عاد التوتر مجدداً إلى ملف اللاجئين السوريين في لبنان، مع تصاعد الخطاب الإعلامي والسياسي ضد وجودهم، وارتفاع النبرات المطالبة بإعادتهم إلى بلدهم، رغم التحذيرات الحقوقية من الخطر الأمني المترافق مع حركات العودة القسرية.
وفيما يرى محللون أن موجة التصعيد هذه هي الأكبر نسبياً خلال السنوات الماضية، تحاول السلطات اللبنانية احتواء هذا التوتر الشعبي الداخلي عبر فتح ملف الترحيل القسري، لسوريين تعتبرهم الدولة اللبنانية “مخالفين” لأسباب عدة، أبرزها دخول الأراضي اللبنانية بطريقة “غير شرعية”.
أسباب وراء التصعيد
يرى المدير التنفيذي لـ “مركز وصول لحقوق الإنسان”، محمد حسن، أن لبنان يستخدم ملف اللاجئين كـ ورقة أساسية للضغط على المجتمع الدولي، من أجل الحصول على التمويل منذ بداية أزمة اللجوء السوري.
ويقول في حديثه لـ “السورية نت”، إن التصعيد الحالي ضد السوريين يأتي على مشارف مؤتمر “بروكسل” لدعم مستقبل سورية، والذي ينعقد كل عام بحضور المانحين الدوليين، لتقديم الدعم المالي للسوريين في الداخل وفي دول الجوار والحكومات المستضيفة لهم.
وتابع: “نلاحظ أن ارتفاع وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان بحق السوريين في لبنان، مع استمرار التحريض المجتمعي من خلال الخطابات التمييزية بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، كانت تتزايد مع بدء التحضيرات لمؤتمر بروكسيل لدعم سورية ودول الجوار”.
وأرجع حسن سبب التصعيد الحالي ضد السوريين إلى الانهيار الاقتصادي الحاصل في لبنان بسبب انهيار الليرة والعراك السياسي منذ أواخر عام 2019.
مضيفاً: “بما أن لبنان اعتمد في السنوات الأخيرة بشكل أكبر على المساعدات الدولية، التي انخفضت عن السابق بعد الحرب الأوكرانية، أصبح يولي اهتماماً أكبر لملفين أساسيين، هما ترسيم الحدود البحرية، وملف اللاجئين”.
ويعاني لبنان من انهيار اقتصادي حاد منذ أواخر عام 2019، في أزمة صنفها البنك الدولي على أنها واحدة من أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ أواسط القرن 19، ما دفع أكثر من ثلاثة أرباع السكان إلى براثن الفقر، وأدى إلى ارتفاع وتيرة الهجرة نحو أوروبا.
ويبلغ عدد السوريين المسجلين في لبنان كلاجئين نحو مليون سوري، من أصل 6 ملايين نسمة يعيشون في هذا البلد.
الترحيل.. ورقة بيد الجيش
وثقت منظمات حقوقية قيام السلطات اللبنانية بترحيل عدد من السوريين إلى سورية، خلال شهر أبريل/ نيسان الجاري، وتسليمهم للنظام السوري، تحت ذرائع عدة تتعلق بعدم امتلاكهم أوراق ثبوتية ودخولهم لبنان بطريقة “غير شرعية”.
وواجه الجيش اللبناني انتقدات حقوقية كونه الجهة التي تنفذ عمليات الترحيل، عبر تسليم السوريين الموقوفين إلى فوج الحدود البرية، الذي يتولّى بدوره وضعهم خارج الحدود اللبنانية، حيث اعتبر المنتقدون أن الجيش هو جهة غير مخولة بهذه المهمة.
واعتبر محمد حسن، مدير “مركز وصول” أن حملة الترحيل الأخيرة التي نفذها الجيش اللبناني، تورط لبنان بخرق القوانين والمعاهدات الدولية، وتخالف توصيات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بوجوب حماية اللاجئين الذين قد يتعرضون لأي مخاطر في بلدهم.
وحول عدد السوريين المرحلين، قال حسن إنه لم يتم حتى الآن الوصول لمعلومات دقيقة، لافتاً إلى أن “مركز وصول” وثق ما لا يقل عن 257 عملية ترحيل قسرية من لبنان.
وسجّل المركز العديد من الانتهاكات التي واجهت بعض المُرحلين، منها تعرّضهم للاعتقال التعسفي من جهة النظام السوري، وتعرّضهم للتعذيب والاختفاء القسري، فيما انقطع التواصل مع معظمهم.
خطاب إعلامي “غير مسبوق”
تصدرت موجة الكراهية ضد السوريين في لبنان المشهد الإعلامي، حيث وجهت وسائل إعلام لبنانية عبارات واتهامات اعتبرها حقوقيون “عنصرية” بحق هذه الفئة من الناس.
ويمثل التقرير الذي نشرته قناة “MTV” اللبنانية، الحالة الجدلية الأكبر ضمن التوتر الحاصل، كونه حمل عنوان “لبنان تحت وصاية سورية بلباس مدنيّ، يحكمه غازي كنعان جديد، وخريطة تظهر التوزّع المخيف للنازحين”.
وغازي كنعان هو رئيس شعبة استخبارات النظام السوري في لبنان سابقاً، خلال فترة الوجود السوري هناك والذي استمر قرابة 30 عاماً.
ويصادف اليوم الأربعاء الذكرى السنوية الـ 18 لانسحاب جيش النظام السوري من لبنان، والذي جرى في 26 أبريل/ نيسان عام 2005.
