة الأخيرة، قادت بعض النشاطات لتجميع الجهود المتناثرة للمستقلين السوريين في وقت بدأت فيه الأجسام المعارضة تتراجع وتضعف، كما أنها كانت من رموز الحركة السياسية النسوية المعتدلة.
في الوقت التي تتزايد فيه معاناة السوريين، بفعل جرائم النظام وداعميه، وتقاعس المجتمع الدولي عن دفع حل سياسي، يسهل على الكثيرين تحميل المعارضة السورية المسؤولية عن الحالة التي وصلت إليها البلاد. ولسنا هنا في وارد المدافعة عن أداء المعارضة الهزيل، لكننا أصحاب قضية عادلة، قدم في سبيلها الشعب السوري تضحيات عظيمة.
وفي هذه المعركة غير المتكافئة، من المهم وضع الأمور في نصابها وعدم النيل من رموز تصدت لقوى الظلم والتكبر، فالمعركة لم تنته كما لم يتغير معسكر الحق والباطل فيها، مهما طال الزمن.
الرحمة والمغفرة للدكتورة بسمة، ولكافة شهداء الثورة السورية، والنصر للمظلومين ولو بعد حين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت