تشهد منطقة الباب بريف حلب الشرقي، منذ أشهر، خلافاً بين “الجبهة الشامية”، التي تعتبر أكبر التشكيلات العسكرية في منطقة “درع الفرات”، وتعمل حالياً تحت مسمى “الفيلق الثالث” ضمن “الجيش الوطني”، وبين “حركة أحرار الشام- القطاع الشرقي”.
وتصاعد الخلاف بين الطرفين، قبل شهرين، بعد إعلان “أحرار الشام” الانشقاق عن الجبهة، ما أدى إلى اشتباكات ووقوع قتلى وجرحى، ليتم عقب ذلك تشكيل لجنة لبحث الخلاف والوصول إلى حل، قبل تجدد الاشتباكات، أول أمس السبت، ودخول “هيئة تحرير الشام” على خط المواجهات، عبر تسيير أرتال عسكرية إلى “جانب أحرار الشام”.
فما هي جذور هذا الاقتتال القديم المتجدد، ولماذا دخلت “تحرير الشام” على خط الأزمة؟
البحث عن مظلة عسكرية
تعود جذور الأزمة بين الطرفين إلى 2017، عندما تمكنت “هيئة تحرير الشام” من السيطرة على كامل منطقة إدلب وريفها، بعد الإطاحة بخصومها من الفصائل وفي مقدمتهم “حركة أحرار الشام” التي كانت تعتبر قوة عسكرية أساسية في إدلب.
وبعد بسط “تحرير الشام” نفوذها على إدلب، بدأت مجموعات وقطاعات تابعة لـ”أحرار الشام” بالبحث عن مظلة عسكرية تدعمها، بعد فقدان الحركة لمعبر الهوى الاستراتيجي وسيطرة الهيئة عليه.
وحسب مصدر من داخل “أحرار الشام”، تحدث حينها لـ”السورية.نت”، فإن الحركة أخبرت قطاعها في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، بأنها لم تعد قادرة على دعمه مالياً، فتم التوافق مع “الجبهة الشامية” للانضمام إلى صفوفها مع سلاحهم وعتادهم ومقراتهم العسكرية بشكل كامل.
وفي 5 نوفمبر/ تشرين الأول 2017، أكد الناطق العسكري باسم “حركة أحرار الشام” آنذاك، عمر خطاب، انضمام مقاتلي الحركة شمالي حلب لـ”الجيش الوطني”.
واستمر التنسيق بين الطرفين طيلة السنوات الماضية، إلى أن شهدت “حركة أحرار الشام” تمرداً داخلياً، آواخر سنة 2020، قاده الجناح العسكري الذي تصدره النقيب “أبو المنذر” ومن خلفه القيادي السابق لـ”الحركة”، حسن صوفان (أبو البراء) وبين القيادة التي يتصدرها “جابر علي باشا”.
وبعد ثلاثة أشهر من النزاع توصلت قيادات الجناحين في الحركة، إلى تعيين قائد جديد، هو عامر الشيخ الملقب بـ”أبو عبيدة درعا”، حيث ألغى لاحقاً “مجلس الشورى” الذي وقف ضد “التمرد الداخلي”، وأنشأ ما سماه “مجلس القيادة” وضم في صفوفه، أعضاء معروفون في ولائهم لحسن صوفان.
ومع تأزم الوضع داخل الجناح الرئيسي، شهدت الحركة انشقاقات عدة، كان أولها انشقاق 400 مقاتل في يناير/ كانون الثاني 2021، وكانوا يعملون ضمن “كتلة حمص”، وانضمامهم إلى “الجبهة الشامية”.
كما أعلن، في يوليو/ تموز العام نفسه، كلاً من “لواء بدر” و”لواء العباس” و”مجموعات الشرقي” في إدلب، و”تجمع حلب”، الانشقاق عن الحركة والانضمام إلى “الجبهة الشامية”.
خلاف وثم انشقاق
خلال الأشهر الماضية بدأت الخلافات تطفو على السطح بين “الفيلق الثالث” (الجبهة الشامية)، وبين القطاع الشرقي لـ”أحرار الشام”، الذي أصبح اسمه “الفرقة32″، وسط اتهام الفيلق لحسن صوفان، بتحريض مكونات “الفرقة 32” للانشقاق والعودة إلى صفوف “أحرار الشام”.
ولقطع الطريق على صوفان، الذي اعتبره باحثون مقرباً من “تحرير الشام”، قامت قيادة “الفيلق الثالث” بعزل قياديين في القطاع الشرقي لـ”أحرار الشام”، هما “أبو حيدر مسكنة” و”أبو عدي البوغاز”.
لكن القرار قوبل بالرفض من قبل “القطاع الشرقي”، الذي أعلن الانشقاق رسمياً من الفيلق الثالث، وانضمامه إلى “حركة ثائرون”، التي تضم “فرقة السلطان مراد”، “فيلق الشام” (قطاع الشمال)، “الفرقة الأولى” (لواء الشمال، الفرقة التاسعة، اللواء 112)، “فرقة المنتصر بالله”، “كتائب ثوار الشام”.
