اللافت في ما كتبه السفير الأميركي السابق فريديريك هوف في مجلة “نيوز لاين ماغازين”، عن تصريح للرئيس السوري بشار الأسد عن “سورية” مزارع شبعا، وأيضاً الاستعداد المبدئي للتخلي عن العلاقة مع ايران و”حزب الله”، أن الكلام يخرج من مسؤول أميركي سابق لعب دوراً في وساطات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وبالتالي، يُعبّر هوف لا عن مزاجية الإدارة السابقة بقيادة دونالد ترامب، بل عن الدبلوماسية التقليدية الأميركية ورؤيتها لمسار الحل. والكلام يتطابق أيضاً مع تاريخ العلاقة بين “حزب الله” وإيران من جهة، وبين النظام السوري، من جهة ثانية. هي علاقة مبنية على اهتزاز الثقة، رغم مظاهر التحالف والتآلف.
هوف، وهو دبلوماسي أميركي ووسيط سابق في ملف ترسيم الحدود الإسرائيلية-اللبنانية، كان شاهداً بنفسه في 28 شباط (فبراير) عام 2011 على كلام الرئيس السوري بأن المزارع “سورية” وليست لبنانية (كما جاء على لسان قادة “حزب الله” ومسؤولين في الدولة). كان هوف حاضراً في هذه الجلسة، وربط بمقاله بينها وبين مسار المفاوضات والمطلب الإسرائيلي فيها (كلام الأسد نقدي ضد سردية حزب الله ويُخفي انسجاماً مع الجانب الإسرائيلي).
على سبيل المثال، وصف هوف وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بأنه “مؤمن حقيقي بالسلام مع إسرائيل”، ويحظى بثقة كاملة لدى رئيسه بشار الأسد. المعلم دوماً أكثر تحفظاً وأقل اندفاعاً من رئيسه في الجلسات، إذ يُبادر بالكلام في قضايا حساسة مثل مزارع شبعا. ذاك أن سردية المحادثات الإسرائيلية-السورية تشمل دوماً تلميحاً أو حديثاً مباشراً عن استعداد النظام السوري، للتخلي عن العلاقة مع إيران و”حزب الله”. والعراقيل التي حالت دون مثل هذا الاتفاق، جاءت نتيجة الطلب بالتنازل المسبق أو التزام واضح ودائم (كما جاء في كلام هوف نقلاً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) أو نظراً لغياب صفقة إقليمية أوسع تشمل الدور السوري في لبنان.
خلال موسم مفاوضات أوسلو، كان المشهد مماثلاً، إذ شعر الجانب الإيراني بقلق وبعث بوفد الى دمشق ليعود خالي الوفاض، وسط شعور إيراني بأن طهران في طريقها الى عزلة تامة نتيجة موقفها من السلام مع إسرائيل، ودعمها لحركة “حماس” حينها. هذا التوتر وصفه أنتوني لايك مستشار الامن القومي السابق في إدارة كلينتون، بالقول إن إيران والحزب “شعروا بتوتر شديد… وقادة حزب الله تساجلوا في ما بينهم عن كيفية انتهاج أجندة متطرفة في زمن سلام لبناني-إسرائيلي”. حينها، كان الحديث السوري-الإسرائيلي أن أي اتفاق سلام سيشمل لبنان بطبيعة الحال نتيجة الهيمنة السورية في هذا البلد.
وهذا الكلام انسحب أيضاً على المفاوضات السورية-الإسرائيلية في عهد بشار الأسد، وتحديداً قبل حرب تموز (يوليو) عام 2006. رغم أن حلفاء الأسد في لبنان كانوا يخوضون معركة سياسية للدفاع عنه، لم يجد مانعاً من الانخراط في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، شمل بنداً عن المساعدة في “حل سلمي للمشكلات مع الفلسطينيين وفي لبنان وايران”، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة إسرائيلية وترجمته الغارديان البريطانية. بحسب المصدر ذاته، نشرت “هآرتس” بأن مسؤولين سوريين طلبوا عقد اجتماعات سرية مباشرة بين الجانبين لكن إسرائيل رفضت ذلك.
عملياً، لا يُمانع النظام في التفاوض حول مصائر حلفائه، حتى لو كانوا يخوضون معارك دفاعاً عنه، كما الحال في المفاوضات غير المباشرة عام 2005 و2006، أو في المحادثات التي كشف عنها هوف، وانتهت قبل أسابيع قليلة من انطلاق الثورة السورية عام 2011، وقبل شهور من بدء تدخل “حزب الله” دفاعاً عنه.
وفي موازاة ذلك، اعتبار الأسد مزارع شبعا سورية عام 2011، والتنقيب عن الغاز في منطقة بحرية متنازع عليها بين البلدين عام 2021، هما حدثان يتشاركان في المعنى. لهذا السبب، تحتاج الحدود مع سوريا، ترسيماً طارئاً يتقدم على المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي. ذاك أن أي تعافٍ للنظام ضمن صفقة إقليمية، ستكون له تبعات على احتمالات حل النزاع الحدودي، ليصير على حساب الجانب اللبناني دون أي مفاوضات أو ندية بين الطرفين. صمت النظام ليس علامة رضى، بل تأجيل لظروف تُناسبه أكثر.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت