ابن المسنّة السورية في عنتاب يروي تفاصيل جديدة..لماذا لم يشتكوا للشرطة؟
أدان كثير من السوريين في تركيا وخارجها أمس الثلاثاء، وكذلك من المواطنين الأتراك في وسائل التواصل الاجتماعي، حادثة الاعتداء بالضرب على مُسنّة سورية في مدينة غازي عنتاب، حيث مازالت القضية موضع تفاعلٍ كبير، فيما تحدث ابنها لـ”السورية.نت” عن تفاصيل إضافية حول وضع والدته الصحي والذهني والقانوني.
القبض على الشاب التركي الذي اعتدى على السيدة السورية ليلى قدور دعاس، ووعود والي عينتاب، داوود غول بمحاسبته، لاقت استحسان سوريين وأتراك، أثار الاعتداء حنقهم، لكن تعليقات سوريين حذرت من الاكتفاء بالتحرك فيما يخص هذا الاعتداء فقط، لارتباط القضية بـ”دوافع عنصرية”، تحتاج حلول جذرية.
وبعد أن تصدرت القضية اهتمامات أتراك وسوريين، من بينهم سياسيين وحقوقين وناشطين، شابت الحادثة بعض الغموض في تفاصيلها، مثل تاريخها الحقيقي، ولماذا غابت الشرطة بداية عن القضية، إضافة إلى بعض النقاط الأخرى التي تحتاج توضيح.
وتواصل فريق “السورية.نت”، مع محمد حجو، وهو ابن السيدة ليلى ويقيم معها، حيث قال إن حالة والدته حالياً مستقرة، ويمكن تخريجها من المشفى غداً.
حادثة الاعتداء حصلت يوم الجمعة الماضي، في منطقة “كوزال وادي”، بمدينة غازي عنتاب، وفق ما يؤكد ابن الضحية، مضيفاً أنه في ذلك اليوم، علم بخروج والدته التي تعاني اضطرابات ذهنية، حيث اتصل به بعض الجيران و طالبوه بالعودة من عمله والبحث عنها.
وتابع: “عندما بدأت البحث، وجدتها ما تزال ضمن المنطقة، لكنها تجلس على كرسي وهي تتألم من ضربة تلقتها على وجهها، وحولها عدة أشخاض، قام بعضهم بتصويرها”.
تحذيرات..ومخاوف
يبين محمد، أن الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل، شاهده في يوم الحادثة، عبر جهاز المحمول لصاحب المنزل الذي يستأجره محمد وشقيقه ووالدتهما.
وفي إجابته على سؤال حول أسباب عدم اللجوء للشرطة حينها، قال إن تحذيرات تلقتها عائلته من جيرانها ومعارفها من السوريين والأتراك، بعدم الشكوى، خشية تعرضهم لـ”وجع الرأس”. حسب وصفه. في إشارة إلى مشكلات واجهت سوريين داخل مراكز شرطة، سواء كانوا ضحايا أم مُدانيين.
وحولما إذا كانت هناك معوقات إدارية وقانونية يعانون منها، دفعت إلى عدم تقديم الشكوى، أكد محمد أن بطاقات “الحماية المؤقتة”نالخاصة بهم “نظامية وفعّالة”، باستثناء والدتهم، التي احتجزت بطاقتها، عقب حادثة سجنها قبل نحو 3 أشهر، بعد شكوى قُدمت ضدها لـ”اتهامات بالسرقة”. منوهاً إلى أنه جرى إعادة تفعيل بطاقة الوالدة واستلامها من قبل شقيقه، أمس الثلاثاء.
وكانت مواقع إخبارية سورية، قد ذكرت، أن الاضطرابات الدماغية التي تعانيها السيدة ليلى، تدفعها في أحيان عدة إلى الدخول لمحال بيع مواد غذائية، وتتناول حاجيات منها وتغادر المكان، دون تسديد قيمة المواد التي أخذتها.
وفيما يتعلق بتفاصيل حادثة سجن والدتهم، قال ابن الضحية، بأنه عقب الشكوى التي قُدمت ضد والدته، سُجنت لنحو 5 أيام، قبل أن يجري إرسالها إلى مركز ترحيل الأجانب في “أوزيلي” بغازي عنتاب، وسحب “الكمليك” منها.
وأضاف محمد:”كانت هناك نية لترحيلها”، لكن حسب كلام والدته له، فإنها أُرسِلت من السجن إلى مستشفى، لتخرج منها عقب ذلك، وتمنح ورقة لاستلام بطاقتها فيما بعد.
واستدرك: “قبل نحو شهر، وصلتنا ورقة تبليغ لها من المحكمة، وموعد الجلسة بعد نحو 8 أيام من الآن، لا نعلم إن كان ما زال هذا الموعد جارياً أم لا؟”.
وعن حالة والدته الصحية، أكد محمد أنها فعلاً مريضة، وليست بوعيها الكامل منذ حادثة وفاة أحد أشقائه (حسين كان عمره 11 عاماً) بحادثة أثناء لعبهِ في حديقة عامة، عقب أشهر من مغادرتهم محافظة حلب إلى تركيا سنة 2012.
الخشية تطال الضحايا
قضية خشية السوريين من اللجوء إلى مراكز الشرطة التركية، عند تعرضهم لمواقف عنصرية أو اعتداءات وتجاوزات، من القضايا التي تُشكل ضغطاً إضافياً عليهم، ولعل قضية السيدة السورية ليلى المثارة حالياً، من الأمثلة الحديثة على ذلك.
يقول الناشط الحقوقي المهتم بقضايا السوريين في تركيا، طه الغازي، لـ”السورية.نت”، إن ما جرى من إحجام عائلة السيدة ليلى عن الشكوى “ليست بالجديدة”، مذكراً بحوادث أخرى مشابهة، مثل حادثة مقتل ثلاثة سوريين حرقاً في ولاية أزمير قبل أشهر، وكان عدم وجود بطاقات “حماية مؤقتة”، لاثنين من أشقاء الضحايا، من دوافع عدم تقديمهم شكوى، إذ قد يتعرضون للترحيل في حال وجودهم ضمن مركز شرطة دون حيازتهم لبطاقة “حماية مؤقتة”.
ويضيف الغازي، أن “السوريين عندما يتعرضون لسلوكيات واعتداءات عنصرية، ورغم أنهم ضحايا، إلا أنهم يتخوفون من ارتياد مراكز الشرطة، لخشيتهم من عناصر يتصرفون معهم بشكل عنصري، وهي إن لم تكن بالحالة العامة، لكنها موجودة”.
وذكّر الغازي، بأن من الأسباب الإضافية لإحجام سوريين عن التوجه للشرطة في حال واجتهم مشاكل، ما لوحظ مؤخراً من كيفية تعامل “الهجرة التركية” مع الحالات المتعلقة بالسوريين، وأنه “مجرد تقديم أي شكوى بسيطة ضد أحدهم، فإنها قد تؤدي إلى توقيفه، ومن ثم ترحيله”.
وضرب الناشط الحقوقي أمثلة على ذلك، ما حصل قبل أسابيع في قضية الشاب السوري حمزة حمامي في خي “باغجيلر” باسطنبول، الذي وضع كرسيه في منتصف الطريق بعد مشاجرة مع شاب تركي رفع عليه ساطوراً ، قتم إلقاء القبض على حمزة بعد انتشار صور المشاجرة في وسائل التواصل “ورغم أن المحكمة برأته، لكن رئاسة الهجرة أعادت توقيفه مرة أخرى”.
ومن الأمثلة الأخرى، وفق كلام الحقوقي، ما جرى في وقت سابق “لشابة سورية في منطقة الاصلاحية التابعة لولاية عينتاب، عندما ذهبت إلى مدرسة للشكوى من تصرفات عنصرية لإحدى المعلمات، لتعمد الأخيرة إلى تقديم شكوى كيدية ضدها، بالشتم والسب، وتوقفت على أثرها الفتاة في مركز أوزيلي مدة 14 يوماً، رغم تبرأتها من التهمة”.
“الطريق أصبح مفتوحاً”
هذه الحوادث ومثيلاتها، بحسب ما يرى الغازي، فتحت الطريق “لبعض عناصر الشرطة وموظفين يتبعون رئاسة الهجرة من أجل توقيف اللاجئ السوري وارساله للترحيل”، واصفاً هذه التصرفات ب”الوخيمة من حيث نتائجها”، وأن “جارك في المحل أو العمل قد يكون عنصرياُ، ويقدم شكوى كيدية بهدف ترحيلك”.
وحول الحلول يرى الناشط الحقوقي، بأنها تحتاج إلى “معالجة جذرية من دائرة الهجرة لمشاكل السوريين الإدارية والقانونية، وتحديداُ المرتبطة منها بالكمليك(بطاقة الحماية)”.
وشدد في هذا الإطار، على أن “القوانين الدولية والتشريعات القانونية التركية، توجب على الشرطة فتح ضبط وتدوين الحوادث التي يتعرض لها سوريون في منطقة ما، حتى وان لم تكن لديه وثائق رسمية” في الدولة التي يقيم فيها، “ويكفي هنا هويته أو جواز سفره أو أي ورقة تثبت شخصيته، وهذا غير معمول به في كثير من الأحيان”. حسب قوله.
وذكّر الغازي في هذا السياق، بـ”حادثة اغتصاب طفلة سورية في مدرسة بأسنيورت”، بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2020، عندما رفض مركز شرطة الحي فتح ضبط في الحادثة، بحجة عدم امتلال الطفلة او والدتها لوثيقة “الحماية المؤقتة”، لكن بعد تدخل جهات حقوقية “فتح مركز الشرطة تحقيقاً في الجريمة”.
مشاعر العداء تتصاعد
ويقيم في تركيا نحو 4 ملايين سوري، يحمل 3.7 مليون منهم بطاقة “الحماية المؤقتة”، حسب الاحصائيات الرسمية.
وتصاعدت مشاعر العداء وحملات الكراهية ضد ملف الوجود السوري في تركيا مؤخراً، حيث سبق وحذر باحثون من أن هذا الخطاب العنصري آخذٌ بالتصاعد سريعاً، بموازاة ارتفاع نبرة أحزاب تركية ضد السوريين، خاصة أن منتصف العام القادم سيشهد انتخابات برلمانية ورئاسية تركية.