وحسب مصدر داخل “الأحرار” لـ”السورية.نت”، فإن “حركة ثائرون” طالبوا القطاع الشرقي للأحرار، بقبول انضمامهم بشرط قتال “الجبهة الشامية”، إلا أن “الشرط قوبل بالرفض”، ما أدى إلى انشقاقهم عن “ثائرون”، ومحاولتهم تشكيل فصيل منفرد، وهو ما تعثر، قبل أن ينضموا إلى “الجناح الرئيسي لـ “أحرار الشام”.
واعتبر “الفيلق الثالث” الأمر بأنه انشقاق، وشن قبل أسابيع، هجوماً على مقرات تتبع القطاع الشرقي لـ”أحرار الشام”، قبل دخول لجنة “إصلاح وطنية”، برئاسة عمر حذيفة، وهو شرعي “فيلق الشام”، ويؤكد أن عمله بالتشاور مع “مفتي سورية” الشيخ أسامة الرفاعي.
وفي تسجيل صوتي لحذيفة قال إن “ما توصلت إليه اللجنة من قرارات تم رفعه إلى جيراننا (تركيا) وهم يقررون”.
وطلبت اللجنة في بيانٍ لها لاحقاً، من مقاتلي “أحرار الشام” في منطقة الباب، تسليم سلاحهم ومقراتهم العسكرية لـ”الجبهة الشامية”، لكن القرار قوبل بالرفض من مقاتلي الحركة حيث اعتبروه “مجحفاً”.
وبعد رفض القرار هاجمت قوات “الفيلق الثالث”، أول أمس السبت، مقار “أحرار الشام” في مناطق: تل بطال شرقي أخترين وعبلة وعولان شمالي مدينة الباب.
وسيطر الفيلق على عدد من المقار التابعة لـ”أحرار الشام” في المناطق الثلاث بمحيط الباب، بينما اعتقل عشرات العناصر.
وأصدرت “أحرار الشام” بياناً، دعت فيه قيادة “الجبهة الشامية” للتوقف الفوري عن الهجوم على مقرات “الفرقة 32″، وتحملها التصعيد الخطير وتبعاته.
في حين اعتبر “الفيلق الثالث” أن ما حصل هو تنفيذ لقرارات “اللجنة الوطنية للصلح”، المنبثقة عن وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، والتي طالبت سابقاً “الفرقة 32” بتسليم أسلحتها ومقراتها العسكرية في الباب.
ومع تصاعد الاشتباكات بدأت “حركة أحرار الشام” في إدلب، بتسيير أرتال عسكرية إلى ريف حلب الشمالي، لمساندة قطاعها الشرقي “الفرقة 32″، بمشاركة قوات من “هيئة تحرير الشام”.
ودخلت الأرتال العسكرية من محورين، الأول من الغزاوية ووصلت إلى قرية قرزيحل جنوب عفرين، أما المحور الثاني كان دخول قوات من جنديرس وصولاً إلى قرية كفرصفرة.
ورغم أن “الاقتتال” بين الفصيلين، توقف حالياً، إلا أن دخول “تحرير الشام” على ساحة الخلاف، دفع “المجلس الإسلامي السوري” و”الحكومة المؤقتة”، لإصدار بياناتٍ حذرت من هذا التدخل، ودعت للتصدي له.
وقالت وزارة دفاع “الحكومة المؤقتة” في بيانها، التشكيلات العسكرية “المتخاصمة” داخل “الجيش الوطني” بتنفيذ قرار “اللجنة الوطنية للإصلاح” و”التوقف الفوري عن الاحتكام للسلاح”.
كما أصدر التوجيه المعنوي التابع لوزارة الدفاع بياناً، طالب فيه جميع التشكيلات والوحدات العسكرية ضمن “الجيش الوطني”، بـ”رفع الجاهزية القصوى وتأمين مداخل المناطق وطرق الإمداد من التدخل السافر لتحرير الشام التي تعمد لإثار الفوضى”.
في حين اعتبر “المجلس الإسلامي السوري” توجه عناصر من تحرير الشام إلى ريف حلب “بغي”، وقال إن “التصدي له واجب شرعي لجميع مكونات الجيش الوطني قادة وعناصر”.
وفيما هاجمت “تحرير الشام” بيان “الإسلامي السوري”، ودعت إلى عدم استخدام هذا المجلس لـ”شحن النفوس وتأليب الفصائل العسكرية ضد بعضها”، فإنها أقرت بدفعها تعزيزاتٍ عسكرية للمشاركة في “الاقتتال” الذي كان دائراً في ريف حلب السبت الماضي، وقالت إنها أقدمت على الخطوة لمنع “جر الساحة لجولات اقتتال داخلي عبثية(..) والضغط على الأطراف لضرورة التفاهم وتحكيم العقل بعيداً عن لغة السلاح”.