إحياءٌ للمهنة وتمكينٌ للنساء.. صناعة القش بإدلب تستقطب اهتمام سيدات
أطباقٌ مصنوعة من القش لوضع الطعام فيها وخبز التنور، وسللٌ لمختلف الاستعمالات المنزلية، وتحفٌ فنية تزيّن المنازل، هي انعكاس لتراث قديم وموروث شعبي، يعمل على صناعتها يدوياً عدد من النساء، بعد تلقيهن تدريبات في مركز “زمردة” بمدينة سلقين شمال غرب إدلب، بهدف إحياء هذه الصعنة التراثية وتمكين النساء اقتصادياً.
تعليمٌ وتمكين وإحياءٌ للمهنة
توضح السيدة دلال البش، مديرة مركز “زمردة” سبب الاهتمام بهذه المهنة، مشيرةً إلى أن مهنة القش هي من الحرف اليدوية القديمة التي يوليها الناس أهمية كبيرة، لأنها ترتبط بتاريخ أجدادنا وذكريات الزمن الشعبي الفلاحي، حسب تعبيرها.
وتقول السيدة دلال في حديثها لموقع “السورية نت” إن أطباق القش كانت تُستخدم سابقاً لوضع الطعام وخبز التنور داخلها والعديد من المأكولات الشعبية، والبعض يستخدمها كأثاث منزلي وتحف فنية على الجدران .
وتتابع السيدة المنحدرة من بلدة مرعيان جنوبي إدلب، أن الهدف من تعليم النساء هذه الصنعة هو إحياء هذه المهنة، بالإضافة إلى تمكين النساء وتعليمهن كيفية نسيج أطباق القش والسلل، وبيعها من أجل إعالة أُسرهن.
وعن أدوات ومراحل صناعة القش تقول السيدة دلال، أنه يتم استخدام المخرز الخاص بنسيج القش وهو عبارة عن مسمار موضوع داخل قطعة خشبية، إلى جانب أعواد القش التي تسمى “القصل”، حيث يوجد نوعان للقصل، منها الطبيعي وهو مصنوع من القمح، ومنها الصناعي البلاستيكي الموجود في معامل الحصر، ويختلف عن الطبيعي بأنه يحتاج إلى نقعه بالماء قبل النسيج به كي لايتكسر.
وتضيف: “يتم تعليم المستفيدات على كيفية غرز القطب والحشوة المتناسقة وطريقة الترسيم وكتابة الكلمات على الأطباق، حيث قمنا بنسيج أشكال متعددة من الأطباق والسلل بألوان مختلفة ورسومات وزخارف متنوعة “.
يُشار إلى أن الشمال السوري يعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار وانتشار البطالة، وانعدام المعيل لكثير من الأسر بفعل تداعيات الحرب الممتدة على مدار عقد من الزمن، كل هذا دفع عدد من النساء المعيلات للبحث عن فرص عمل تساعدهن على تأمين المعيشة.
عشرات السوريات ينتجن مئات آلاف الكمامات في ريف حلب
التجربة على لسان مستفيدات
المادة الأساسية في صناعة القش هي “قصل” القمح بعد أن تقطف منها السنابل، كونها قوية ومرنة وتتوفر بكثر في موسم الحصاد.
وتشير مديرة مركز “زمرة” دلال البش، إلى صعوبة الحصول على القصل الطبيعي، بسبب افتقار مناطق شمال إدلب لزراعة القمح ، نتيجة انحسار المساحات الزراعية بعد توسيع قوات الأسد سيطرتها جنوبي إدلب، لذا يتم اللجوء إلى القصل الصناعي لوفرته في تلك المناطق .
من جانبها، تقول السيدة نهى المحمد، إحدى المتدربات في المركز، “أثناء حضوري لدورة الأشغال اليدوية لفت نظري جمال قطع القش التي يعمل على صناعتها عدد من المتدربات، فقررت الالتحاق بدورة القش لأتعلم هذه الصنعة حتى أتقنتها”.
وعن الصعوبات التي واجهتها تقول نهى، “في بداية العمل كان التعلم صعباً جداً، لكن سرعان ماتعلمتها بإتقان، وأخطط حالياً لتعليم أختي وأمي هذه المهنة لفتح مشروع خاص بنا”.
في حين عبرت السيدة ريلاس بركات عن سعادتها بتعلم هذه المهنة، ولاقت تشجيعاً من والدها الذي يهتم بالتراث وتاريخ الأجداد، حتى باتت متقنة لها، وتستخدم ريلاس الكتابة والرسم على الأطباق والسلل التي تصنعها لتزين بها منزلها، بالإضافة إلى مشاركتها في معرض مركز “زمردة” للصناعات اليدوية .
لكن، الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة للسيدة مجد الطويل، التي تغيرت حياتها بعد تعلم صناعة القش، حسب وصفها ، إذ توضح في حديثها لـ”السورية نت” أنها خرجت من حالة الاكتئاب التي كانت تعاني منها، نتيجة النزوح من بلدتها جنوبي إدلب إلى شمالها.
وتقول إنها تفكر حالياً بمشروع خاص، تعرض خلاله منتجاتها اليدوية المصنوعة من القش وتبيعها لمساعدة زوجها في مصروف المنزل وتخفيف الأعباء عنه.
أما السيدة أميمة الخضر، إحدى مهجري كفرنبل جنوبي إدلب، تلخص تجربتها بالقول: “توفي زوجي في القصف وأصبحت معيلة لخمسة أطفال، التحقت بدورة صناعة القش لأتعلمها وأعمل بها من أجل إعالة أطفالي، وقد أتقنت هذه المهنة رغم مرض العصب الذي أعانيه في يداي”.
في حين تخطط السيدة فاتن بركات لبيع منتجاتها المصنوعة من القش في محل بيع الأدوات المنزلية الذي يملكه زوجها، وذلك بعد إتقانها لهذه المهنة حسبما تقول لـ “السورية نت”.
ومع ذلك أجمعت المستفيدات على تحديات تواجههن لدخول سوق العمل، خاصة في ظل الركود الذي تشهده أسواق إدلب، إلى جانب ضعف القدرة الشرائية لكثير من سكان تلك المناطق نتيجة غلاء الأسعار.
ورغم ما أفرزته الحرب في سورية وجائحة “كورونا” من تحديات اقتصادية في الشمال السوري، وأبرزها تقليص فرص العمل، وجدت سيدات سوريات من ثقب تلك الأزمة، فرصة جديدة لإعالة أُسرهن، عبر تعلم مهن جديدة والعمل بها لتحسين دخلهن الشهري قدر المستطاع.