تقف المنطقة على أعتاب اتفاق نووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وإن كان غير معلوم إذا كان الطرفان سيعاودان العمل ببنود الاتفاق الأول الذي تم التوصل إليه في عام 2015، أم سيتم التوصل إلى نسخة جديدة مختلفة، وبخاصة حول مدّة الاتفاق والحدود التي سيسمح بها لإيران في تطوير واستيراد تقنيات نووية بغرض الإنتاج السلمي.
الغامض في هذا الاتفاق سيكون نشاط إيران الإقليمي، ورغم أن إدارة الرئيس جو بايدن أعلنت أن هذه المسألة ستكون في صلب محادثاتها وشرطا أساسيا في مفاوضاتها مع إيران، إلا أنه من غير المتوقع أن تحصل إدارة بايدن على كل ما تطلبه من الاتفاق. ورغم ظروف إيران الاقتصادية الصعبة، إلا أنها تملك القدرة على الصبر في التفاوض لتحقيق نتائج مقبولة.
تراهن إيران في هذه المفاوضات على مسألتين قد تصبان في مصلحتها: الأولى أن إدارة بايدن ستتفاوض على أساس تفضيلاتها وأولوياتها هي بالدرجة الأولى، وليس بهدف تحقيق مصالح الأطراف الإقليمية، وإذا كان من المؤكد أن أمن إسرائيل أولوية مهمة بالنسبة لإدارة بايدن، لكن الخلاف سيكون في رؤية الطرفين لهذا الأمن وحدوده وبيئته. وفي نظر واشنطن طالما أن النشاط الإيراني بعيد عن الخط الأحمر المتمثل بالتهديد المباشر لإسرائيل، فإنه يبقى خطراً متدنياً وتكفي الإجراءات الإسرائيلية المعمول بها راهناً لتحجيمه وتفكيك مخاطره.
المسألة الثانية، استعجال إدارة بايدن للوصول إلى اتفاق مع إيران، بهدف التفرغ لإدارة الصراع الإستراتيجي الأوسع مع الصين وروسيا، والذي يبدو أنه سيستهلك طاقة الدبلوماسية الأمريكية في السنوات القادمة. ولهذا بدأت إدارة بايدن بالفعل في التهيؤ لهذه المرحلة، عبر إعلانها الانسحاب من أفغانستان، وكذلك تخفيف تواجدها في الشرق الأوسط إلى أدنى حد.
وللإدارة الأمريكية حسابات أمنية وسياسية أخرى، مستقاة من خبرتها التاريخية في التعامل مع الأنظمة السياسية الشبيهة بالنظام الإيراني، إذ لا ترغب بوصول إيران إلى إنتاج القنبلة النووية وتحوّل ذلك إلى أمر واقع، كما حدث مع كوريا الشمالية والهند وباكستان، حينئذ ستجد واشنطن نفسها مضطرة إلى إعادة حساباتها وتغيير سياساتها تجاه إيران، وسيصبح أي إجراء غير محسوب ضد إيران ذا كلفة لن تستطيع المنطقة احتمالها.
وفي الغالب، فإن نقاشات واشنطن مع قادة المنطقة، تدور حول هذه النقطة التي تشكّل نقطة حوار في نظرية إدارة بايدن بخصوص عقد الاتفاق النووي مع ايران، وهي نفس النظرية التي ارتكز عليها باراك أوباما حين أصر على السير بتوقيع الإتفاق النووي مع ايران عام 2015، رغم اعتراضات أمريكية وإقليمية في حينه.
وفي نظر الولايات المتحدة الأمريكية، أن أفعال مثل استهداف مجمع نطنز النووي ليست سوى محاولات خرقاء من جانب حكومة بنيامين نتنياهو، ولن يكون لها تأثير على سير المشروع النووي الإيراني، وهو ما يحسب لإيران التي استطاعت وضع واشنطن أمام خيارين وحيدين: إما التوصل لاتفاق مع إيران وإلغاء العقوبات الاقتصادية والإفراج عن الأموال المحتجزة، وإما أن إيران ستتوصل إلى إنتاج القنبلة النووية في غضون زمن محدود. والمؤكد أن إدارة بايدن تملك معطيات في هذا الإطار تدفعها إلى هذا الاستعجال.
ربما ما يعنينا في هذه المنطقة، وبالتحديد في المشرق العربي، هو الانتعاش الكبير الذي سيتحقّق للمشروع الجيوسياسي الإيراني، والديناميكيات التي ستنتج عن هذا المتغير.
ويبدو أن تقييم الإدارة الأمريكية للأوضاع في هذه المنطقة يقوم على أنها منطقة حروب أبدية، وقد يكون هذا الدافع الأساسي وراء تخفيف الوجود الأمريكي في هذه المنطقة، لكن اللافت أيضاً التقرير الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) الذي يتوقّع استمرار الصراع والأزمات الإنسانية والتدهور الاقتصادي في سوريا خلال السنوات القليلة المقبلة.
يعكس هذا التقدير تفكير دوائر صنع القرار الأمريكي ورؤيتها لتطورات المنطقة، التي لن تكون إيجابية في المرحلة المقبلة، كما أن واشنطن لن تحاول التأثير في مسار التأزيم الحاصل، والأرجح أنها ترى في هذا الصراع جزءاً من استراتيجيتها في إغراق روسيا في صراعات تستهلك طاقتها، وتعطيل مشروع الصين الجيوسياسي” الحزام والطريق”، عبر استمرار التوتر والاضطراب في المشرق العربي، وبالتالي فإن السياسة الأمريكية ستقوم على أساس ترك هذه المنطقة تتعفن بصراعاتها وتتحول إلى ثقب أسود يبتلع جهود خصومها، وهي ذاتها الإستراتيجية التي اتبعتها إدارة أوباما، والتي أصبح الكثير من عناصرها أركانا أساسية في إدارة بايدن.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت