كغيرهم من السوريين، كان فلسطينيو سورية أحد أبرز الفئات التي تأثرت بالتداعيات السورية منذ عام 2011، حين كان لهم النصيب ذاته من القصف والحصار والاعتقال والتهجير، مع تضاعف معاناة من تهجّر منهم للشمال السوري، بعيداً عن أعين وكالة “الأونرا” المعنية بشؤونهم.
وتوثق تقارير حقوقية مقتل 3207 لاجئاً فلسطينياً على يد قوات النظام بين عامي 2011 و2022، بينما لا يزال 2721 منهم قيد الاعتقال في سجون النظام، وفق أرقام “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وفيما تبرز مؤخراً معاناة المدنيين في غزة والمجازر التي تنفذها إسرائيل بحقهم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدا تفاعل الفلسطينيين في الشمال السوري واضحاً مع هذه القضية، دون التغافل عن الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي يعانون منها هم أيضاً.
لكن ما عدد السوريين في الشمال السوري؟ وأين يتوزعون؟ وما الجهات المعنية بمتابعة شؤونهم؟
فلسطينيون في الشمال
تشير الأرقام الصادرة عن “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” إلى أن حوالي 1500 عائلة فلسطينية تعيش في الشمال السوري، ممن أجبروا على ترك منازلهم في مخيمات اليرموك وخان الشيح وحندرات ودرعا وجنوب دمشق.
وبحسب الإحصائيات الصادرة في يوليو/ تموز الماضي، تتوزع العائلات الفلسطينية ضمن ثلاث مناطق رئيسية هي: إدلب وريفها، وعفرين، وريف حلب الشمالي.
وتضم محافظة إدلب العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري بواقع 819 عائلة، يتوزعون على مختلف مدنها وقراها، خاصة في إدلب المدينة، التي يعيش فيها 226 عائلة فلسطينية.
وفي مخيمات النزوح، يقطن العدد الأكبر من فلسطينيي سورية في مخيمي العطاء ودير بلوط (المحمدية).
إذ تعيش في مخيم عطاء نحو 400 عائلة بينهم 73 عائلة فلسطينية، فيما تعيش أكثر من 250 عائلة فلسطينية في مخيم دير بلوط بريف عفرين.
وتقدر “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” عدد الفلسطينيين الذين نزحوا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في الشمال السوري بنحو 5 آلاف شخص، بواقع 1500 عائلة.
“خارج دائرة الاهتمام”
بحسب تقرير “مجموعة العمل” يعيش الفلسطينيون في الشمال السوري “أوضاعاً معيشية واقتصادية وصحية توصف بالكارثية”.
وذلك “بسبب غياب متطلبات المعيشة وانتشار البطالة في صفوفهم وقلة الدخل وانعدامه في بعض الأحيان”.
وأكثر ما تأثر به الفلسطينيون في الشمال السوري هو إخراجهم من دائرة عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وحرمانهم من الخدمات التي كانت تقدمها لهم منذ عقود.
وكانت الأونروا قطعت جميع المساعدات عن العائلات الفلسطينية بمجرد وصولها للشمال السوري، بموجب عمليات التهجير وإفراغ المدن التي اتبعها النظام في المناطق التي سيطر عليها لاحقاً.
وبررت الأونروا ذلك بأن إدلب “منطقة ساخنة وخارج سيطرة النظام السوري”، مؤكدة أنها “لا تستطيع” الوصول إليها.
وعقب الانتقادات التي واجهتها الوكالة، أعلنت أنها مستعدة لإيصال المساعدات لأقرب نقطة من إدلب، وهي حماة الخاضعة لسيطرة النظام، لكن الفلسطينيين رفضوا الذهاب خوفاً من تعرضهم للاعتقال.
وتستفيد العائلات الفلسطينية في الشمال السوري من المساعدات الأممية المقدمة للسوريين أيضاً تحت ما يعرف بـ “المساعدات العابرة للحدود”، كما أنهم يستفيدون من البرامج التي تقدمها المنظمات الإنسانية هناك.
ولتنظيم أوضاعهم القانونية، تم تأسيس “مديرية شؤون الفلسطينيين”، التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة”، في فبراير/ شباط 2022، ويغطي عملها أماكن انتشار الفلسطينيين في عفرين واعزاز والباب بريف حلب.
ومن المقرر أن يشمل العمل العائلات الفلسطينية في إدلب “عندما تتهيأ الظروف المناسبة”.
وقال محمد بدر مسؤول المديرية لـ “مجموعة العمل” إن سبب تأسيسها هو “الفراغ الإداري والقانوني، الذي تركه تخلي الجهات الرسمية وغير الرسمية عن اللاجئين في شمال سورية، وعلى رأسها أونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية”.
ماذا بعد حرب غزة؟
يراقب الفلسطينيون في الشمال السوري الأحداث في غزة عن كثب، معربين عن تضامنهم مع أشقائهم، خاصة في ظل تشابه الظروف التي يعيشونها من قصف وحصار ونزوح.
وبالتزامن مع تصعيد القصف الإسرائيلي على غزة والمجازر التي خلفت أكثر من 10 آلاف قتيل فلسطيني، شهد شمال غرب سورية تصعيداً من قبل النظام وروسيا وقصفٍ طال المدنيين.
وسبق أن شهدت إدلب تصعيداً متواصلاً بالقصف من جانب قوات الأسد وروسيا، لكن اشتدت وتيرته على نحو أكبر منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووثق “الدفاع المدني السوري” مقتل 66 مدنياً بينهم 23 طفلاً و13 امرأة، بهجمات النظام وروسيا شمال غربي سورية، خلال شهر أكتوبر الماضي وحده.
تلك المعاناة، دفعت سوريون وفلسطينيون في الشمال السوري إلى تنظيم وقفات تضامنية مع سكان غزة، للتنديد بالمجازر الإسرائيلية.
إذ نظم صحفيون سوريون وفلسطينيون وقفة تضامنية في مدينة إدلب، الأسبوع الماضي، مع الصحفيين الفلسطينيين الذين طالتهم الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة.
كما نظمت “هيئة فلسطين للإغاثة والتنمية” وقفة احتجاجية في مدينة إدلب، شارك بها فلسطينيو سورية، للتنديد بالمجازر الإسرائيلية، ومن بينها مجزرة مشفى المعمداني.
وكان مراسل “السورية نت” في إدلب التقى مع فلسطينيين مهجرين من مخيم اليرموك في دمشق، إلى مخيمات الشمال السوري.
وتحدث المهجرون عن متابعتهم للأحداث الأخيرة في غزة، وتواصلهم مع أقربائهم المحاصرين في القطاع للاطمئنان عليهم، معبرين عن “وحدة الدم وتشابه الآلام”.