في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة نظام الأسد وصول 3 ناقلات إيرانية تحمل النفط الخام إلى ميناء بانياس النفطي أصدرت قراراً رفعت بموجبه أسعار مادة البنزين الأوكتان من 2000 ليرة سورية إلى 2500 ليرة سورية.
وبينما تحدثت عن انفراجة في أزمة المحروقات، وخاصة مادتي المازوت والبنزين، أكدت مصادر إعلامية أن محطات الوقود ما تزال تشهد اصطفاف “طوابير طويلة” من السيارات للحصول على مخصصاتها من المادتين.
وتعود بدايات أزمة المحروقات إلى عامين مضيا، لكن الحال المرتبط بها تصاعد، منذ منتصف عام 2020، لاسيما بعد تشديد العقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد من جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
كما كان لمناطق شمال شرق سورية دوراً في تفاقم الأزمة التي تعيشها مختلف المحافظات السورية، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” على منابع النفط في المنطقة، وتبتز حكومة الأسد بين الفترة والأخرى بالكميات التي توافق على تمريرها إليه بصورة غير شرعية عبر المعابر الداخلية.
“الحلول مؤقتة”
في تصريحات لـ”السورية.نت” يقول الدكتور أسامة القاضي رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سورية” إن كل ناقلة تحمل النفط الخام، وتصل إلى الموانئ السورية ربما لا تكفي نظام الأسد لشهر واحد، ويتابع: “هو يعلم أن الناقلات عبارة عن حل مؤقت جداً لهذه الأزمة”.
ويضيف القاضي أن ناقلات النفط التي تصل بين الفترة والأخرى إلى سورية لا يمكن أن تحل أزمة المحروقات، مشيراً: “طالما لا يستطيع النظام السوري الوصول إلى النفط السوري داخل سورية فإن كل الحلول الخارجية ستكون مؤقتة، ورهينة بالضغوط السياسية ورهن التوافقات الدولية”.
وتعتمد حكومة الأسد منذ سنوات على التوريدات النفطية التي توردها الدول الداعمة للنظام وخاصة إيران، إلا أنها انخفضت خلال الأشهر الماضية بسبب تشديد العقوبات الأمريكية بموجب قانون “قيصر”.
كما تعتمد على تهريب المحروقات عبر صهاريج من المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهو ما أكده المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية جيمس جيفري في وقت سابق أواخر العام الماضي.
إضافة إلى ذلك تنشط عملية تهريب المحروقات من لبنان إلى المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، عبر صهاريج تدخل عبر أربعة مناطق حدودية، حسب ما ذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية في عدة تقارير لها، مطلع العام الحالي.
ويرى الخبير الاقتصادي، أسامة القاضي أن الناقلات التي دار الحديث عن وصولها في الأيام الماضية إلى ميناء بانياس سمح لها هذه المرة بالمرور من قناة السويس، وتوقع أن تغيب أي فرصة نجاح لمرورها في الأيام المقبلة، إذا تم الضغط أمريكياً على مصر.
وإلى الشرق حيث تسيطر “قسد” يوضح المتحدث ذاته أن “النظام يسعى لحل أزمة المحروقات مع منطقة النفوذ الأمريكية وإدارة قسد، لكن ذلك أيضاً يخضع لضغوط واشنطن وتفاهماتها مع روسيا”.
لماذا ترتفع الأسعار؟
القرار الأخير الذي أصدرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة الأسد برفع سعر مادة البنزين هو الثاني من نوعه خلال شهر، والرابع خلال عام واحد، الأمر الذي يربطه اقتصاديون بالهزات التي تتعرض لها الليرة السورية، من تدني قيمتها إلى مستويات قياسية في سوق العملات الأجنبية.
وفي تصريحات سابقة لـ”السورية.نت” اعتبر الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، كرم الشعار أن السبب الرئيسي وراء رفع سعر البنزين يعود إلى “الضغط المالي الذي يواجهه النظام السوري”.
وقال الشعار إن “الحديث في وسائل الإعلام الرسمية حول أن العقوبات تحد من وصول شحنات النفط من إيران ليس صحيحاً، وإنما المشكلة بالدرجة الأولى هو التمويل”.
وأوضح أن المشكلة هو عجز النظام المالي وعدم قدرته على دفع تكاليف الاستيراد، لكون المحروقات في سورية مدعومة بشدة، وهو ما يجعل الضغط على حكومة الأسد بشكل كبير، مشيراً إلى أن أكثر سلعة أنفقت عليها الحكومة في 2020 هي المحروقات.
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي، أسامة القاضي أن أسعار المحروقات في سورية يجب أن ترتفع بطبيعة الحال، “لأن سعر الليرة السورية منخفض وحتى السعر المعلن هو غير حقيقي”.
ويضيف القاضي: “ستستمر الزيادات كلما انخفض النشاط الاقتصادي، ومن الواضح أن النظام في حالة ارتباك. عينه على العملة وليس على النشاط الاقتصادي وهو أمر كبير وخطير على الاقتصاد كاملاً”.
“المرسوم رقم 3”
في سياق ما سبق كان لافتاً في الأيام الماضية وبالتزامن مع تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة إصدار رأس النظام السوري، بشار الأسد مرسوماً أقال بموجبه حاكم المصرف المركزي، حازم قرفول.
وبحسب تقارير نشرتها وسائل إعلام مقربة من النظام فقد اتهمت قرفول بالمسؤولية عن انهيار الليرة السورية، منذ عام 2018، وحملته كامل تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يعتبر انهيار العملة محورها الرئيسي.
وخلال حديثه أشار الخبير الاقتصادي، أسامة القاضي إلى أن نظام الأسد يريد أن “يضبط العملة من أجل صورته الإعلامية، لكنه لا يلتفت إلى حجم النشاط الاقتصادي الموجود في سوريا حتى لو انخفضت العملة”.
ويتابع: “حتى لو التفت إلى حله بضبط العملة فإن ذلك سيصطدم بالمرسوم رقم 3، والذي يمنع تداول أي عملة غير الليرة السورية”.
واعتبر القاضي أن “المرسوم 3 أصاب النظام السوري بمقتل، وهو يدفع ثمنه الآن، وأيضاً دفع ثمنه حاكم البنك المركزي حازم قرفول -عرنوس سيدفع ثمنه- هم لم يضعوا جهداً في إلغاء هذا المرسوم لأنه غير فعال وخاصة في الظرف السوري”.
ما الذي ينص عليه؟
وفي مطلع عام 2020 كان رئيس النظام السوري، بشار الأسد قد أصدر مرسوماً تشريعياً حمل رقم “3”، وقضى بتشديد عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، أو التسديدات النقدية، وسواء كان ذلك بالقطع الأجنبي أم المعادن الثمينة.
وأصبحت العقوبة، بموجب المرسوم بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات وغرامة مالية، بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.
فيما كانت العقوبة في السابق الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة المالية، بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة، على ألا تقل عن مئة ألف ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين.