لا تنفك أخبار سوريا تثير العجب، وتعد بالمزيد من الخيبة: المفاوضات السرية التي بدأت قبل أسابيع، برعاية مباشرة من روسيا، وسربت أنباؤها من إسرائيل في الساعات القليلة الماضية، كدليل على إخفاقها، إستؤنفت مجدداً، وإتجهت نحو البحث عن أسرى جددٍ يقبلون بعملية تبادل مثيرة ترسم صورة بهية للدور الروسي في المشرق، وتمهد لتقارب منشود بين النظام السوري وبين العدو الاسرائيلي.
رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي وجدها فرصة ذهبية لإداء عرض مسرحي جديد، يشبه عروض التطبيع التي نظمها قبل أشهر مع عدد من الدول العربية، لا سيما مع إقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية الحاسمة لمستقبله السياسي والجنائي، الشهر المقبل، بلغ به الأمر حد دعوة حكومته المصغرة الى إجتماع طارىء بالامس، حيث أبلغ الوزراء بتفاصيل الصفقة المقترحة، ووزع عليهم ورقة للتوقيع يتعهدون فيها بعدم تسريب أسرار العملية..التي نشرها الاعلام الاسرائيلي بالكامل، مع أسماء “الاسرى” الثلاثة الذين كانوا مرشحين للتبادل ومقابلات مع بعضهم.
وعلى الفور، تبين أن القصة كلها ملفقة: إثنان من “الأسرى”الثلاثة سوريان، فتاة درزية من بلدة مجدل شمس السورية في الجولان المحتل، ليست أسيرة ولا معتقلة، وهي موجودة في منزلها، ولم تطلب الإنتقال الى الداخل السوري، ومعتقل من بلدة الغجر السورية-اللبنانية أيضاً على الحدود مع لبنان، رفض نقله الى دمشق وأصر على إطلاق سراحه وإعادته الى بلدته، فأُعيد الى السجن..أما الثالثة فهي فتاة يهودية قيل أنها عبرت خطأ الحدود الى سوريا، قبل أسبوعين، ولم يعرف عنها شيء ولم يعترف بها أحد!
دمشق ما زالت تلتزم الصمت المعتاد في هذه الحالات، وتفسح المجال لحفاري القبور الروس، الذين نبشوا طوال الاشهر الماضية عددا غير محدد من المقابر السورية بحثا عن رفات الجاسوس الاسرائيلي الشهير ايلي كوهين وجنديين آخرين قتلا في غزو لبنان العام 1982، لكي يكملوا “وساطتهم” الانسانية ، التي تشمل إستضافة وفد إسرائيلي مفاوض توجه الى العاصمة الروسية على عجل، الاربعاء، لمتابعة التفاوض.. من دون أن يتأكد حتى الآن ما إذا كانت سوريا قد أرسلت وفداً مماثلاً الى موسكو.
قد لا تكون القصة كلها خادعة. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرتبط بصلات شخصية وثيقة جداً مع نتنياهو ويعمل بجدية، ربما أكثر من الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، من أجل بقائه في السلطة، يسعى جهده حاليا لكي يهدي صديقه الاسرائيلي صفقة سورية تخدم حملته الانتخابية، وتفتح آفاقاً جديدة لدور روسي منشود منذ سنوات، في رعاية مفاوضات سلام سورية إسرائيلية.
لا يبدو أن مثل هذه المفاوضات الى ذريعة مثل صفقة الاسرى المزعومة، التي قد تنتهي بإعلان موسكو العثور على جثة كوهين او الجنديين الاسرائيليين. فمنذ ان إنتخب الرئيس الاميركي جو بايدن راجت شائعات كثيرة عن لقاءات وإتصالات سورية إسرائيلية، عبر موسكو، التي كانت ولا تزال تعتبر ان التوصل الى معاهدة سلام سورية إسرائيلية هو أحد طموحاتها الرئيسية، خاصة وأنها تشكل غطاء نموذجيا لدور روسي بعيد المدى في سوريا وفي المشرق، يحرج الإدارة الاميركية الجديدة، ويفرض عليها التسليم التام بهذا الدور، ويخرج إيران من سوريا، أو على الاقل يحشرها في الزاوية.
ليست دمشق جاهزة الآن لمثل هذه الصفقة، لسبب رئيسي هو أنها لا تستطيع ان تستغني عن التمويل الايراني المباشر للنظام، والمقدر بما يزيد على ستة مليارات دولار سنوياً. لكن إذا توافر البديل، العربي خاصة، وهو لم يعد مستبعداً أيضا، فإنها لن تتأخر طبعا في توجيه الشكر الى إيران على ما قدمته من أجل سوريا وفي دعوتها الى سحب “مستشاريها” ومليشياتها من الاراضي السورية.
عندها قد لا يكون تبادل الاسرى قصة واهية إخترعها نتنياهو وبوتين في وقت الفراغ الاميركي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت