أسباب ومخاوف وسيناريوهات..لماذا قد تغزو روسيا أوكرانيا الآن؟
مع تصاعد التهديدات عسكرياً، وتقلّص الخيارات الدبلوماسية كما يبدو حتى الآن، تتجه الأزمة الأكرانية التي أشعلتها روسيا نحو مزيدٍ من التصعيد، وسط ترقب “ساعة الصفر” للغزو الذي “قد يبدأ بأي وقت”.
وخلال العام الماضي، بقيت الأزمة ذاتها في إطار الاتهامات المتبادلة بين طرفيها، وفي أروقة الحل السياسي والنقاشات الدبلوماسية، بغية التوصل إلى تفاهم، لكن الأمر تحول خلال الأسابيع الأخيرة إلى تهديدات، مع تزايد الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية.
و يحاول هذا التقرير، الإجابة عن تساؤلات كثيرة حول أسباب هذه الأزمة، بين موسكو وكييف، ولماذا تفاقمت الآن؟.
لا مقارنة بالقوة العسكرية
وكانت مصادر استخباراتية أمريكية، قد أكدت خلال الأيام القليلة الماضية، أن الغزو الروسي المحتمل، قد يطيح بحكومة كييف خلال 48 ساعة، إذا اختارت موسكو المضي بعيداً في العمليات العسكرية.
وقال مسؤولون أميركيون، حسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن “الوجود الروسي على طول الحدود الأوكرانية يبلغ أكثر من 100 ألف جندي، في حين قدر مسؤول أمني غربي العدد بـ 130 ألف جندي”.
وأضافوا أن “مجموعة كتائب تكتيكية وصل عددها إلى 83 تضم كل منها نحو 750 جندياً، مهمتها شن هجوم محتمل”، في حين يبلغ عدد الجنود في هذه الكتائب أكثر من 62 ألف جندي، مدعومين بعشرات الآلاف من الأفراد لتقديم الدعم.
ووفقاً للتقديرات فإن الغزو الروسي إذا كان واسعاً، سيؤدي إلى مقتل نحو 50 ألف مدني، ونزوح ما يصل إلى خمسة ملايين شخص.
كما سيؤدي الغزو الروسي إلى مقتل ما بين “5 و25 ألف جندي أوكراني، وما بين 3 و10 آلاف جندي روسي”، حسب وكالة “AFP“.
وفي حديث لـ“السورية.نت”، توقع الدكتور باسل الحاج جاسم، الباحث في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز، أنه ومن المرجح ألا “ تتدخل روسيا عسكرياً في أوكرانيا، إلا إذا أقدمت كييف على إعادة السيطرة على دونباس بالقوة العسكرية، و هذا ما أعلنه بشكل واضح أكثر من مسؤول روسي”.
واضاف الباحث، أن الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا من بين أهدافها الكثيرة الأخرى “رسالة إلى كييف بأن التقدم عسكرياً نحو دونباس هو خط أحمر حيث مواطنين روس هناك”.
في المقابل “نجد التعزيزات العسكرية والتزويد الغربي للجيش الأوكراني مستمر، منذ سنوات، وكلها في إطار إعداده ليتمكن من فرض سيطرته على كامل أراضي دولته”.
ويشير الحاج جاسم، إلى أن “غياب الثقة بين أطراف النزاع تجعل الأمر أكثر تعقيداً، وعدم قدرتهم على تصديق تأكيدات كل طرف منهم، بعدم وجود نية القيام بعمل عسكري، مع غياب وسيط مقبول من كل أطراف النزاع حتى اليوم”.
ويتابع:“في حال حدث الغزو سيقول الأمريكيون: هذا ما توقعناه منذ البداية، وإن لم يحدث -وهذا ما يريدونه- سيكون كلامهم بأنهم أخذوا كل السيناريوهات بعين الاعتبار”.
وقد يحدث “خرق ما في هذا الأزمة” خلال زيارة مرتقبة متوقعة لبوتين إلى تركيا خلال أيام.
وبحسب الباحث: “لكن هذا سيكون في إطار أزمة أوكرانيا فقط، لما تمتلكه أنقرة من علاقات عميقة مع كل من كييف و موسكو في آن واحد”.
