أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا تريد إرساء الاستقرار في سوريا، ولن تتردد في القيام بكل ما يلزم إزاء ذلك بما يشمل استخدام القوة العسكرية. لكن احتمال وجود قناعة أخرى أميركية روسية ترى أن إيران تراجع دورها ونفوذها في سوريا ولم يعد بمقدورها التمرد والاعتراض لأن السيف الأميركي مسلط فوق رأسها، وأن الوقت قد حان لمواجهة الطلبات والاعتراضات التركية التي لا تنتهي في سوريا موجود أيضا.
التصعيد العسكري الروسي المباشر ومواصلة سياسة الأرض المحروقة في شمال غرب سوريا، محاولة روسية جديدة لترتيب طاولة حوار سوري فيها كثير من التنازلات لصالح موسكو والنظام في دمشق. لكن موسكو قد تكون تفعل ذلك بعلم وموافقة واشنطن وفي إطار صفقة روسية أميركية جديدة على مستقبل التسويات في سوريا بين الاحتمالات.
موسكو فاوضت واشنطن على الموضوع الإيراني في سوريا وها هي اليوم تذهب وراء تقديم العروض المغرية لأميركا لمقايضتها بعلاقاتها وتحالفاتها مع تركيا في سوريا أيضا.
لم يأخذ الأتراك في حزيران المنصرم بقول المبعوث الأميركي المكلف بالملف السوري، جيمس جيفري، أن التراجع التركي في إدلب، أو الدخول في تفاهماتٍ أمنيةٍ جديدةٍ مع الروس باتجاه قبول سوتشي معدل ستكون تبعاته مكلفة، لأنه سيطلق يد روسيا في سياسة القضم التدريجي لآخر جيوب المعارضة، ويسحب منها آخر أوراقها العسكرية والسياسية في سوريا. فهل يقبلون ما قاله قبل أيام حول أن أنقرة تدفع ثمن الثقة بموسكو في الملف السوري؟
الحقيقة هي أن التحذيرات الأميركية تتعارض مع ما قاله جيفري نفسه
وحيث يبدو أنه الاحتمال الأقرب والأقوى الذي يتقدم في إدلب وسوريا ككل، روسيا وأميركا اختبرتا إمكانية فرص التعاون بينهما حول الملف السوري، والهدف لم يكن فتح الطريق أمام تفاهمات أستانا وسوتشي بل نسفهما لصالح الصفقة الأميركية الروسية الأكبر في سوريا.
احتمال أن يكون قرار التصعيد على جبهات إدلب هو أميركي بتنفيذ روسي بعدما تراجعت العلاقات التركية الأميركية في سوريا وتعقد المشهد على أكثر من جبهة وتعارضت وتضاربت المصالح التركية مع واشنطن وموسكو. الجواب هو عند موسكو طبعا: ما الذي ستقوله وتفعله غير تكرار عبارة إن ما يجري حلقة من تفاهمات سوتشي للإسراع في إنجاز خطة إحراج أنقرة في سيناريوهات مشاركتها بما يجري تمهيدا لفتح الطريق أمام قوات النظام للتقدّم نحو الحدود التركية السورية، والانتشار داخل منطقة تخفيض التوتر المتفق عليها بين أنقرة وموسكو والتمسك بطرح أن أنقرة على علم بكل التفاصيل والتذكير باللقاء الأمني الذي سبق كل هذا التصعيد بين هاقان فيدان وعلي مملوك في العاصمة الروسية؟
التصعيد الروسي الإيراني عبر قوات النظام السوري على جبهات إدلب قد يكون يهدف للتخلص من مجموعات النصرة في المنطقة بعدما فشلت أنقرة في تنفيذ التزاماتها أمام طاولة سوتشي. وهو أيضا قد يضع موضوع السيطرة الروسية على الطرق الدولية في الشمال السوري لفتحها بين المدن الكبرى تحت ذريعة إنعاش الاقتصاد السوري المدمر، أو إلزام تركيا بقبول سوتشي جديد يأخذ بعين الاعتبار التحولات الميدانية والعسكرية ومنها ضرورة سحب أبراج المراقبة التركية من المنطقة، أو الضغط باتجاه إلزام قوى المعارضة السورية بقبول الوضع الميداني والعسكري الجديد لترجمته وتجييره إلى طاولة مفاوضات سياسية جديدة تلزم بقبول الحد الأدنى بعد سنوات طويلة من الحراك الثوري. في العلن وحسب موسكو، أنقرة أخطأت أكثر من مرة في التعامل مع الملف السوري وهي اليوم تحديدا تدفع ثمن تأخرها في حسم موضوع جبهة النصرة، لكن مؤشرات كثيرة تقول إن موسكو تريد التحرر من القيود التركية في سوريا: رفض المشروع الفدرالي والتمسك بإبعاد الأسد عن مسار المرحلة الانتقالية والإصرار على عمليات عسكرية جديدة في غرب الفرات وشرقه تكرس منع دمج الكانتونات الكردية والتمسك حتى النهاية بالتفاوض على ورقة النصرة والأهم من كل ذلك طرح تركيا لخطة إنشاء منطقة آمنة جديدة في شمال غرب سوريا مشابهة لحالات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام تبقي النازحين السوريين داخل المناطق الحدودية السورية وتسقط مشروع موسكو بإيصال قوات النظام إلى المناطق الحدودية مجددا.
نجحت أنقرة حتى الآن في قلب طاولة التوازنات الليبية وفرضت نفسها
على الجميع هناك. الرد التركي في إدلب لا مهرب منه لأن الأسئلة وعلامات الاستفهام كثيرة وتنتظر إجابات وتوضيحات حول ما الذي يجري وسيجري لاحقا. من الذي يضمن أن التحرك الروسي العسكري الجديد سيتوقف عند حدود إدلب ولن يتوسع باتجاه مناطق درع الفرات وغصن الزيتون؟
ما يجري في إدلب اليوم لا بد أن يحمل معه كثيرا من المتغيرات والتحولات والاصطفافات المحلية والإقليمية على مستوى الملف السوري والتحالفات في المنطقة. لا يمكن قبول حالة التناقض هذه في انتشار حوالي نصف مليون مدني سوري أمام المناطق الحدودية التركية في إدلب ينتظرون فتح الأبواب أمامهم والإعلان في أنقرة عن عودة عشرات الآلاف من السوريين الطوعية إلى ديارهم.
قبل أسابيع كان الدبلوماسي الأميركي جيمس جيفري يردد أن بلاده وروسيا يختبران إمكانية فرص التعاون بينهما حول الملف السوري، وإنه إذا ما نجحت البداية في موضوع وقف إطلاق النار في إدلب، فستبدأ مرحلة اتخاذ القرارات الصعبة. مرة أخرى وللتذكير فقط القرارات الصعبة قد تعني مصيدة أميركية روسية جديدة للأتراك إذا لم يتعاملوا سريعا مع اعتداءات وخروقات يومية تستهدفهم هم وحلفائهم في سوريا.
من الأقوال التركية المأثورة الذي يدفع الثمن دائما هو البيضة سواء سقطت هي فوق الحجر أو سقط الحجر فوقها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت