باتت أجواء الحرب تخيم على أوكرانيا أكثر فـأكثر، إذ تتالى الحشود الروسية، وتتزايد التحذيرات الأمريكية والغربية، والتوقعات بقرب “الغزو” المحتمل.
ويوم أمس الجمعة حذّر البيت الأبيض، من أن غزواً عسكرياً روسياً لأوكرانيا تتخلله حملة غارات جوية و”هجوم خاطف” على كييف بات “احتمالاً فعلياً جداً” خلال الأيام المقبلة، داعياً الأميركيين إلى مغادرة هذا البلد “خلال 24 إلى 48 ساعة”.
بينما قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن: “هذه لحظة محورية. ونحن مستعدون لما يجب أن يحدث”، مؤكداً أن واشنطن وحلفاءها سيفرضون “بسرعة” عقوبات على روسيا إذا غزت أوكرانيا، والتي قال إنها يمكن أن تبدأ “في أي وقت، ولا نعرف ما إذا كان الرئيس بوتين قد اتخذ هذا القرار”.
في المقابل اعتبرت روسيا في بيان أصدره “الكرملين”، في الساعات الماضية، أن ما يتردد من تحذيرات وتصريحات أمريكية ضدها “هو محاولة للترويج والتحريض الإعلامي”.
لكن وعلى نحو لافت، اليوم السبت، رجح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أن تنصح موسكو الطاقم غير الأساسي لمؤسساتها الدبلوماسية في أوكرانيا بالمغادرة “مؤقتاً”، وذلك بعد قرار بعض الدول الغربية إجلاء أسر موظفي سفاراتها من كييف، ودعوة رعاياها إلى مغادرة أوكرانيا في أسرع وقت ممكن.
هل ستقدم روسيا على الغزو؟
وعلى وقع التطورات المذكورة تنقسم الآراء بين المحللين والمراقبين.
وبينما يرجح البعض منهم أن تقدم روسيا على غزو الأراضي الأوكرانية، في الأيام المقبلة، يستبعد آخرون هذا السيناريو، والذي يوصف بـ”الكارثي”.
ونقلت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، الجمعة، عن مسؤولين وصفتهم بالمطلعين أن خطوة روسيا بغزو أوكرانيا قد تبدأ، الثلاثاء المقبل.
وحسب هؤلاء المسؤولين قد تشمل تصرفات روسيا القيام باستفزاز في منطقة دونباس، حيث يقاتل الجيش الأوكراني منذ سنوات ضد الانفصاليين المدعومين من موسكو، أو مهاجمة عاصمة البلاد، كييف.
وتتخوف الدول الأوروبية من تكرار سيناريو القرم عام 2014، إذ ضمت روسيا شبه الجزيرة بعد الإطاحة بالرئيس السابق بترو بوروشنكو.
كما سيطر انفصاليون مدعومون من روسيا عام 2014، على أجزاء من الأراضي الشرقية لأوكرانيا.
وفي حديث لموقع “السورية.نت” يقول الدكتور باسل الحاج جاسم، الباحث في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز: “على الأغلب روسيا لن تتدخل عسكرياً في أوكرانيا، إلا إذا أقدمت كييف على إعادة السيطرة على دونباس بالقوة العسكرية، و هذا ما أعلنه بشكل واضح أكثر من مسؤول روسي”.
ويضيف الباحث، أن الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا من بين أهدافها الكثيرة الأخرى “رسالة إلى كييف بأن التقدم عسكرياً نحو دونباس هو خط أحمر حيث مواطنين روس هناك”.
في المقابل “نجد التعزيزات العسكرية والتزويد الغربي للجيش الأوكراني مستمر، منذ سنوات، وكلها في إطار إعداده ليتمكن من فرض سيطرته على كامل أراضي دولته”.
ويشير الحاج جاسم إلى أن “غياب الثقة بين أطراف النزاع تجعل الأمر أكثر تعقيداً، وعدم قدرتهم على تصديق تأكيدات كل طرف منهم، بعدم وجود نية القيام بعمل عسكري، مع غياب وسيط مقبول من كل أطراف النزاع حتى اليوم”.
ماذا وراء الموقف الأمريكي؟
ومن المقرر، حسب ما أعلن البيت الأبيض، أن يتحدث أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، هاتفياً، بعد يومين مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، لمناقشة تطورات الوضع بشأن أوكرانيا.
ويأتي ذلك في وقت تكثر فيه تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن “قرب الغزو الروسي”، وذلك يتزامن مع تحليلات وتقارير لصحف ومواقع أمريكية، تؤكد على جدية اتخاذ هذه الخطوة بالفعل، من جانب موسكو.