وتحدث الحاج جاسم عن “عامل إضافي يزيد هذه الأزمة أهمية وخطورة في نفس الوقت”، وهو أن الصين تراقب ما يحدث حول شرق أوكرانيا، لتأخذ بالحسبان كل ردود الأفعال في سيناريو تعاملها القادم مع تايوان.
ما أهمية أوكرانيا؟
بقيت أوكرانيا ضمن سيطرة الاتحاد السوفيتي الذي تفكك قبل نحو ثلاثين سنة، إذ كانت تعد ثاني أقوى جمهورية سوفيتية بعد روسيا، وتشترك مع موسكو بالعديد من الروابط الثقافية والعائلية، إضافة إلى انتشار اللغة الروسية على نطاق واسع فيها.
وترتبط أوكرانيا بحدود مع روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، حيث تشترك من الغرب بحدود مع بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا ومولدوفا ومن الشمال بيلاروس، وتعد صلة وصل بين موسكو ودول الاتحاد وهذا ما جعلها منطقة صراع للنفوذ بين الطرفين.
وحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير صادر قبل يومين، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعتبر أن أوكرانيا وبيلاروسيا هما في الأساس جزءان من روسيا، ثقافيا وتاريخياً.
وحسب الصحيفة فإن “بوتين عازمٌ على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لأكثر من 30 عاماً، وإنشاء منطقة أمنية واسعة تهيمن عليها روسيا، تشبه القوة التي كانت موسكو تمارسها في أيام الاتحاد السوفيتي”.
أما أهمية أوكرانيا لأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، فإنها تكمن في كونها تقف في وجه طموح بوتين التوسعي.
وقال السياسي الأميركي وعضو مجلس الشيوخ السابق جوزيف ليبرمان، في مقال بمجلة “ناشونال إنترست”، إنه و”إذا ما سمحنا لحاكم متسلط ذي نزعة توسعية كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يفرض إرادته بالقوة على دولة مثل أوكرانيا، فإن حرية وأمن معظم أجزاء أوروبا المتبقية ستكون معرضة في نهاية المطاف للخطر، ومن المحتمل أن ننجر مرة أخرى لحرب أكبر وأشد فتكاً وأكثر كلفة. ولهذا، من الأهمية بمكان منع بوتين من ذلك الآن”.
ما هي المخاوف الروسية؟
إلى جانب التخوف الأمريكي من توسع بوتين انطلاقاً من أوكرانيا، فإن هناك تخوف روسي من خضوع كييف إلى الجناح الأوروبي.
وتخشى موسكو من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، الذي تم تأسييه في القرن الماضي لمواجهة الدولة السوفيتية، ووصول صواريخ الناتو إلى الحدود الروسية.
وحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإنه “بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، توسع الناتو باتجاه الشرق، واستولى في النهاية على معظم الدول الأوروبية التي كانت في (المجال الشيوعي)، جمهوريات البلطيق مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، التي كانت ذات يوم أجزاء من الاتحاد السوفيتي، وانضمت إلى الناتو، كما فعلت بولندا ورومانيا وغيرها”.
ويصف الرئيس الروسي توسع الناتو بأنه تهديد لبلاده، ويعتبر انضمام أوكرانيا إلى الناتو، بمثابة “تهديد وجودي لروسيا”.
ما أسباب الصراع تاريخياً؟
يعود الصراع المباشر بين الطرفين إلى سنة 2013، عندما أعلن الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، إيقاف تنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى خروج مظاهرات واحتجاجات واسعة ضد الحكومة الأوكرانية التي كانت مؤيدة لروسيا حينها.
وأدت الاحتجاجات الكبيرة حينها إلى عزل الرئيس الأوكراني في يناير/ شباط 2014، وتعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلاً منه، الأمر الذي دفع موسكو إلى اجتياح شبه جزيرة القرم الواقعة على البحر الأسود وضمها، بعد سيطرة مجموعة من الانفصاليين، بدعم روسي، على النقاط والمفاصل الاستراتيجية في شبه جزيرة القرم.
