في شهر شباط (فبراير) من العام الفائت كانت أنظار رأس النظام السوري بشار الأسد متجهة نحو العاصمة الأوكرانية كييف ينتظر خبر سقوطها بيد الجيش الروسي، كان النظام وأنصاره يراهنون على أن الانتصار الروسي محسوم في أوكرانيا، وسيغير المعادلة الدولية ويجبر واشنطن على القبول بعالم متعدد الاقطاب يرفض هيمنتها على العالم.
أزمة الأسد أنه لم يميز تمييز الغرب ما بين المدن السورية التي سمح للطيران الروسي بتسويتها بالأرض وبين المدن الأوكرانية، الذي قدم أفضل ما يملك من عتاد للجيش الأوكراني من أجل تسوية آلة الحرب الروسية بالأرض.
في شهر شباط المقبل من هذا العام ينتظر الأسد احتفال النظام الإيراني بالذكرى 44 على سقوط نظام الشاه، ليؤكد تمسكه بتحالفه التاريخي مع طهران التي أرسلت مرتزقة من كل حدب وصوب من أجل حماية نظامه، ففي 11 من شهر شباط من كل عام يؤكد النظامان متانة تحالفهما، وتذكر طهران العالم بأنها وقفت بوجه مؤامرة كونية من أجل إسقاط الأسد ونجحت في ابقائه بقصر المهاجرين، ولكن الأسد الواثق من متانة نظام طهران وقوته يقلقه مشهد الاحتجاجات الايرانية، فهي تعيد إلى ذاكرته مشهد المتظاهرين في شوارع وساحات المدن السورية الذين ثاروا بوجهه منذ 12 عاما ولم يستسلموا حتى الآن بالرغم مما تعرضوا له من نكبات وخيبات وخيانات.
بين شباطين، واحد روسي وآخر ايراني، تهتز أحزمة أمان الأسد الايرانية والروسية التي ضمنت سلامة جلوسه على الكرسي، فالوضع في أوكرانيا لم يعد يبشر بانتصار روسي، بل إن الوقائع العسكرية بعد 10 أشهر على الغزو تثبت ميدانيا ان نصف هزيمة روسيا قد وقعت، وأن البحث عن حل سلمي للحرب مؤجل، في معادلة لا تختلف كثيرا عن سوريا، التي على الرغم من تحقيق روسيا نصف انتصار، إلا أن الولايات المتحدة لا تظهر اهتمامها بحل الأزمة السورية، كما تتصرف في أوكرانيا ومعها الناتو غير مستعجلين على إنهاء النزاع، بل من الواضح ن الاستنزاف الذي بدأ في سوريا انتقل بمستوى أشد إلى اوكرانيا، التي أعادت إلى أذهان الجنود الروس مأساة الحرب الأفغانية.
أما في إيران، فإن حركة الاحتجاجات مستمرة في إرباك النظام، وكشفت عن الفجوة العميقة بينه وبين الشعب الإيراني، وباتت إيران مهددة بصراع ما بين الأطراف والمركز كما في سوريا، والأزمة الاقتصادية وتفاقم الأوضاع المعيشية نتيجة سوء إدارة الثروة وتبذيرها على المشاريع الخارجية، وفي مقدمتها الإنفاق الكبير على الحرب ضد ثورة الشعب السوري، إضافة إلى العقوبات الأميركية، دفعت نظام طهران إلى انشغالات داخلية أصبحت في مقدمة أولوياته، حيث انعكس ذلك على مستوى ما تقدمه لنظام الأسد الذي لا يمكنه تجاوز تداعيات الاحتجاجات الإيرانية على استقراره الهش، خصوصا أن الظروف المعيشية التي يمر بها السوريون في مناطق الأسد باتت أكبر من قدرة طهران على معالجتها وتنذر بإمكانية اندلاع احتجاجات مطلبية، ردا على تردي الأوضاع المعيشية.
لم يعد ما في طهران وموسكو يكفي احتياجات الداخل، فالزيت إذا احتاجه البيت يحرم على المسجد، وإذا كانت الأولوية منع الهزيمة في أوكرانيا لاحتواء الاحتجاجات في إيران، فإن أولوية الأسد عند حلفائه تراجعت، الأمر الذي سيزيد من قلقه وارتباكه، فهو غير قادر على تأمين ضامن آخر، كما لم تنجح الضغوط الروسية على بعض أصدقائها العرب في تولي أمره، ولم تقدم واشنطن أي فرصة لتخفيف العقوبات عليه، كما أن النظام السوري رغم تقلبات التركي، وتواطؤه مع موسكو، يعي مخاطر المستقبل وبأنه مُلحق بمحور مضطرب تبدو عليه علامة الهزيمة في أكثر من جبهة وبأن نظامه سيكون أحد ملحقات هذه الهزائم.
ما بعد الغزو والاحتجاجات، يصعب التكهن بشكل سوريا، ولكن الأرجح أن مرفقات أو ملحقات هذا المحور ستكون في سلم أولويات التغيير.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت