وسط تجاهل دولي لمأساة مليون نازح إضافي من مناطق «تصعيد التصعيد» في أرياف محافظتي إدلب وحلب، أعلنت كل من موسكو وأنقرة عن فشل المباحثات التي أُجريت، يومي الاثنين والثلاثاء في موسكو، بين وفدي البلدين، في الوصول إلى أي تفاهمات جديدة.
«لقد رفضنا الورقة والخريطة التي قدموها لنا في موسكو» قال المتحدث الرئاسي التركي إبراهيم كالن، في حين قال لافروف إن روسيا لم تطرح طلبات جديدة من تركيا بشأن إدلب. أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد خاطب نواب حزبه في البرلمان، يوم أمس، فهدد بعملية اجتياح لمناطق إدلب «في أي لحظة!»، على غرار عمليات الاجتياح السابقة في مناطق «درع الفرات» وعفرين و«نبع السلام»، لمواجهة قوات النظام في حال تم استهداف نقاط المراقبة التركية التي بات عدد منها مطوقا بقوات بشار الكيماوي.
ويوم أمس جرى اتصال هاتفي بين أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال الأخير إنهما تباحثا، خلاله، بشأن إدلب وأضاف: «إننا نعمل معا»!
إشارة أمريكية: إنها إشارة أمريكية، من أعلى مستوى، لدعم أمريكي لتركيا بخصوص الصراع في إدلب وجوارها، لكنها ليست أكثر من إشارة. وسبق للمفوض الأمريكي الخاص بسوريا جيمس جفري أن أعلن، في أنقرة، عن هذا الدعم.
لكن مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين قال، في اليوم نفسه، إن الولايات المتحدة لن ترسل جنودا إلى منطقة النزاع في إدلب. صحيح أن مضمون كلام أوبراين غير مفاجئ، فلا أحد يتوقع خلاف ذلك، لكنه بدا كما لو كان ردا على تصريح السفير جيفري وتحذيرا لأنقرة من التعلق بأوهام بشأن مدى الانخراط الذي يمكن لواشنطن أن تقوم به في سوريا، دعما لتركيا، بعدما سحبت معظم قواتها من مناطق الجزيرة.
نقل الصحافي مراد يتكين عن مصادر أمريكية، لم يسمّها، جوابهم عن سؤاله بخصوص هذا التناقض في التصريحات الأمريكية، فأكدت له تلك المصادر أنه لا تناقض بين تصريحي جيفري وأوبراين. صحيح أن الولايات المتحدة لن ترسل جنودا، لكنها ستقدم لتركيا مختلف أشكال المساعدة الاستخباراتية والمعدات العسكرية. بل إن تلك المصادر ذهبت إلى أبعد من ذلك بالقول إن واشنطن لن تمانع في حصول تركيا على صواريخ الدفاع الجوي «باتريوت» لتنصب في ولاية «هاتاي» (لواء إسكندرون) الحدودية، ليس من البنتاغون بل من دول أوروبية أعضاء في حلف شمال الأطلسي.
تركيا التي خاضت، إلى الآن، صراعها على الأراضي السورية بواسطة وكلاء، في ما يسمّى بحروب الوكالة، مهددة اليوم لتتحول هي إلى وكيل لقوة دولية أكبر منها هي الولايات المتحدة الأمريكية
بصرف النظر عن المدى الذي يمكن لواشنطن أن تذهب إليه في دعم المجهود الحربي التركي في مناطق إدلب وحلب، من الواضح أن الرئيس التركي يمارس، في هذا الصراع، لعبة ابتزاز روسيا بالأمريكيين، والأمريكيين بروسيا.
واشنطن التي وجدت الفرصة سانحة لترميم علاقتها الفاترة مع الحليف التركي وإبعاده عن روسيا، تطلق تلك الإشارات الإيجابية لتشجيعه على المضي في مواجهة روسيا على الأراضي السورية، ربما على أمل أن يؤدي خطأ في الحسابات إلى حادثة تطيح بالشراكة الروسية – التركية، على غرار حادثة إسقاط طائرة السوخوي في خريف العام 2015، والتي كانت فاتحة التنازلات التركية أمام روسيا وصولا إلى الشراكة في مسار أستانا.
ابتزاز روسيا: لكن تركيا تتصرف، ميدانيا، بحذر شديد فتمتنع عن استهداف الطيران الروسي، مقابل إسقاط الفصائل المؤتمرة بأمرها لمروحيتين تابعتين لقوات النظام الكيماوي الأسبوع الماضي.
يبدو أن ابتزاز روسيا بواشنطن لم يعط النتائج المأمولة، تركيا، في مباحثات موسكو الأخيرة. فالرئيس الروسي يعرف أيضا أن الدفء المستجد بين أنقرة وواشنطن بشأن الصراع في إدلب، محدود الأثر ولا يعدو كونه ابتزازا له لتحقيق شروط يطالب بها الشريك التركي.
في غضون ذلك احتفل النظام الكيماوي ومؤيدوه باستعادة بلدات وقرى في ريفي حلب الشمالي والغربي، ظلت طوال سنوات تحت سيطرة فصائل مسلحة معارضة. وبعيدا عن المرارة التي تدفع معارضين سوريين إلى الحديث المتواتر عن صفقات تحت الطاولة بين الروس والأتراك بشأن تسليم تلك المناطق بلا قتال، يمكن القول إن الابتزاز التركي لروسيا لا يتجاوز مساحات محدودة في شمال محافظة إدلب، تريد تركيا الاحتفاظ بالسيطرة عليها لأطول فترة ممكنة لكي لا تضطر إلى مواجهة مطالبة روسية، بعد حين، بالانسحاب من منطقة عفرين، أي أن ما يفعله أردوغان هو إبعاد خطوط المعركة الدبلوماسية القادمة إلى الأمام (في إدلب) بدلا من خوضها في عفرين وربما منطقة «درع الفرات». هذا هو سبب استماتته في معركة إدلب اليوم.
أما بالنسبة لريفي حلب الشمالي والغربي فمن الواضح أن لا أوهام لدى تركيا بشأن الاحتفاظ بها، وهو ما دفع الفصائل إلى الانسحاب بلا قتال من عدد من البلدات والقرى.
أما الأمريكيون، فإن هدفهم من إعلان دعمهم لأنقرة، إضافة إلى محاولة خلق شرخ بين روسيا وتركيا، هو أن يحافظوا على أدوات سياسية فاعلة من شأنها التأثير على صياغة مصير سوريا السياسي حين تقام الطاولة متعددة الأطراف من أجل ذلك.
طرح الخبير التركي في العلاقات الدولية إلهان أوزغل فكرة جديرة بالتأمل بشأن المعركة على إدلب، فقال إن تركيا التي خاضت، إلى الآن، صراعها على الأراضي السورية بواسطة وكلاء، في ما يسمّى بحروب الوكالة، مهددة اليوم لتتحول هي إلى وكيل لقوة دولية أكبر منها (الولايات المتحدة) فتخوض صراع الوكالة بالنيابة عن واشنطن في سوريا!
سنرى، في الأيام المقبلة، ما إذا كان هذا التحليل في محله أم لا، فهو يفترض أن للولايات المتحدة استراتيجية سياسية واضحة في سوريا، تكون تركيا أداة من أدوات تنفيذها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت