“أقسى من سابقاتها”..سوريون يشكتون ظروفاً “لا تُحتمل” بسبب “أزمة المحروقات”
من حي البرامكة وسط العاصمة دمشق إلى منطقة دمر في ضواحيها، اضطر الشاب غسان إلى الركوب في صندوق سيارة “سوزوكي” غير مخصصة لنقل الأشخاص، بعد انتظاره لساعتين عبور “الميكروباص” الذي يقله كالمعتاد من مكان عمله إلى مكان سكنه.
لم يكن يتخيل غسان حجم الأزمة التي شغلت بال السوريين مؤخراً وأدت إلى شلل حركة النقل، بسبب عدم توفر البنزين والمازوت، حسب تعبيره، حتى اضطر مع عشرات الأشخاص إلى الوقوف أكثر من ساعتين عند موقف الميكرو باصات في البرامكة، على أمل عبور “ميكرو” واحد، لكن دون جدوى.
أثناء ساعات الانتظار تلك، مرت سيارة لنقل الخضار والمعروفة محلياً بالـ “سوزوكي”، ليتهافت عليها المنتظرون رجالاً ونساءً وأطفال، بمجرد أن أبدى السائق استعداده لنقلهم مقابل أجر مادي، وهو 3500 ليرة سورية للراكب الواحد.
“التصقنا ببعضنا البعض في صندوق السيارة، لم يكن الأمر مزعجاً لنا رغم بشاعته، بل كان بمثابة خلاص من الوقوف في الشوارع أو العودة إلى منازلنا سيراً على الأقدام”، يقول غسان (27 عاماً) لـ “السورية نت”.
ومع ذلك، لم يخفِ غسان، الذي يعمل موظفاً في مكتبة بحي البرامكة، حجم التذمر الذي أصاب الناس في الشوارع بسبب الانتظار، واصفاً الظروف بأنها “الأسوأ على الإطلاق” منذ سنوات.
ذلك المشهد هو عينة من الأوضاع المعيشية المتفاقمة التي أثقلت كاهل السوريين، بسبب “أزمة المشتقات النفطية” التي أعلن عنها النظام قبل أيام، ملمحاً إلى عدم وجود حل لها في الأفق القريب، بسبب توقف التوريدات حسب الرواية الرسمية.
“ظروف لا تحتمل”
السيدة حنان، المقيمة في دمشق، قررت في ظل الظروف الحالية عدم الخروج من منزلها إلا لحالات الضرورة القسوى، تجنباً لـ “البهدلة” التي قد تتعرض لها حسب تعبيرها.
تقول حنان (ربة منزل) في حديثها لـ “السورية نت”، إن الظروف داخل المنزل ليست أفضل حالاً، مشيرة إلى أن الأزمة الحالية انعكست سلباً على جوانب حياتية عدة، منها انقطاع الكهرباء معظم ساعات النهار، وغلاء الأسعار في الأسواق وعدم توفر مواد التدفئة.
“خلال ساعات النهار لا تأتي الكهرباء سوى نصف ساعة فقط، وفي الليل ساعتين أو ثلاثة لكن نكون نائمين ولا نستفيد منها”، تضيف حنان (37 عاماً).
وتحدثت السيدة عن مخاوف من ازدياد الوضع سوءاً، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة وموجات البرد التي قد تشهدها البلاد خلال الشتاء الحالي، وفقدان الناس صبرهم على هذه الظروف التي لا تحتمل، حسب وصفها.
وكانت حكومة النظام اتخذت إجراءات عدة عكست عجزها عن احتواء “أزمة المحروقات” الحالية، بينها تعطيل الجهات العامة يومي الأحد 11 و18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مع توقعات بتمديد هذه العطلة، لتخفيف استهلاك كميات المحروقات المتوافرة لديها.
وبهذا الصدد، تقول حنان لـ “السورية نت”: “أصبحنا نخاف من إرسال أطفالنا إلى المدارس التي لا تتوفر فيها عوامل التدفئة والإضاءة، خاصة أن بعض المدارس لا تزال دون نوافذ أو أبواب، ما يتسبب بانتشار أمراض الشتاء بين الطلاب، خاصة الزكام والالتهابات”.
رغم اعتراف النظام بنفاد المخزون والعجز ..كيف تصل المحروقات لـ”السوداء”
ما الجديد في هذه الأزمة؟
حسب إجماع الكثير من السوريين، لا تشبه هذه الأزمة، الأزمات السابقة التي عصفت بهم، إذ تشهد البلاد منذ سنوات أزمة في توفر المحروقات والكهرباء، لكن الظروف الحالية “أشد وطأة”.
الباحث الاقتصادي في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”، مناف قومان، يقول إن كل أزمة يمر فيها النظام تُوصف على أنها الأشد وطأة، حتى تأتي أزمة أخرى أقسى من سابقتها.
ويرى قومان في حديثه لـ “السورية نت” أن أزمة المحروقات الحالية “أثبتت بما لا يجعل مجال للشك، فشل النظام في إدارة الاقتصاد وتأمين الاستحقاقات المعيشية للسكان، جراء جملة أسباب”.
وأبرز تلك الأسباب حسب قومان، اعتماد النظام بشكل كبير على الواردات الخارجية، وتأثره بالعقوبات الدولية، وقلة خياراته لتأمين المواد الأساسية للأسواق، إلى جانب عدم جدوى خطوط الائتمان التي فتحها مع إيران مؤخراً حيال هذا الموضوع، والأهم ما ينتظر سوق الطاقة المحلي من تحميله على القطاع الخاص.
وأضاف الباحث الاقتصادي أن كل أزمة لها ظروفها الخاصة بها، بمعنى أن الأزمة الحالية مثلاً جاءت على أبواب فصل الشتاء، وتأخر الواردات النفطية القادمة من إيران لأكثر من 50 يوماً، بحسب ما أعلنت حكومة النظام.
آخرها التعطيل.. تبعات جديدة لـ”أزمة المحروقات” في مناطق سيطرة النظام
أما عن حلفاء النظام (روسيا وإيران)، يقول قومان، إنه لم يعد هناك خيارات لدى النظام للخروج من هذه الأزمة، في ظل انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، فيما تعاني إيران من أزمة داخلية جعلتها غير متفرغة لحل مشاكل حليفها، إلى جانب اضطراب أسواق الطاقة على مستوى الاقتصاد العالمي.
وبموازاة ذلك، وصلت الليرة السورية إلى مستويات “غير مسبوقة”، مع تسجيلها 5890 مقابل الدولار الواحد، في حين أكد مواطنون لـ “السورية نت” أنها تصل إلى 6200 في السوق السوداء، وهي مستويات سعرية غير مسبوقة، تزيد حدة الأزمات التي يعيشيها السوريون.