ويصف التقرير المنشور بتاريخ 12 أبريل/ نيسان الجاري، اللاجئين السوريين بـ “الغزاة”، متحدثاً عن تغييرات ديموغرافية سيشهدها لبنان خلال السنوات المقبلة، مع وصول عدد النازحين السوريين إلى 3 ملايين بعد 4 سنوات، حسب قوله.
وكانت مؤسسة “سمير قصير” نشرت دراسة قبل أيام، كشفت خلالها تصاعد خطاب الكراهية في لبنان، حتى بات “نهجاً منظّماً” تستخدمه وسائل الإعلام ويؤثر على الرأي العام.
الدراسة التي حملت عنوان “730 يوماً من الكراهية.. مدى خطاب الكراهية في الإعلام اللبناني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، استغرقت عامين من الرصد، وأشارت أنه “خلال رصد القنوات التلفزيونية تبين أن اللاجئين السوريين هم أكثر فئة مستهدفة في نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية”.
ففي دراسةٍ رصدت مدى تفشّي خطاب الكراهية في الإعلام اللبناني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أعدتها مؤسسة سمير قصير، تبيّن أن الكراهية تخطّت كونها مجرّد شعور. فظهرت كعمليةٍ تفكيرية وأداة سياسية، من شأنها أن تعطّل العلاقات الإنسانية بجوانبها كافة.#لبنان #شريكة_ولكن
2/3 pic.twitter.com/4YeV9SZ5jx— شريكة ولكن – Sharika wa Laken (@Sharika_walaken) April 16, 2023
إلا أن الخطاب الإعلامي السابق ترافق مع تحركات حكومية، حيث أصدر مجلس الوزراء اللبناني، اليوم الأربعاء، مقررات مكونة من 9 بنود، تتعلق بأوضاع اللاجئين السوريين في لبنان.
وطالب أحد البنود مفوضية اللاجئين بإسقاط صفة “نازح” عن كل سوري يغادر الأراضي اللبنانية، وتزويد وزارة الداخلية بالبيانات الخاصة بالسوريين خلال مدة أقصاها أسبوع.
كما أكد ضرورة البحث في إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للنظام السوري بشكل فوري، مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة وبعد التنسيق مع النظام.
تسعة مقررات حكومية حول وضع السوريين بلبنان.. ماذا تضمنت؟
تحذيرات حقوقية وتحركات
في كل مرة يتصاعد فيها خطاب الكراهية ضد السوريين في لبنان، تُصدر منظمات وجهات حقوقية تحذيرات من مخاطر إعادتهم قسرياً لبلدهم، وتسليمهم لحكومة النظام، مؤكدة أن سورية “ليست آمنة”.
إذ أصدرت “منظمة العفو الدولية” تقريراً، أمس الثلاثاء، طالبت فيه السلطات اللبنانية بالكف فوراً عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً إلى سورية، وسط مخاوف من أن هؤلاء الأفراد مُعرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي النظام.
وأضافت أن “لبنان مُلزم بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي الإنساني العُرفي، بعدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يواجه فيه خطر التعذيب أو الاضطهاد”.
وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “من المقلق للغاية أن نرى الجيش يقرر مصير اللاجئين، من دون احترام الإجراءات القانونية الواجبة أو السماح لأولئك الذين يواجهون الترحيل بالطعن في ترحيلهم أمام المحكمة أو طلب الحماية”.
وحول التحركات الحقوقية، قال المدير التنفيذي لـ “مركز وصول لحقوق الإنسان”، محمد حسن، إن المركز سيوجه كتاباً مفتوحاً للجهات الدولية المعنية، ويطالبها بالوقوف على مسؤولياتها بشكل عاجل وإيقاف الترحيل القسري للاجئين.
وأضاف لـ “السورية نت” أن العديد من المؤسسات الدولية بدأت بالضغط على المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة، ووجهت رسائل إنذار بمخاطر حملة المداهمات التعسفية التي تقوم بها السلطات اللبنانية بحق اللاجئين.
وكان المركز قد دعا منظمات المجتمع المدني المحلية لاجتماع طارئ، الخميس الماضي، تطرق إلى أولوية دحض المعلومات والتصريحات غير الصحيحة التي يدلي بها مسؤولون لبنانيون حول اللاجئين، ودعا المفوضية لتصحيح تلك المعلومات “المغلوطة”.
خطط العودة لم ترَ النور
في يوليو/ تموز عام 2022، أعلنت الحكومة اللبنانية عن خطة لترحيل السوريين من لبنان بالتنسيق مع النظام السوري، تستهدف إعادة 15 ألف سوري شهرياً إلى مناطق سيطرة الأسد، أي بمعدل 180 ألف شخص في السنة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلن الرئيس اللبناني حينها ميشال عون، أن تنفيذ الخطة قد بدأ عبر إعادة أول دفعة من اللاجئين، تضم 1600 عائلة.
ولم يتم الإعلان عقب ذلك عن دفعات جديدة للاجئين عائدين، ما يشير إلى فشل الخطة التي عارضتها منظمات حقوقية وجهات دولية عدة.
واعتبر وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، أن خطة الترحيل التي وضعها بنفسه العام الماضي، والتي تشمل إعادة 15 ألف سوري شهرياً “مجمدة بقرار سياسي”، في تصريحه لموقع “الحرة” قبل يومين.
وسبق أن طرح لبنان خطة مماثلة عام 2017، إلا أنها لم تخرج بالنتائج التي ترجوها السلطات اللبنانية أيضاً.