إدلب تواجهُ “كورونا” بمنظومة طبية “هشة” دمرتها طائرات روسيا والأسد
سرير واحد لكل 2378 إنسان ووحدة عزل لكل 125 ألف
تصاعدت المناشدات المحلية والدولية، خلال الأيام الماضية، لتوجيه الأنظار نحو الشمال السوري، والتدخل الفوري والسريع لتقديم المساعدة لمواجهة انتشار فيروس “كورونا المستجد”، الذي إن وصل إلى المنطقة ستكون “كارثة حقيقية” بحسب وصف منظمات صحية.
وقبل 20 يوماً، أعلنت منظمة الصحة العالمية تصنيف فيروس “كورونا” بأنه “جائحة”، لتبدأ الحكومات في دول العالم بدق ناقوس الخطر، واتخاذ إجراءات على الأصعدة كافة، الصحية والاجتماعية والاقتصادية، للتصدي للفيروس ومنع انتشاره.
لكن الشمال السوري، والذي يضم أكثر من أربعة ملايين نسمة، بظروف معيشية وصحية صعبة، تُرك وحيداً لمواجهة الفيروس، بإمكانيات محدودة وقطاع صحي متردي، بعد أشهر ماضية، من قصف وتدمير من قبل طيران النظام السوري والحربي الروسي، واستهدف البنى التحتية بما فيها المشافي والمراكز الطبية.
قطاع صحي هَشْ دمرته طائرات بوتين والأسد
ولم تسجل أي حالة بالفيروس في الشمال السوري، حتى اليوم الثلاثاء 31مارس/آذار، حسب ما أكده وزير الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة”، مرام الشيخ، في تسجيل مصور، بعد إجراء اختبار لـ 15 حالة مشتبه بها خلال الأيام الماضية.
لكن ذلك لم يمنع منظمات محلية ودولية، من تجديد مخاوفها، وصول كورونا، إلى محافظة ادلب ومحيطها، بسبب قلة المراكز الصحية، وضعف امكانياتها، إذ أسفرت الحملات العسكرية للنظام وروسيا على الشمال السوري، خلال الأشهر الماضية، في إخراج أكثر من 60 مشفى ومركزاً طبياً عن الخدمة، وفقاً للدفاع المدني في إدلب.
وحسب إحصائية نشرها فريق “منسقو الاستجابة”، يوم الجمعة الماضي، فإن عدد الأسرَة ضمن المشافي الموجودة يبلغ 1689 سريراً ضمن الجاهزية، أي ما يعادل 2378 نسمة لكل سرير واحد، في حين يبلغ عدد أسرة العناية المركزة 243 ضمن الجاهزية، أي ما يعادل 16534 نسمة لكل سرير واحد.
ويبلغ عدد المنافس (أجهزة التنفس الصناعي) 107 أجهزة أي ما يعادل 37549 شخصاً لكل منفسة واحدة، في حين يبلغ عدد وحدات العزل الطبي 32 وحدة عزل أي ما يعادل 125554 شخصاً لكل وحدة عزل.
وتوحي الأرقام السابقة بوقوع الكارثة، يمكن أن تحصل في حال وصول فيروس كورونا إلى الشمال السوري، خاصة وأن عدد النازحين يبلغ مليون و41 ألفاً و233 شخصاً، معظمهم يعيشون في المخيمات على الحدود التركية، فضلاً عن نحو 2.5 مليون نسمة، يعيشون ظروفاً صعبة في بلداتهم وقراهم.
ورغم وجود عدد من المنشآت الطبية في محافظة إدلب ومحيطها(أرياف حلب وحماه واللاذقية الخارجة عن سيطرة النظام)، إلا أن مدير وحدة المعلومات، في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، أكد أنها غير مجهزة لمواجهة مثل هذه الفيروسات.