ومنذ ذلك الحين اندلعت بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والجيش الأوكراني، مواجهات راح ضحيتها أكثر من 13 ألف شخص، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وفي سنة 2014 تم التوقيع على اتفاق مينسك 1، برعاية روسية، ونص على وقف إطلاق النار وإقامة منطقة عازلة مساحتها 30 كيلومتراً وسحب الأسلحة الثقيلة، ومنع استخدام الطائرات من دون طيار
ولم يدم الاتفاق الأول أكثر من عام بعد انتهاكه، ليتم التوصل إلى اتفاق جديد أطلق عليه “مينسك 2”، بوساطة ألمانية – فرنسية، حيث نصَّ على وقف إطلاق النار وتأسيس منطقة عازلة بعمق خمسين كيلومتراً إلى 140 كيلومتراً، تبعاً لنوع الأسلحة الثقيلة، وعدم استعادة أوكرانيا السيطرة على حدودها مع روسيا إلا بعد أن منح الانفصاليين حكماً ذاتياً واسعاً وإجراء انتخابات محلية.
أسباب التصعيد الحالي
وخلال العام الماضي زاد التوتر بين روسيا من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، إذ بدأ من خلال زيادة التحرك والنشاط العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، ما أدى إلى مقتل عدة جنود أوكرانيين.
وتبع ذلك مناورات بحرية أمريكية، في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، في البحر الأسود، إضافة إلى تسليم واشنطن دفعة من زوارق الدورية الأميركية إلى البحرية الأوكرانية.
تزامن ذلك أيضاً مع نشاط عسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا الشرقية، الأمر الذي كانت ترفضه موسكو باستمرار، وتعتبره مهدداً خطيراً لأمنها الجيوسياسي.
سيناريوهات حول بدء العملية
كانت شبكة “CNN” الأمريكية توقعت عدة سيناريوهات لموعد بدء العمليات العسكرية الروسية بأوكرانيا.
الأول، يتوقع بدء غزو روسيا لأوكرانيا قبل ذوبان الجليد في الربيع، إذ قال الصحفي تيم مارشال للشبكة:”أفضل وقت للقيام بذلك هو الشتاء لأنه سيوفر ميزة ميكانيكية، باعتبار أن الفرق الآلية تحتاج إلى أرض صلبة متجمدة”.
أما السيناريو الثاني، حسب سام كراني إيفانز، وهو محلل أبحاث في معهد رويال يونايتد للخدمات، ومقره المملكة المتحدة، فإن قرار الغزو لا يرتبط بالطقس.
وقال إيفانز، إن “روسيا لديها تاريخ طويل من القتال فقط بالتوقيت الذي يناسب روسيا..القوات الروسية لديها خبرة في العمل في هذه المنطقة وتتمتع عربات القتال المدرعة، بإمكانية تنقل جيدة جدًا بشكل عام حتى على التربة الرخوة جداً”.
السيناريو الثالث، حسب تقديرات الاستخبارات الأمريكية الصادرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فإن الغزو الروسي يمكن أن يكون في وقت مبكر من العام الجاري.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من الرئاسة في كييف:”المخابرات الأوكرانية تقدر أن التهديد من روسيا خطير”.
لكن الساعات الماضية، حملت تحذيرات أمريكية حديثة، حول إمكانية بدء الغزو الروسي لأوكرانيا “في أي وقت”.
وكان البيت الأبيض، أعلن قبل أمس الجمعة، إن “الغزو قد يحدث في أي وقت، وقد يبدأ بغارات جوية”.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن “خطر عمل عسكري مرتفع الاحتمال والتهديد قريب، بحيث يجعل عملية إخلاء السفارات عملاً متعقلاً”.
وذكرت صحيفة “هارتس” الإسرائيلية، أن واشنطن أبلغت تل أبيب بأن “الغزو الروسي لأوكرانيا قد يبدأ الثلاثاء أو الأربعاء المقبلين”.
ودعت أكثر من 20 دولة، بينها تسع دول عربية، مواطنيها إلى مغادرة أوكرانيا “حفاظاً على سلامتهم”.