ويمكن النظر في الوقت الحالي إلى التصريحات الأمريكية التي تتحدث عن إمكانية اجتياح روسي لاوكرانيا في أي لحظة، وفق الباحث باسل الحاج جاسم، بأنها أولاً “تأتي في إطار الحرب الإعلامية النفسية، ولإدخال حالة هلع لدى الحلفاء، وحشدهم أكثر بعد وضوح عدم وجود موقف غربي موحد حيال طريقة التصرف مع روسيا”.
أما ثانياً، يضيف الباحث: “في حال حدث الغزو سيقول الأمريكيون وهذا ما توقعناه منذ البداية، وإن لم يحدث -وهذا ما يريدونه- سيكون كلامهم بأنهم أخذوا كل السيناريوهات بعين الاعتبار”.
وقد يحدث “خرق ما في هذا الأزمة” خلال زيارة مرتقبة متوقعة لبوتين إلى تركيا خلال أيام.
وبحسب الباحث: “لكن هذا سيكون في إطار أزمة أوكرانيا فقط، لما تمتلكه أنقرة من علاقات عميقة مع كل من كييف و موسكو في آن واحد”.
وتحدث الحاج جاسم عن “عامل إضافي يزيد هذه الأزمة أهمية وخطورة في نفس الوقت”، وهو أن الصين تراقب ما يحدث حول شرق أوكرانيا، لتأخذ بالحسبان كل ردود الأفعال في سيناريو تعاملها القادم مع تايوان.
“بين سورية وأكرانيا”
في غضون ذلك نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية مقالاً تحليلاً، اليوم السبت، بعنوان: “هل يكشف التدخل الروسي في سورية عن استراتيجية موسكو الخاصة بأوكرانيا؟”.
وقارن كاتب المقال بين الظروف التي سبقت التدخل العسكري الروسي في سورية، وتلك الخاصة بما تعيشه أوكرانيا اليوم، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية افترضت أن روسيا ستكون خائفة من مخاطر الذهاب إلى سورية، لكن ذلك هو خطأ لا ينبغي أن يرتكب عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا”.
وفي الوقت الحالي يطلق كبار مسؤولي الأمن القومي والدبلوماسيين والضباط العسكريين في الولايات المتحدة، تحذيرات مماثلة لتلك التي أطلقها أسلافهم قبيل التدخل العسكري لموسكو في سورية.
وهذه التحذيرات تتلخص بعبارات مثل: “إذا تدخلت روسيا، فإنهم سيواجهون معركة صعبة”، “على القوات الروسية التعامل مع التمرد”، “مع عودة جثث الجنود القتلى إلى ديارهم، سيتعرض فلاديمير بوتين لضغوط شعبية متزايد”، فضلاً عن أن “روسيا لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها – وسوف تغوص في مستنقع”.
وجاء في المقال التحليلي أن التصريحات الصادرة عن جو بايدن وفريق الأمن القومي بخصوص أوكرانيا، تعكس التصريحات التي تم إصدارها في سبتمبر 2015 من قبل إدارة أوباما / بايدن قبل التدخل الروسي في سورية.
وتحدث الكاتب عن “بعض الدروس المهمة المستفادة من كيفية متابعة المؤسسة العسكرية والأمنية الروسية لتلك العملية ذات الصلة إذا قرر الكرملين اختيار القوة العسكرية كخيار للدبلوماسية القسرية ضد أوكرانيا”.
وقد تؤدي هذه الدروس إلى نوع من القتال يختلف عما تتوقعه الولايات المتحدة والتي تدرب وتجهز القوات الأوكرانية من أجلها.
كيف ستتعامل موسكو؟
وحتى الآن لا يعرف بالتحديد ما إذا كان الروس سيذهبون إلى أوكرانيا عسكرياً، أو ما إذا كانت التقييمات الأمريكية صحيحة بأن موسكو ستسعى لاحتلال أجزاء من الأراضي الأوكرانية والسيطرة عليها.
ومع ذلك اعتبر مقال المجلة الأمريكية أن الحملة الروسية في سورية “تشير إلى أنه إذا قررت الحكومة الروسية استخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا، فإنها ستركز على الضربات بعيدة المدى لتدمير المعدات الأوكرانية، لا سيما مخزونها من الطائرات بدون طيار”.
ويضيف المقال: “يمكن بسهولة تكرار هجوم كاليبر في سورية من بحر قزوين مع عدم استعداد أحد للرد من خلال الرد بإطلاق النار على قلب روسيا”.