وقال شعبان لـ”السورية. نت”، اليوم الثلاثاء، إن المنشآت الصحية في إدلب تعرضت لعدة هجمات خلال الفترة الماضية من قبل روسيا ونظام الأسد، ما أدى إلى تدمير أغلبها بشكل كامل أو جزئي، ومنها ما يعمل بطاقة كاملة أو بنصف الطاقة أو لا يعمل نهائياً.
وبحسب شعبان فإن الخطورة تكمن في الكثافة السكانية في إدلب والمساحة الصغيرة التي يقطن بها ملايين السوريين، والعيش في مخيمات عشوائية لا تحتوي أدنى مقومات الحياة الإنسانية، فضلاً عن مقومات مواجهة كورونا، واصفاً الوضع بأنه “سيء جداً بشكل عام”.
إدلب لوحدها
ولم تصدر أي خطوات فعلية من قبل المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية، توحي بالاهتمام الكبير بإدلب والتصدي لكورونا، إذ تأخرت في إرسال كيتات الاختبار والتي لم يبلغ عددها سوى القليل.
وقال وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، مرام الشيخ، عبر حسابه في “تويتر”، الجمعة الماضي، إن “وحدة تنسيق الدعم استلمت 600 فحص للكشف عن الفيروس من منظمة الصحة العالمية، وهذه الدفعة الأولى، من عدد 2000 فحص مخبري كانت قد وعدت بها منظمة الصحة العالمية”.
في حين أرسلت منظمة الصحة منذ أسابيع 1200 فحص للنظام، لاستخدامها في مناطق سيطرته.
وأكد الشيخ أن النظام الصحي في إدلب “قد يكون عاجزاً عن احتواء اي جائحة محتملة لفيروس كورونا(…) لذلك علينا حشد كل الطاقات في كل القطاعات الأخرى، احتواء كورنا أصبح مسؤولية كل القطاعات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع كاملا عموماً”.
وقالت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، إن “تخلي العالم عن اللاجئين في إدلب بسورية، في هذه الفترة العصيبة من محنتهم، التي فاقمها الخوف من وباء كورونا، لن يمر دون عقاب للعالم”.
وأضافت أن “الرؤساء والملوك ورؤساء الحكومات والقادة العسكريين على نطاق العالم، سيقفون جانباً كما فعلوا طوال فترة انزلاق سورية إلى العنف، ليشاهدوا انفجار الوضع في إدلب وتمدده إلى بلدانهم نتيجة تقاعسهم”.
واعتبر السفير الأمريكي السابق في سورية، روبرت فورد، في مقالة له بـ”الشرق الأوسط”، قبل أيام، أن “الأوضاع في الشمال السوري يهيئ المجال لانتشار الفيروس إلى الكثير من النازحين، وبطبيعة الحال، لا تتوفر هناك الكثير من العيادات أو المستشفيات بسبب القصف الجوي”.
من جهته اعتبر مدير وحدة المعلومات في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، أن “إدلب تُركت لوحدها، والدعم الذي قُدم من المجتمع الدولي هو دعم بسيط لا يناسب حجم الكارثة، إذ كان عليه أن يتدخل من اليوم الأول ويقدم مساعدات إضافية ويدعم برامج محلية للتوعية التي تأخرت في تنفيذها لاحقاً”.
وأعرب شعبان عن تخوفه من كارثة في حال انتشار الفيروس، مشيراً إلى الحظر التي طبق من قبل السلطات التركية في مدينة الريحانية الحدودية مع إدلب، معتبراً أن ذلك “مؤشر خطير بسبب الحركة بين المدينة التركية والشمال السوري من دخول البضائع والمدنيين”.
ومع انشغال العالم في مواجهة “كورونا”، تبقى مدينة إدلب تواجه الفيروس لوحدها بسلاح واحد فقط، هو سلاح وعي الشعب والتزامه بحملات التوعية التي تقوم بها مديرات الصحة والمنظمات والعاملين في الدفاع المدنية، والالتزام الكامل بهذه التعليمات.