إسكافيّو “سيالكوت” جعلوها عاصمة لكرات القدم وأدخلوا باكستان كأس العالم
رغم بُعد المنتخب الباكستاني عن منافسات كرة القدم، لكن عمال مدينة سيالكوت منحوا بلادهم فرصة لحضورٍ شبه دائم في نهائيات كأس العالم، وأقوى الدوريات الأوروبية.
تقع سيالكوت شمال شرق باكستان، وهي من المدن الصناعية في البلاد، استمدت شهرتها الواسعة من مصانعها وورشاتها الصغيرة، التي تصنع كرات القدم بدقة عالية منذ عقود.
وأصبحت المدينة مورّداً رئيسياً لأقوى البطولات الكروية، منها دوري أبطال أوروبا أو الدوري الفرنسي والألماني، وصولاً إلى كأس أمم أوروبا وكأس العالم.
وشكلت هذه الصناعة دخلاً رئيسياً لآلاف الأسر في المدينة والقرى المحيطة بها، كما اتخذتها بعض العائلات دخلاً ثانوياً لها.
كيف بدأت هذه الصناعة
كانت باكستان قبل حوالي قرن جزءاً من مستعمرة الهند التابعة للتاج الملكي البريطاني، حتى حصلت على استقلالها عام 1947.
البريطانيون المعروفون بحبهم لكرة القدم، مارسوا اللعبة في مستعمرة الهند، لكن عطب كراتهم حال دون ممارسة اللعبة، ولإصلاحها يجب إرسالها إلى بلادهم، وذلك يحتاج وقتاً طويلاً.
لاحقاً، استطاع إسكافيٌ (مُصلح أحذية) مدينة سيالكوت، إصلاح كرات البريطانيين، وتطور الأمر شيئاً قشيئاً، حتى صُنعت كرات مشابهة في باكستان من الجلد الطبيعي، بحسب وثائقي نشرته قناة “الجزيرة الوثائقية“.
شجع ذلك البريطانيين على استيراد المواد الأولية وصنع الكرات في سيالكوت، وسُجل أول مصنع للكرات في المدينة عام 1935.
70% من الكرات تصنع في سيالكوت
تنتج مصانع سيالكوت حوالي 70% من كرات القدم حول العالم، حسب تقرير لموقع “businessinsider“، المتخصص بالشؤون المالية والتجارية نشر أواخر 2020.
كما تنتج المدينة مختلف أنواع الكرات والمعدات الرياضية عالية الجودة، مثل مضارب الكريكيت والأطقم الرياضية والأحذية والقفازات والمعدات الطبية.
وتُصدّر باكستان سنوياً معدات وسلع رياضية بحوالي مليار دولار، قيمة ما تصدره من كرات القدم من مجمل هذه الصادرات بين 350 إلى 500 مليون دولار، وفق ما نقلته قناة “الجزيرة” عن رئيس جمعية السلع الرياضية الباكستانية، حسنين شيما.
وذكر تقرير لموقع “DW” الألماني، أن مصنع “بولا غيما” (أحد مصانع سيالكوت) ينتج سنوياً حوالي 160 ألف كرة، أما شركة “ديربي ستار” مورد الدوري الألماني للكرات تصنّع جميع كراتها في باكستان، ويمكن أن تنتج مصانع سيالكوت المتعاقدة مع الشركة في أوقات الذروة 100 ألف كرة شهرياً.
ألف مصنع وورشات منزلية للإنتاج اليدوي
عمليات تصنيع كرات القدم تنتشر في مختلف أرجاء المدينة، سواء في منازل المدينة وريفها، أو الورش الصغيرة والمعامل الكبيرة.
وبحسب تقرير لموقع “businessinsider“، نشر أواخر 2020، تحوي سيالكوت نحو ألف مصنع لإنتاج كرات القدم، يعمل فيها حوالي 60 ألف شخص.
وكان إنتاج الكرات معظمه يتم يدوياً عبر خياطة الكرات واستخدام الآلات في مراحل محدودة، ثم تطور لاحقاً بإدخال آلات لخياطة القطع حسّنت من جودة ودقة الكرات.
وتعتبر “فيفرنوفا” كرة مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، آخر كرة مونديال يتم خياطتها يدوياً.
ارتفاع متطلبات الجودة أدى إلى استيراد المعامل، لآلات جديدة وإدخالها في خطوط الإنتاج.
ولم يعد تصنيع كرات كأس العالم يعتمد على خياطة القطع، إنما بلصق قطعها حرارياً عبر الآلات، وهو ما طُبق بالفعل في صناعة كرة مونديال 2014 في البرازيل (بارازوكا).
أما صناعة الكرات في الورش والمنازل، فإنه يعتمد بشكل أساسي على الخياطة اليدوية، حيث تتشارك العائلات في هذه الصناعة، التي تُعد دخلاً رئيسياً لبعضها، وثانوياً لعائلات أخرى تعمل مثلاً في زراعة الأراضي أو تربية الحيوانات.
ويصل سعر الكرات ببعض الدول إلى 100 دولار أمريكي، وهو مبلغ يساوي راتب شهري للعاملين في معامل سيالكوت وأحياناً يفوقه، حسب موقع “businessinsider“.
كما خضع قطاع صناعة الكرات للمراقبة والتدقيق الدولي لأول مرة أواخر التسعينات، عندما اتُّهمت بعض المصانع بتشغيل أطفال في خياطة الكرات يدوياً.
و قلل الانتقال إلى المكننة، وخضوع المعامل لنوعٍ من الرقابة، من عمالة الأطفال.
اختبارات مختلفة للتأكد من الجودة
تخضع الكرات لعدة اختبارات حسب النوعية والجودة التي تطلبها الشركات من المعامل، فكرات كأس العالم والدوريات والبطولات الإقليمية والقارية تخضع لاختبارات مخصصة قبل تسليمها للشركات.
وأوضح تقرير لوكالة “فرانس برس“، أنواع الاختبارات التي خضعت لها “بارازوكا” كرة مونديال البرازيل عام 2014.
وشملت اختبارات “بارازوكا” الضغط ومقاومة الماء والضربات العنيفة.
يضاف إلى ذلك اختبارها بأقصى الظروف (نسبة رطوبة 95% ودرجة حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية)، وببيئة معاكسة كالأرض الجافة جداً (نسبة الرطوبة 10%) ودرجة الحرارة أقل من 50 درجة.
وأدى تطوير هذه الصناعة والانتقال بها من الخياطة اليدوية إلى اللصق بين القطع آلياً، إلى توحيد جودة ومعايير الكرات، ولم تغفل المصانع إنشاء فرق للدعم والبحث والتطوير.